}

لماذا تنكَّر الجميع لإرث محمد شكري؟

نجيب مبارك 16 نوفمبر 2018

 

 

حلّت يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الذكرى 15 لرحيل الكاتب المغربي العالمي محمد شكري (1935-2003)، ومعها تجدّد السؤال عن مآل التراث الأدبي الذي تركه الراحل في شقّته بمدينة طنجة، إثر وفاته بالمستشفى العسكري بالرباط، حيث أقدمت السلطات بتشميعها لمدة سنتين تقريباً من دون أسباب واضحة، قبل أن يقوم أفراد من عائلته، بصفتهم ورثته الشرعيون، بدخول الشقة ونقل كلّ ما كانت تحتويه من كتب ووثائق ومقتنيات ورسائل وتذكارات وأشرطة ولوحات وأثاث إلى مدينة تطوان القريبة، حيث ما تزال محفوظة هناك إلى اليوم في ظروف يمكن أن يقال بأنّها غير ملائمة.

ومع هذه الذكرى أيضاً، يثار من جديد سؤال "الوصيّة" المثيرة للجدل التي يُقال إنّ شكري أملاها وهو على فراش الموت، علماً أن هناك غموض شديد يلفّ مسألة وجودها من عدمه، إذ لم يتأكّد حتّى الآن ما إذا كان محمد شكري قد ترك فعلاً وصية موثّقة تحدّد الجهة التي يجب أن تتكفّل بتدبير تراثه بعد الوفاة، وكلّ ما في الأمر أنّه عشية رحيله خطّ على ورقة أسماء بعض أصدقائه من الشخصيات الثقافية التي ستشرف على تسيير "مؤسسة محمد شكري"، وتتداول رئاستها فيما بينها، وهي مؤسسة كان يحلم بها الكاتب الكبير في أواخر حياته ويأمل أن تكون هي الجهة الوصية على ممتلكاته، وقد عمل الكثير من أجل إخراجها إلى النور، قبل أن ينال منه المرض الخبيث. في المقابل، هناك من يدّعي أنّ الوصية تمّ إخفاؤها عن قصد، لسبب من الأسباب،  من طرف بعض أصدقاء الراحل، كما قال روبرتو دي هولندا، وكيل أعمال محمد شكري وصديقه الحميم، الذي اعتبر أنه لو كان شكري قد أوصى بإرثه الأدبي لجامعة أوروبية أو أميركية -كما اقترح عليه- لكان الواقع مختلفاً بشكل كبير وأفضل بكثير، قبل أن يضيف إن الأمر "يعتبر انتهاكاً لوصية الإنسان الأخيرة".

عن هذه "الوصية" العجيبة وحيثيات انتقال إرث شكري من شقته في طنجة إلى مدينة تطوان، وظروف حفظ هذه الآثار اليوم، وعن حقيقة إنشاء "مؤسسة محمد شكري، ثمّ تعثّر استمرارها، وتنصّل الدولة والمؤسسات الثقافية وحتى أصدقاء الراحل من الاهتمام بهذا الإرث، توجَّهت "ضفة ثالثة" بأسئلة إلى السيد طارق شكري، ابن أخ محمد شكري، بصفته حالياً الوكيل الشرعي عن تراث الراحل الأدبي، والمتحدّث باسم عائلته، والسّاهر على حفظ ما بقي من ذاكرة الكاتب الطنجاوي، في انتظار أن تنتبه السلطات المعنية باستعجال، خصوصاً في عاصمة البوغاز، لأهمّية الاحتفاء بتراث هذا الكاتب الفريد، مثلما يليق بمكانته الأدبية والثقافية مغربياً وعربياً وعالمياً:

 

 

أنتَ ابن أخ الكاتب الكبير الراحل محمد شكري والوكيل الشرعي عن تراثه الأدبي. ما هي ذكرياتك عن الراحل وكيف كانت علاقتك به قبل وفاته؟

نعم، أنا ابن أخ الراحل محمد شكري والوكيل الشرعي عن تراثه الأدبي، بمقتضى توكيل قانوني موثّق. علاقتي بالراحل كانت بسيطة جداً، وذلك ناتج عن علاقته المتوتّرة والمتذبذبة بالعائلة ككلّ. كانت لقاءاتنا تتمّ غالباً في أحد مطاعم طنجة. وأذكر من حديثه معي أنّه كان يوصيني دائماً بالعناية بأبي.

 

بالنسبة إلى تراث الراحل الذي تركه في شقته في طنجة، ما هي حيثيات وظروف انتقاله إلى مدينة تطوان حيث تعيش عائلتك، وما طبيعة النزاعات القانونية التي أثارها الورثة بعد وفاته؟ وهل كانت هناك مبادرات صادقة للاحتفاظ به في شقته كما جرت العادة بالنسبة لكبار الكتّاب في العالم؟

ما يسمّى حيثيات وظروف الانتقال هو في الواقع تسليم الورثة حقّهم الشرعي والقانوني. بعد وفاة الكاتب مباشرة قامت السلطات بتشميع شقّته. وفي يوم الجنازة، وكنّا حينها في دار الثقافة بمدينة طنجة، تلقينا تعزية من طرف جلالة الملك محمد السادس. وجلسنا مع وزير الثقافة آنذاك، السيد محمد الأشعري، وهو الذي أخبرنا بأنه تمّ تشميع الشقة حتى إشعار آخر، بدعوى أنّ الراحل شكري قد تركَ وصية. فرحنا لذلك، وقلنا إنّ مقتنيات الراحل ستكون بين أيدي أمينة. لكن، بعد أكثر من سنة تبيّن أنه لم تكن هناك لا وصية ولا أيّ شيء. قمنا بعدد من اللقاءات وطلبنا تفسيرات لكننا لم نتوصّل بأيّ جواب. رفعنا دعوة قضائية بفتح الشقّة فأنصفنا القانون. بعد ذلك، تمّت عملية تسليم الشقة لمالكها الأصلي ونحن أخدنا مقتنيات الراحل إلى تطوان. لم تكن هناك أيّ مبادرات للاحتفاظ بها.

 

تقصد أنّ المؤسسات الثقافية، بما فيها وزارة الثقافة واتحاد كتّاب المغرب وأصدقاء الراحل، لم يقوموا بأيّ مبادرة جدّية للحفاظ عليها في شقّته، لكنّنا قرأنا قبل سنوات عن تدشين "مؤسّسة محمد شكري" في طنجة، ألم يكن هذا حلّاً للقضية؟

كما قلتُ سابقاً، لم تكن هناك أيّ مبادرة من أيّ مؤسّسة ولا من أيّ صديق من أصدقائه. أمّا بالنسبة للمؤسسة، فأنا كنت المبادر إليها قبل ظهورها. قمتُ آنذاك بزيارة "باشا" طنجة، السيّد فؤاد العمري، وتحدّثت معه عن مؤسسة تضمّ اسم الراحل محمد شكري. لكن بعدها، تدخّل أشخاص كانت أهدافهم غير واضحة، لأن المؤسسة القائمة الآن ليس لها دافع ثقافي أو أدبي بقدر ما هو دافع مادي في حدّ ذاته. وهذا من بين الأسباب التي دفعت لتأخير الإعلان عن المؤسسة في ذلك الحين، كما لم يتمّ إقناعي شخصياً بفائدة وجودها، بسبب ضعف البرنامج وعدم وضوح الرؤية، وأنا لن أدخل في متاهات لا تؤدّي إلى ما أراده المرحوم، وهو الاستفادة من أدبه ومكتوباته بصفة مجّانية. وبالفعل، كانت قراراتي موفّقة. لعلّك سمعت بإغلاق مؤسّسة محمد شكري بصفة نهائية ونقل مقرّها إلى جناح بالمركز الثقافي أحمد بوكماخ في طنجة. هي إذاً مؤسّسة بدون أهداف وبدون رؤية واضحة، مؤسّسة بالاسم فقط، بعيدة كلّ البعد عن محمد شكري وتراثه. لو كانت لها أهداف واضحة لاستمرّت حتّى الآن، لكن ما بُني على باطل لن يدوم، وهذا ما حدث.

 

ما هو اقتراحكم للحفاظ على هذا الإرث من التّلف وكيف تتعاملون مع حقوق التّرجمة وإعادة نشر كتب الراحل في المغرب وخارجه؟ هل لديكم تصوّر لطريقة ناجعة لإعادة الاعتبار لهذا التراث، وماذا تقترحون كحلّ مُرضٍ ومشرّف ودائم في المستقبل؟ ومن سيتكفّل بذلك في نظركم ؟

أنا طبعاً ليس لديّ تصوّر واضح حول الحفاظ على تلك التراث، ومنفتح على جميع المقترحات والآراء من جميع الجهات، لكن شرط أن تكون برؤية واضحة وهادفة. أما بالنسبة لحقوق الترجمة وإعادة نشر الكتب في المغرب وخارج المغرب، فهي صراحة تتمّ بطريقة عشوائية وذلك بسبب ضُعف معرفتنا بالأمور كيف تسير. نحن ننتظر مقترحات، وإذا كانت مناسبة سنقوم بتسليم جلّ مقتنيات الراحل، لأنّ أهمّ شيء هو أن تكون بين أيدي أمينة. وللتوضيح، ليس لدينا أيّ محام أو من يساعدنا بصفة قانونية. لديّ بعض المقترحات التي تلقّيتها من بعض الغيورين وهم من قرّاء الكاتب.

 

لنعد إلى هذا التراث، حدّثنا عن أهمّ ما تركه الراحل، ما هي طبيعته بالضبط: كتب، مخطوطات، مسودات، لوحات، أشرطة...إلخ؟

تراث الراحل محمد شكري هو عبارة عن كتب كثيرة، من بينها كتب مهداة من كتاب أجانب وعرب. فضلاً عن مخطوطات كثيرة ومسودات، ولوحات وصور فوتوغرافية مع كتاب ومثقفين عالميين، وأشرطة ورسائل مع كبار الكتّاب المغاربة والعرب والأجانب، وغيرها كثير. أما بالنسبة للمخطوطات والمسودات، فأغلبها بالتأكيد ليست له قيمة أدبية حقيقة، لأنّ جلّها تمّ نشره من طرف الراحل خلال حياته. لقد جلبنا كل مقتنيات الراحل من الألف إلى الياء، وما زلنا نحفظها كاملة، بما فيها أثاث المنزل.

 

هناك من كتَب أنّ هذه الآثار محفوظة في مكان غير ملائم، بل هناك من قال إنّ الأمر يتعلق ب"كراج" أو ما شابه، هل يمكنكم توضيح هذه المسألة؟

بالفعل، هذه الآثار محفوظة في مكان غير ملائم وسبق لي أن صرّحت بذلك في عدد من المنابر الإعلامية. وأنا الآن بصدد إصلاح جناح في بيتي وأحاول أن يكون هو المكان الملائم، وفي الوقت نفسه أبحث عن طُرق لتكون متاحة في وجه البشرية جمعاء. لكن، في الحقيقة أتمنّى أن تكون مقتنيات شكري في مدينته ومعشوقته طنجة. لقد كان حلم الراحل هو مؤسّسة تحمل اسمه في مدينة طنجة وكان دائماً يحاول أن يكون تراثه بين أيدي أمينة. نحن ننتصر للمبادرات الجادّة، مع العلم أنّه كانت هناك مبادرة في الأيام الماضية لكنّها لم تكن بنّاءة لاعتبارات عدّة، لن أذكرها احتراماً للآخرين.

 

هل تتلقّون زيارات من طرف مسؤولين أو مثقفين أو أصدقاء الراحل من حين لآخر؟

لا، للأسف. لم تكن هناك أيّ زيارات من أيّ جهة مسؤولة ولا حتّى من أصدقائه طوال هذه السنين الطويلة. كما لم تكن هناك أيّ مبادرات من أيّ صديق، قريب أو بعيد من الراحل. بمعنى أنّ الجميع تنكّر لتراث شكري. وكما قلت لك، كان كلّ شيء بين أيديهم بعد وفاته، وبقي الوضع كذلك لأكثر من سنتين. لكن لا أحد بادر إلى فعل شيء.

 

هناك من أصدقاء الراحل من كتَب مؤخراً عن وجود وصية موثّقة من شكري يوصي فيها بأن تحال ممتلكاته الى مؤسسة تحمل اسمه مع ضمان حق خادمته فتيحة بالاستفادة من مبلغ 1000 درهم شهرياً؟ هل هذا صحيح؟

دائماً نسمع أنّ شخصاً ما أو صديقاً ما قرأ وصية موثّقة كتبها أو تركها الكاتب. لكن الواقع عكس ذلك، لأنّ السؤال المطروح: أين هي هذه الوصية؟ في الحقيقة، لم تكن هناك أيّ وصية. ونحن كنّا نتمنّى أن تبادر جهات مسؤولة لحماية المقتنيات والاعتناء بها وعرضها أمام العموم والاحتفاء باسم محمد شكري باعتباره كاتباً عالمياً. لقد كتَب عن معاناته وعن هجرة الريف وعن مدينة طنجة. أمّا بخصوص مَن أمرَ بإغلاق الشقّة فليس هناك من تبنّى ذلك. لقد بقيت ظروف هذا الإغلاق مجهولة.

 

أليس من الأفضل التفكير من جديد في إعادة تراث الراحل إلى شقّته الأصلية في طنجة، إذا تظافرت الجهود وخلصت النّيات؟

ربّما. لكن بعيداً عن الشروط المادية والمعنوية، يجب أن تتحقّق شروط أخلاقية. كأن تتكفّل بالأمر جهة رسمية في الدولة ذات مصداقية وليس المنتخبون. هؤلاء يأتون ويذهبون، يتغيّرون باستمرار، ومع كلّ شخص منهم يكون كلام جديد. لكن الدولة لا تتغيّر. لعلّك شاهدت ما حدَث للمؤسسة التي لم تستمرّ، لماذا؟ السبب هو غياب الجهات الرسمية. وفعلاً، إنّ الدولة تمثّلها وزارة الثقافة، لكن أين هي هذه الوزارة؟ ما دورها؟ لم يتّصل بنا أيّ وزير للثقافة، جديد أو قديم، ولم نتوصّل من الوزارة بأيّ مبادرة حتى اليوم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.