}

نافيد كرماني: كل لاجئ في أوروبا بزوغ للحقيقة

سارة عابدين 28 أكتوبر 2018
هنا/الآن نافيد كرماني: كل لاجئ في أوروبا بزوغ للحقيقة
نافيد كرماني

لم يكن موضوع الريبورتاج الأدبي معترفًا به كنوع أدبي مستقل، لأنه يتأرجح بين الرواية والرؤية الذاتية والتحرير الصحافي، لكن مؤخرا تزايد الاهتمام بهذا النوع، خاصة بعد حصول الكاتبة البيلاروسية سيفتلانا إليكسفيتش على جائزة نوبل عن مجمل تحقيقاتها.

وأقيمت في معهد جوتة (القاهرة) يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول ندوة احتفاء بإطلاق ترجمة كتاب "بزوغ الحقيقة، على دروب اللاجئين عبر أوروبا" للكاتب الألماني إيراني الأصل نافيد كرماني، والذي ينتمي إلى نوع الريبورتاج الأدبي.

كرماني بالإضافة لكونه صحافيًا هو كاتب وروائي أيضا، وهي توليفة إنسانية تشبه إلى حد كبير توليفة الكتاب الذي يحوي ريبورتاجات استقصائية بحس روائي وأدبي.

ذكر الكاتب محمد شعير في بداية الأمر مقولة لماركيز الذي عمل في بداية حياته بالصحافة الاستقصائية، وقال إن الصحافي في هذه الحالة ينبغي أن يمتلك زرافة، لأن رقبتها الطويلة ورأسها العالي يساعدانها على الرؤية بوضوح ومن زاوية أكثر سيطرة على الأمور. لكن كرماني لم يتفق مع مقولة ماركيز، التي لا تتناسب مع تصوره عن جسده، فهو أكثر قربا من الأرض، ويرغب دائما في الكتابة عن مشاعره الذاتية، ويود دائما أن يشارك القارئ الأسئلة التي تطرح نفسها بداخله، وأن يشاركه الصور والتعبيرات والانطباعات، والبلبلة الشخصية التي تشبه لوحة فنية، لا الإجابات الجاهزة؛ لذلك يقول كرماني ربما يناسبه أكثر من الزرافة أن يكون إسفنجة تمتص كل شيء، وفي النهاية يصوغ من الإسفنجة النص الذي يكتبه.

يقول نافيد إن بداية تفكيره بالكتاب كانت في خريف 2015، حين حضر اللاجئون إلى ألمانيا على أقدامهم في ذلك العصر شديد الحداثة. أمهات وأطفال، مرضى ومعافون، طوابير من البشر، يأتون شخصًا وراء الآخر، وكأنه تحقق لنبوءة الإنجيل. تلك اللحظة شديدة الإنسانية التي تدفق فيها اللاجئون عبر الحدود، بدأت فيها الفكرة، لأنه كان يعرف أن هذه اللحظة لن تتكرر، وأن هذه الحدود لن تبقى مفتوحة للأبد.

أما عما يقصده كرماني في عنوان كتابه ("بزوغ الحقيقة") فيقول إنه يقصد الحقيقة بمعنى الواقع، وليس بمعنى الحق، ويدلل على ما يقصده بما قالته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في بداية تدفق اللاجئين إلى ألمانيا: "لم نكن نعرف شيئًا عن هذه المشكلات، ولا نراها. نحن نرى حركة هجرة منذ عقدين، بسبب الكوارث الطبيعية والحروب الأهلية، وقبل أن تمسنا أزمة اللاجئين رأينا آلافًا منهم يغرقون في البحر، وعلى حواف أوروبا، ولم نهتم للأمر حتى اقترب الأمر من ألمانيا".

لذا يعتبر كرماني كل لاجئ هو بزوغ للحقيقة في حد ذاتها، لأن كل لاجئ يروي قصة كارثة حدثت له، من تلك الكوارث التي حاولت أوروبا بقدر الإمكان إبعادها عن أرضها، حتى أصبحت تلك الوقائع تمس كل أوروبي بشكل شخصي، بعد أن كانت مجرّد أخبار في القنوات الإخبارية.

تحدثت الدكتور نيرمين الشرقاوي، مترجمة الكتاب، عن الحقيقة الأخرى، الحقيقة التي اكتشفها الألمان من وجود اللاجئين بينهم. وتساءلت: ماذا قدم اللاجئون لألمانيا من خلال وجودهم هناك؟

وقالت الشرقاوي إن اللاجئ يقدم جدلا يطرحه من خلال وجوده الفيزيقي، ويمنحهم سؤالًا حول مراجعة أفكارهم، وماهيتهم، لأن أوروبا المطروحة في الكتاب هي فكرة مبنية على عصر التنوير بكل عمقه الحضاري والإنساني والفلسفي، وهو إرث أوروبي تحول إلى إرث إنساني، لذا فالجدل حول اللاجئين بالرغم من كل شيء هو دافع للألمان والأوروبيين لمراجعة أفكارهم وهوياتهم من جديد.

الكتاب قليلا ما يصدر أحكاما ولا يتحيز لموقف معين، لكنه يؤكد أنه عندما لا تكون هناك سياسة منِظمة للهجرة، لا يأتي إلا هؤلاء الذين يمكنهم تحمل المشقة. وبالطبع قدوم مليون لاجئ لن يمر ببساطة، خاصة أن تلك الجماعة من اللاجئين مصابة بالصدمة، وانهيار القيم، واعتادت على فكرة البقاء للأقوى، وتتساءل أين يكمن الأمان والحماية بعد سلسلة طويلة من فقدان الأمل؟. لذا فهؤلاء اللاجئون قادمون بمشكلاتهم العميقة معهم، ومنها مشكلات اجتماعية أدت إلى ازدياد قوة الأحزاب اليمينية، بعد عام 2015، بالرغم من محاولات الدولة والكنائس والمجتمع المدني التضامن مع هؤلاء اللاجئين، وتقديم المساعدات لهم. أما الآن فقد أصبح هناك تفكير بالعودة لما قبل 2015، على أمل أن تظل المشكلات بعيدة، بالرغم من استحالة ذلك في الوقت الراهن.

أوروبا مسؤولة تجاه

ما يجري في سورية

يعتقد كرماني بأن أوروبا مسؤولة تجاه ما يجري داخل سورية، ويرى أن الكارثة في سورية وتقسيم البلد كان يمكن تجنبهما بتدخل مبكر عن طريق مقاطعة الأسد ونظامه، أو إقامة مناطق حظر جوي، لمنع ضرب القرى السنية وتأجيج النزاع الطائفي. ويستعيد كرماني بداية ثورة سورية: 8 أشهر من التظاهر السلمي، والدفاع عن القيم الإنسانية، دون أي مساندة حقيقية لسورية وثورتها، من المجتمع أو الحكومة. حتى الأحزاب اليسارية التي كنا نعول عليها لمساندة سورية رفضت الوقوف ضد الأسد، الذي يعتبر حليفا لروسيا، وبالتالي هو حليف للجانب اليساري. ولهذه الأسباب يذكر كرماني أنه كانت له صراعات مع أصدقائه من المعسكر اليساري.

يقول كرماني إنه أوروبي ويعيش في أوروبا، لذلك يوجه نقده للمجتمع الأوروبي، لكن هناك أطراف أخرى متعددة مسؤولة عن أزمة سورية، منها العالم العربي، الذي كان يجب عليه التضامن مع بعضه البعض في سورية واليمن وفلسطين. ويذكر أيضا الحركات التحررية في إيران، والتي أجهضت نتيجة الحرب في سورية، واستغل النظام الإيراني الحرب السورية لتخويف الشعب من سيناريوهات شبيهة، وهذا يعني أن الأمن أصبح يسبق الحرية، الأمر الذي يحتاج وقتًا طويلًا للعودة إلى الحرية كأولوية من جديد.

أهمية الريبورتاج الأدبي

تتحدث مجددا الدكتورة نيرمين الشرقاوي، مترجمة الكتاب، وتقول إنه بالرغم من صغر حجمه، إلا أنه استغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، لأن أهم ما يميز الترجمة الدقيقة هو التعرف على أسلوب الكاتب، ونقله بأمانة إلى اللغة العربية، وليس الاهتمام فقط بالمعاني أو الجمل والتعقيدات اللغوية. وتضيف أن أهمية الكتاب تكمن في نوعيته كريبورتاج أدبي، وهو يجمع بين الأدب والصحافة، وهذه النوعية الصحافية تعد إنقاذًا للصحافة وإنقاذًا للتاريخ، في تلك المرحلة الفارقة، التي تفتقر إلى التوثيق الدقيق والمحايد.

تذكر الشرقاوي أن الترجمة لم تكن شاقة على المستوى اللغوي، لكنها كانت شاقة على المستوى النفسي، أن يواجه الإنسان كل هذا الشقاء الإنساني بشكل مباشر، هو المهم. وبالرغم من عدم استخدام كرماني للأساليب البلاغية لمخاطبة العواطف، إلا أنها انفعلت جدا بالكتاب وبالمرويات داخله أثناء الترجمة.

نُشرت المشاهدات الموجودة في الكتاب أولا بمجلة دير شبيغل الألمانية، غير أن الصيغة الموجودة بالكتاب أكثر إسهابا، لكنها تظل صيغة مكثفة، تتلمس الطريقة الفوتوغرافية، تروي الأحداث بدون إطلاق أحكام.

يقول كرماني إنه يسافر عبر الحروب والأحداث البشعة، لكنه لا يبحث أبدا عن القمة، بل عن الحياة اليومية، التي لا نجدها في نشرات الأخبار، والقصص الإنسانية الصغيرة، هي التي تهمه. فهو يعتقد أن الكاتب إذا كان يهتم بتحريك مشاعر القارئ، عليه أن يحكي الوقائع دون وضع أثره الشخصي، لأن التأثير لا يأتي مما يقرأه القارئ بشكل مباشر، لكنه يأتي من الصور التي تتوالد في ذهن القارئ، وهنا تصبح لكل شخص قراءة خاصة به.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.