}

"الكوميكس" العربي اليوم.. جيل جديد يناضل

سناء عبد العزيز 1 فبراير 2018
هنا/الآن "الكوميكس" العربي اليوم.. جيل جديد يناضل
كوميكس مضايا
ارتبط فن "الكوميكس" بالنقد والسخرية اللاذعة، وتناوله قضايا آنية وملحة. وأطلق النقاد المعاصرون على القصة المصورة، التي تجمع بين الأدب والفن التشكيلي، اسم "الفن التاسع"، وعلى الرغم من جدته وقربه من طبيعة وروح القرنين العشرين والواحد والعشرين، فإن فن القصص المصورة يضرب جذوره في التاريخ، فهناك على جدران المعابد المصرية القديمة ترك فنانو هذا العصر قصصًا تكتنز بالأحداث والتفاصيل والخيال، وحكوا شذرات عن بعض نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية كما عاشها المصري القديم، ما يجعلنا نعيد النظر في مسألة "استيراد" الكوميكس من الغرب، وكونه فناً وافداً، فالفراعنة هم أول من مارس هذا الفن. وهذا لا ينفي أن حركة الترجمة لنقل هذا الفن إلى العربية قد أثرت التجربة العربية بشكل يتعذر إنكاره.

ففي عام 1730 قام الفنان البريطاني وليام هوغارث برسم لوحات متتالية تحت خط سردي واحد وكانت هذه البداية في الغرب. وفي عام 1830 نشر السويسري رودلف توبفر "حكايات السيد جابو" مصحوبة بالرسوم، ومع بداية القرن العشرين بدأ هذا الفن في الانتشار وقدم هيرجيه "تان تان" في أوروبا. وحظي الكوميكس بشعبية واسعة بعد أن أصبح ينشر بشكل دوري في يوم الإجازة الأسبوعية. ومع إصدار جورج هيرمان ستريبات "كريزي كات" عام 1913 اكتمل المشهد تقريباً، فظهرت شخصيات سوبرمان وميكي وسبايدرمان التي أصبحت رموزاً، وجاءت مرحلة النضج مع تقديمه في شكل كتب، الذي أطلق عليه الأميركي ويل آيزنر مصطلح "جرافيك نوفل"، وتقديراً لعمله أطلقت أهم جائزة في الكوميكس باسمه. كما أطلقت جائزة الكوميكس الدولية في أنغوليم بفرنسا اعترافاً وتقديراً لهذا الفن.

الكوميكس في مصر

ظهرت التجربة الأولى لفن الكوميكس في مصر عام 1923 بصدور مجلة "الأولاد"، وهي أول مجلة أطفال تستخدم القصص المصورة، ولم تستخدم بالون الحوار بالشكل الذي يظهر الآن، بل أدرجت التعليق في مربع أسفل الرسم. استمر صدور المجلة على مدى 10 سنوات ظهرت خلالها عدة مجلات أخرى مثل مجلة "البلبل والكتكوت" التي اعتمدت بشكل أساسي على الترجمة والتمصير، كما لم تخل مجلة الأولاد أيضا من اقتباس شخصيات أجنبية مثل تان تان ولوريل وهاردي وطرزان.

 لكن في عام 2009 حين أنشأ التشكيلي المصري محمد عبلة متحف الكاريكاتير، كشف عن أعمال الفنان علي رضا، في معرض يضم بعض أعماله. وصرح عبلة بأن قصة علي رضا التي يعود تاريخها إلى عام 1925 هي أول قصة مصورة مصرية.

في عام 1952 أصدر الفنان الراحل حسين بيكار مجلة "السندباد" عن دار المعارف، وتميزت تلك التجربة بالطابع العربي بشخصياتها المصرية والعربية وتقديم رسوم أصيلة. ولم تلبث أن سحبت مجلة "سمير" منها البساط عام 56، وتوقفت بدورها بعد ظهور مجلة "تان تان" ومجلة "ماجد".

وفي منتصف التسعينيات ظهرت "أوسكار" في السوق المصرية، وهي أول كتاب مصور يقدم مؤلفين ورسامين مصريين مثل معلوف وفواز ونبيل فاروق ومؤنس الزهيري واتخذت شعاراً "أوسكار قصص ورسومات مصرية 100%.. لا ترجمة، لا نقل، لا اقتباس"، وهو الشعار الذي لم تستطع المجلة الالتزام به في عددها الثاني مباشرة، إذ تحولت إلى كتاب أجنبي 100% وتوقفت بعد هذا العدد تماماً.

يقول معلوف في حوار له "من الصعب رسم 100 صفحة في شهر واحد".

في نهاية التسعينيات ظهرت مجلة "باسم" وتوقفت أيضاً وأغلق مكتبها في مصر لأسباب سياسية.

الكوميكس العربي اليوم

في مقال لأوليفيا سنيج على موقع "بوك ويتي" بمناسبة انطلاق مهرجان الكوميكس الدولي 2018 في أنغولم بفرنسا، بالتزامن مع نشر العديد من الكتب حول هذا الموضوع باللغتين الإنكليزية والفرنسية، تستعرض سنيج تراثا طويلا للرسوم الكاريكاتورية في العالم العربي  التي بدأت سياسية في المقام الأول، فتعود إلى رسومات جريدة جيمس سانوا المصرية الساخرة، "أبو نضاره زرقا"، في أواخر القرن التاسع عشر، مروراً برسومات الفنان السياسي الفلسطيني ناجي العلي الذي عُرف بنقده اللاذع للاستبداد والقمع في فترتي السبعينات والثمانينات وحتى اغتياله في لندن في عام 1987. كما تعرج على رسومات فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات التي نشرت في مختلف المطبوعات، منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي قبل أن يؤسس جريدة ساخرة باسم "الدومري" عام 2000، ونتيجة لمشاكل مع السلطات السورية توقفت الجريدة عن الصدور بعد أن تم سحب ترخيصها في عام 2003.

تقول أوليفيا "في الآونة الأخيرة أدت فترة ما قبل الربيع العربي وما أعقبها من إخفاقات إلى تحفيز المشهد الكوميدي، ما أدى بدوره إلى ظهور رسامة كاريكاتير مثل نادية خياري، المشهورة برسوم ويليس من تونس، وغيرها الكثير، في سابقة لمجال ظل يهيمن عليه الذكور".

كما تحدثت في مقالها عن مجموعة "السمندل" التي تأسست عام 2007 في لبنان، وتكرست لفن الكوميكس، ومن أعضائها عمر خوري وحاتم إمام ولينا مرهج الذين أدركوا أن الكوميكس  يعرف ناقصاً في الشرق الأوسط، وأرادوا إنشاء منبر يحكون عبره قصصاً من لبنان والمنطقة عامة.

"في نفس الوقت تقريبا في مصر، وتحديدا في عام 2008، تم حظر الرواية المصورة لمجدي الشافعي، "مترو"، التي تناولت الفساد والفقر والظلم، وتنبأت بقدوم الثورة، ما أشعل الرأي العام، بجرأتها ونقدها اللاذع للنظام في مصر، وترجمها إلى الإنكليزية تشيب روسيتي ونشرت في عام 2012 ولاقت اشادة واسعة".

كذلك تعرضت مجلة "السمندل"، بعد مرور أحد عشر عاماً على صدورها، للكثير من الدعاوى القضائية والغرامات الفادحة من الدولة اللبنانية التي اتهمتها بالتحريض على الفتنة الطائفية، وتشويه سمعة الدين، والتشهير ونشر أخبار كاذبة.

"السمندل" محور مهرجان 2018

كانت بداية "السمندل" بقصة مصورة تحت عنوان "كرنفال"، أتبعها جورج خوري بنشر قصص أخرى مصورة "سيغموند فرويد" و"شهرزاد"، كما أسس ورشة لأول مرة باسم "محترف جاد" تخرجت منها كوكبة من فناني الكوميكس في لبنان. لذا فإن مؤسسي "السمندل" والفنانين المنتمين لها هم أيضا محور المعرض في أنغولم تحت عنوان "جيل جديد، الكوميكس العربي اليوم" مصحوبًا بفهرس باللغتين الإنكليزية والفرنسية. كما أشاد المقال بدور "السمندل" الملهم للآخرين، مثل "توك توك" في مصر، ومحمد شناوي، من "توك توك"، الذي شارك بدوره في تأسيس مهرجان كايروكوميكس في عام 2015 بكاريكاتير الأخوة التوائم.

وكذلك "مبادرة معتز ورضا صواف للشرائط العربية المصورة" في الجامعة الأميركية في بيروت.

ويلقي المعرض، والكتالوج الصادر عنه، الضوء على أعمال متنوعة لـ 44 فناناً من أكثر من عشر دول، يعملون باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. بعضهم نشأ مع الحروب، وجميعهم لديهم تجربة مع الاضطرابات السياسية والفساد والرقابة وغير ذلك من تابوهات سياسية واجتماعية.

موجة جديدة في فن الكوميكس

جاءت الموجة الجديدة من فناني الكوميكس باتجاهات محددة؛ أولها توسيع الآفاق الفنية للكوميكس وتطرقه إلى قضايا اجتماعية وثقافية، مثل الحياة الجنسية، ورهاب المثلية الجنسية، والتحرش الجنسي، والنسوية، والفقر أو صراعات الحياة الحضرية، وثانيها تطعيم هذا الفن باللهجات العربية المحلية، وثالثها ظهور المرأة في طليعة كثير من الإبداع، ثم روح التواصل والتعاون عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الناطقة بالعربية، مثل مشاركة المغاربة في المشاريع المصرية أو اللبنانية، أو مهرجان الكاريكاتير الدولي في الجزائر.  وادت حركة الكوميك العربية إلى تتويج الفنان اللبناني عمر خوري كأفضل فنان كوميكس عربي لعمله الاجتماعي السياسي "يوتوبيا" عام 2010.

وهناك لينا مرهج، واحدة من مؤسسي "السمندل"، بروايتها المصورة "لبن ومربى أو كيف أصبحت والدتي لبنانية"، عن والدتها الألمانية القادمة إلى لبنان التي ترجمت إلى الفرنسية من اللغة العربية، ومازن كرباج، بروايته "بيروت لن تبكي"، وهي يوميات عن حرب 2006 التي استمرت 33 يوماً في لبنان، نشرتها فانتاغرافيكس في عام 2017، والفنان الفلسطيني عامر الشوملي، المعروف على وجه الخصوص بفيلمه الوثائقي الفكاهي "المطلوبون الـ 18" والحائز على جوائز. وهناك عدد كبير من المواهب الأخرى التي شاركت في مشاريع رائعة وتستحق أن يتم استكشافها ودعمها وترجمتها، بحسب أدبيات المهرجان.

كذلك جاءت سنيج على ذكر "جراج"، المجلة المصرية المستقلة التي تضمنت رسوماً كاريكاتيرية وافتتاحية، ونشرت حتى الآن ثلاث قضايا. ويتضح الاضطراب السياسي والاجتماعي في المنطقة، في السنوات الأخيرة، بما يتسق مع هدف الكوميكس الأصيل. كذلك قامت الفنانة الجزائرية ومصممة الرسوم المتحركة ريم مختاري بإنشاء مدونة هزلية تسمى "12 جولة" مع نوال لوراد وكمال زكور. وهناك أول مجلة كاريكاتير نسوية، "شاكماجيا": تأسست من قبل منظمة نازرا في مصر في عام 2014، وتضم رجالاً ونساءً على حد سواء.

تقول سيمونا غابرييلي، العراقية الإيطالية المقيمة في مرسيليا، وواحدة من العاملين الرئيسيين على إقامة المعرض، إن الكوميكس هو طريقة تعبير الجيل الأصغر سناً في العالم العربي عن نفسه اليوم، وإن هذا التصوير "مسألة حية".

ومن المرجح أن يتجوّل المعرض في بعض البلدان العربية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.