}

هاشتاغات 2017: انتخاب أحمق رئيساً لأميركا وإعلانه بشأن القدس

أحمد ندا أحمد ندا 4 يناير 2018
هنا/الآن هاشتاغات 2017: انتخاب أحمق رئيساً لأميركا وإعلانه بشأن القدس
لوحة تصور دخول صلاح الدين مدينة القدس

ثمة حاجة ملحة دائما للكلام عند الإنسان، خاصة فيما لا يتعلق بحياته الشخصية بشكل مباشر، ولدى التعليق على مجريات الأحداث العالمية. إنها "الفضيلة" التي منحتها مواقع التواصل الاجتماعي للبشرية، وهو ما أثار حفيظة كاتب مثل إمبرتو إيكو الذي قال إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك "تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورًا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء".

لكن عنف إيكو يبدو كما لو كان نابعا من تجربة سيئة مع مواقع التواصل الاجتماعي، لأن المشكلة ليست "الحق في الكلام" بقدر ما هي طبيعة الحفاوة به، وبأن عددًا هائلًا من الحمقى صاروا نجوما بسبب كلام أحمق، نجومية الهجوم تارة، والإعجاب بـ"اللاشيء" تارة أخرى.

الهاشتاغ، أو الوسم بالعربية، هو المظلة الكبيرة التي تمنح للكلام العشوائي انتظاما ما، كما أنه وبالأساس يعطي مدلولا لحجم اهتمامات العالم، حتى صار من الأخبار الثابتة في المواقع الإخبارية عن "حجم التداول" بالتغريدات والتدوينات تحت مظلة وسم واحد.

يوتوبيا اللامكان

في مقال للهولندي روبين بيمارجوك عن السوشيال ميديا، يعتبر الفضاء الافتراضي نوعا من يوتوبيا اللامكان، معتمدا في تحليله على ما قدمه الفيلسوف الفرنسي الأشهر ميشيل فوكو.

قدم فوكو مفهوم الفضاء الآخر "هيتيروتوبيا" للمرة الأولى في مقدمة كتابه "الكلمات والأشياء".. وطوره في محاضرته "عن الفضاءات الأخرى". هنا قال عن الفضاءات الأخرى: "توجد- والأرجح أن هذا حقيقي بالنسبة لكل الثقافات والحضارات- فضاءات حقيقية وفعالة مؤطرة في مؤسسة المجتمع عينها، هي في الوقت نفسه تمثل نوعًا من الترتيب المضاد للأشياء.. فيها جميع الترتيبات الحقيقية الأخرى الموجودة في المجتمع وداخله، ممثلة جميعًا ومطعون عليها في الوقت نفسه: مكان يقع خارج الأمكنة كلها ولكنه متحقق على الأرض، محليًا، في الوقت نفسه".

توجد الفضاءات الأخرى "هيتيروتوبيا" في الفضاءات المُعرفة، في حين أن "اليوتوبيات" هي الفضاءات "عديمة الأماكن" التي نعرف أنها من الأساس غير حقيقية وغير قابلة للتحقق. لكن الفضاءات الأخرى "هيتيروتوبيا" ليست الضد من اليوتوبيا، إنما هي مثل اليوتوبيا، فضاءات تشير إلى وتحيل على فضاءات/ أماكن أخرى، وتتصل بها من خلال تمثيلها بسبل معينة. "دورها"، على حد قول فوكو عن وظيفة الهيتيروتوبيا، "هو تهيئة فضاء يكون "آخر"، هو فضاء آخر حقيقي، تام وكامل ودقيق التكوين ومرتب بقدر فوضوية فضائنا واهترائه". في الوقت نفسه فإن الفضاءات الأخرى "هيتيروتوبيا": "تحيد أو تعكس مجموعة العلاقات التي تصادف أنها تصممها أو تعكسها أو تقدمها وكأنها تقدمها في مرآة". النقاط المركزية هي فهم أن الفضاء الآخر يمثل دائمًا المجتمع، لكنه مشوّه بطريقة كاشفة لإيديولوجية الثقافة/ الحضارة القائمة.

يقول فوكو "المرآة مكان معدوم المكان. في المرآة أرى نفسي هناك، حيث لا أوجد، في فضاء افتراضي غير حقيقي ينفتح من وراء السطح [سطح المرآة]". المرآة هي فضاء آخر - هيتيروتوبيا- لأنها "حقيقية تمامًا، ومتصلة بالفضاء المحيط بها تمام الاتصال". هي تمثل بالكامل العالم الحقيقي، على أنها في مكان آخر.

إن الفيسبوك تجسيد افتراضي لمجاز فوكو الخاص بالمرآة. نرى أنفسنا على الشاشة في صورة ما. صفحات بروفايلاتنا دائمًا ما تعكس لنا صورتنا، في حين أن هذه الصورة نفسها، لأنفسنا، تفتح عالمًا لا وجود لنا فيه. لهذا فالفيسبوك فضاء آخر/ "هيتيروتوبيا".

السوشيال ميديا فضاء "مضطرب" يحوّل عالمنا المألوف ويقلبه رأسًا على عقب، إذ يبث الاضطراب في "استمراريته وعاديته". تخرج من العالم العادي عندما تدخل الفيسبوك، لكن في الوقت نفسه فأنت متورط في تمثيل نسخة ما من الحياة العادية.

يقدم الفيسبوك متناقضات كثيرة. إنه يعزل ما يكشف عنه في اللحظة ذاتها؛ يحرر المستخدمين من قيود المسافات، ويقيدهم بالشاشة. الفيسبوك ييسر الاتصال الآني اليسير عبر عدد هائل من الأمكنة، في حين يحافظ على فكرة كوننا "محليين". يقدم إحساسًا بزيادة السيطرة والرقابة على القيود الاجتماعية، في حين يشل في اللحظة ذاتها الخصوصية. فيه إغواء أنه مفتوح تمامًا ومُتاح وديمقراطي... ولعل أثر الفيسبوك "التناقضي" على حقيقة/ واقع المستخدم يظهر أقوى ما يظهر في القلق إزاء "الأصالة" الذي يعرب عنه العديد من (غير) المستخدمين للفيسبوك. من خلال إخضاع المستخدم لعملية انكشاف الذات أمام الآخرين، يحول الفيسبوك الحياة الاجتماعية الافتراضية إلى فعل مسرحي... أداء/ تمثيل. لهذا فإن "ذات" الفيسبوك كثيرًا ما تُنتَقض لكونها "أدائية" للغاية في أحيان كثيرة.

لابد إذًا أن تكون مواقع التواصل واهتماماتها مدخلا للتلصص على العالم وعلى الموضوعات التي تثير الناس للكلام عنها، عبر باب واسع اسمه "التريند" و"الهاشتاغ".

#inauguration_day  

يوم تنصيب ترامب، الحماقة إلى آخرها!

ربما لم يصدق العالم رغم فوزه بالانتخابات، ربما ظنوه واحدا من برامج الواقع ثقيلة الظل التي انتشرت في الأعوام الأخيرة، ومنها برنامج قدمه دونالد ترامب نفسه The Apprentice، المزحة التي بدأت في نهايات 2015، تتحول إلى حقيقة ودونالد ترامب صار رئيسا للولايات المتحدة.

صور ذلك اليوم، لم يكفها غضب الإعلامي جوناثان باي، ولا التغريدات والتدوينات الغاضبة، التي كانت بالملايين، مصدومين مما آل إليه حال الرئاسة الأميركية، مع رجل ذكوري، عنصري، لا يفقه شيئا في أي من الملفات الحيوية للولايات المتحدة، ولا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه فعلًا. "أحمق جديد في البيت الأبيض"، كما غرد الآلاف، يقصدون بذلك جورج بوش الابن. لكن ترامب لا يأتي من كهنوت السياسة الأميركية ولا عائلاته الكبيرة، إنه الرجل الذي بنى شعبيته على السخرية من ذلك الكهنوت، من الاستغناء عن الإعلام، من تحويل اسمه إلى "تريند" يومي قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها.

لكن ترامب نفسه أحد دلائل أن "التريند" يمكن أن يصنع منجزا واقعيا، وهو يوم 20 يناير/كانون الثاني يعيش ثماره، متوجا رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.

#shayrat: قصف مطار الشعيرات

 أو محاولات حفظ ماء الوجه

في السابع من أبريل/نيسان قامت الولايات المتحدة بهجوم صاروخي نفذته مدمرتان للبحرية الأميركية في شرق البحر المتوسط، استهدف مطار الشعيرات العسكري التابع لنظام الأسد باستخدام 59 صاروخ كروز من طراز توماهوك. وجاء هذا الهجوم ردًا على الهجوم الكيميائي على خان شيخون الواقع في 4 أبريل 2017.

الضربة هي أول هجوم انفرادي لجيش الولايات المتحدة تعمد استهداف قوات البعث خلال الحرب. وبرر ترامب الضربة بقوله "إن المصلحة الأمنية الوطنية الحيوية للولايات المتحدة هي منع وردع انتشار الأسلحة الكيميائية الفتاكة واستخدامها".

لم تأت أهمية الضربة في اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي إلا بعد أن أصبحت مجزرة خان شيخون في قلب الاهتمام العالمي. مذبحة كيميائية في القرن الحادي والعشرين حركت التعاطف العالمي إلى ذروته، في الوقت الذي انخفضت فيه شعبية ترامب بحدة بعد أيام قليلة من انتخابه، وبعد منعه رعايا عدد من الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة الأميركية.

بدت الضربة كأنها محاولة لحفظ ماء وجه ترامب، برغم أن نتيجتها لم تكن أكثر من مشهدية، لكنها حازت اهتمام العالم كله.

Macron_president#

عن نهاية خيالات اجتياح اليمين

السابع من مايو/أيار، كانت فرنسا على موعد مع تسمية رئيسها الجديد. تابع العالم هذه الانتخابات لا اهتماما بفرنسا كدولة من دول "القرار" الكبيرة في العالم فحسب، لكن بعد حدثين يمينيين مزلزلين، هما انتخاب ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على يد تيريزا ماي وحزبها المحافظ وجناحها الأكثر يمينية، ومع تعالي أصوات النازيين الجدد في ألمانيا. بدت فرنسا في طريقها لأن تلحق بمثيلاتها بانتخاب مارين لوبان، اليمينية المتطرفة صاحبة الآراء الأكثر رجعية تجاه المهاجرين في فرنسا. لكن الانتخابات أتت بفوز ماكرون لتقضي على الأسطورة تماما، إن اليمين لا "يجتاح" أوروبا، لكنه يعيش فترة "ازدهار" اعتبرها كثيرون ردة فعل على ما أحدثه الإسلام السياسي بجناحه الداعشي في العالم.

#mosul_isis

بداية نهاية كابوس الدولة الإسلامية

أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رسميا تحرير مدينة الموصل من داعش في العاشر من يوليو/تموز؛ الموصل التي كانت أهم مراكز داعش في العراق منذ سيطرته عليها في يونيو/حزيران 2014 إبان انتصار التنظيم في معركة الموصل الأولى وانسحاب القوات الحكومية من المدينة.

الانتصار رغم ما يبدو من "محليته" إلا أنه جاب العالم، باعتباره من الهزائم الملموسة في مواجهة ذلك الكيان السرطاني الداعشي، خاصة وأنه يأتي بعد فترة قصيرة من هجوم لندن أمام البرلمان البريطاني. بدا الانتصار بداية نهاية القوة المتعاظمة للتنظيم، وهو ما أثبتته الأيام التالية.

#barcelona_attack

الهواية الداعشية في أوروبا

في بلد بعيد تماما عن "هموم" الخريطة الدولية، وفي مدينة أبعد ما تكون عن الاهتمام في ما يحدث في العالم، قام بعض أفراد داعش بدهس المواطنين في ساحة رامبلاي في برشلونة ما أدى إلى مقتل 13 شخصا وإصابة 50 آخرين على الأقل. فورا تغيرت صور فيسبوك، متضامنة مع الحادث، وصار في قلب الاهتمام العالمي. وكالة أعماق لم تترك الفرصة قبل أن تطلق بيانها لتؤكد أن منفذي "هجوم برشلونة هم من جنود داعش ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف".

يبدو أن كل ما يرتبط بداعش هو مشهدي بالمقام الأول، وهو التنظيم الحريص على صورته وحجم الرعب المضاف إلى واقعه، كما يقول بورديار. هكذا يمكن أن يمر أي حادث بتأثير، لكن ما أن تثبت داعشيته حتى يتعاظم. وهو ما حققه هاشتاغ هجوم برشلونة.

Catalonia_independence#

استفتاء إثر استفتاء... واحدٌ فقط صار مهما

استفتاء انفصال كتالونيا عن إسبانيا كان موضوعا شاغلا للعالم، يبدو إثر انفصال إنكلترا عن الاتحاد الأوروبي، صار مصير أوروبا محط تساؤل الجميع. وعلى الرغم من أن استفتاء الانفصال الكردي سبق الكتالوني، إلا أن مصير كتالونيا كان تحت الأضواء أكثر لاعتبارات أوروبية بالطبع، خاصة مع العنف في ردة فعل الحكومة المركزية الإسبانية، والإفراط في العنف من جانب الحكومة الإسبانية. ذهبت إذن نتائج التصويت أدراج الرياح.

لكن الاهتمام العالمي بالاستفتاء لم يدم لأكثر من أسبوعين، قبل الزلزال المدوي الهائل في منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

#Me_too

ثورة النساء الافتراضية التي غيرت الواقع

لا حدث في عام 2017 أحدث دويا مثلما فعل ذلك الهاشتاغ، مليون تغريدة على تويتر بعد 12 ساعة من إطلاقه، ومليون تدوينة على فيسبوك بعد 24 ساعة فقط. بدأ في الولايات المتحدة الأميركية وانفجر في العالم كله، ليكون الحدث الافتراضي الأعمق تأثيرا والأعلى دويا في تاريخ مواقع التواصل الاجتماعي على إطلاقه بحسب عدد كبير من المختصين.

لم يكن الهاشتاغ جديدا على الاستخدام الافتراضي، فقد استخدمته الناشطة النسوية السوداء تارانا بورك عنوانا لحملتها في عام 2007 للفت الانتباه للتحرشات الجنسية التي تتعرض لها الشابات الملونات. ثم أعادته للحياة الممثلة الهوليوودية أليسا ميلانو، داعية النساء الأميركيات إلى كتابة تجاربهن في منتصف أكتوبر، بعد مقال نشر في النيويورك تايمز في الخامس من نفس الشهر هاجم المنتج والمخرج هارفي وينستين. تغريدة ميلانو جعلت النساء يتكلمن، عن وينستين أولا، ثم عن كل تجربة تحرش هائلة. اتهامات لم يسلم منها أحد، بأسماء "كبيرة" ضمت كيفين سبيسي وكيسي أفليك وداستين هوفمان ولويس سي كاي وودي آلن وغيرهم.

حتى أن مجلة "التايم" اختارته كأهم شخصية في عام 2017، إذ قالت إن "الهاشتاغ هو جزء من الصورة وليس الصورة كلها". وقال رئيس التحرير إدوارد فيلسينتال: "هذه أسرع حركة تغيير اجتماعي عرفناها على مدى عقود".

وصل تأثير الهاشتاغ إلى المنطقة العربية، على استحياء أولا، ثم انطلقت النساء يكتبن تجاربهن، مع فارق هائل، أن ما كتبته النساء العربيات بقي حبيس العالم الافتراضي، من دون إجراءات رادعة في الواقع.

#jerusalem

الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل

وكما بدأ العام ببطولة ترامب، انتهى ببطولته أيضا، بعد أن أعلن في السادس من ديسمبر/كانون الأول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتغيير مكان السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وهو ما حرك العالم -لا المنطقة العربية فقط- إلى غضبته الكبرى. ترامب جعل من الهاشتاغ يتصدر باللغتين الإنكليزية والعربية. صارت الغضبة إلى طريقها الافتراضي، كان الصوت "الشعبي" أعلى من الأصوات الرسمية التي اكتفى أعلاها "بالشجب"، وثارت الأصوات العربية بين غضبين، غضب القرار وغضب الصمت العربي.

وما زال الهاشتاغ من متصدري تويتر حتى لحظة كتابة هذه السطور، والأكثر تداولا في عام 2017 الذي انقضى.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.