}

المسألة الأمازيغية في الجزائر: مصالحة مع ذات متعددة

حميد عبد القادر 3 فبراير 2018
هنا/الآن المسألة الأمازيغية في الجزائر: مصالحة مع ذات متعددة
عمل للفنان المغربي فريد بلكاهية

وجدت الحركة الوطنية الجزائرية الراديكالية نفسها مُجبرة على إقحام مسألة الهوية في خطاباتها، لخوض غمار النضال ضد الاستعمار الفرنسي والمُطالبة بالاستقلال، منذ أن عرفت وثبتها بداية من تأسيس أول حزب وطني عام 1926، هو "حزب نجم شمال أفريقيا"، بزعامة مصالي الحاج (الذي ناضل لفترة وجيزة في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، لكنه سرعان ما تخلى عن أطروحاته، وعانق وطنية مناهضة للاستعمار). وقد تكوَّن "النجم" في أوساط العمال المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وراح يُطالب باستقلال كل شمال أفريقيا من نير الاستعمار الفرنسي.

صاغت هذه الحركة في وقت لاحق أدبيات تقوم على ثلاثية شُعبوية هي "الأمة - الحزب - الشعب". ومثل جميع التصورات الشُعبوية، رفضت كل النزعات الجهوية، وفكرة التعددية اللغوية. ولم تؤمن أبدا بالاختلافات الثقافية للشعب الجزائري، بل اعتبرتها تهديدًا يشكل خطرا على الوحدة الوطنية، وهي تقاوم الاستعمار. وهي لا تختلف حسب هذا التصور عن النزعة اليعقوبية الفرنسية التي خرجت من رحم ثورة 1789، وتعاملت بقسوة وشدة مع كل المُيول الجهوية أو اللغوية الأخرى، على غرار "الباسك"، و"الكورس"، و"البرتون".

أخطاء مصالي الحاج

وقد أدرج الزعيم الوطني مصالي الحاج البعد العربي الإسلامي، لأول مرة، في أدبيات "حزب الشعب – انتصار الحريات الديمقراطية" (الذي خرج من معطف "النجم")، عند نهاية 1948، حينما وجه مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة، حدد من خلالها مرجعية الأمة الجزائرية استنادا إلى "البُعد العربي – الإسلامي" فقط، دون أن يأخذ من خلاله بعين الاعتبار تاريخ مرحلة ما قبل "الفتح الإسلامي".

ويعتقد الدكتور عمار مُحند عامر، الباحث في مركز "الكراسك" بوهران، أن "هذين الخيارين (العروبة والإسلام) أملتهما الوضعية الكولونيالية. وأمام قوة فرض اللغة الفرنسية والديانة المسيحية على أرض الجزائر من طرف الفرنسيين، أرسى الوطنيون الجزائريون حماية للدفاع عن الهوية الوطنية، كرد على الهجمة السياسية الفرنسية الكولونيالية العنيفة. وكان ذلك الخيار بمثابة "تسوية مؤقتة" ضمنية، وتسوية موضوعية، وتسوية مقبولة، ضمن ظرف تاريخي مُحدد. ولم يكن هذا الخيار البتة كنتاج مسار الاعتراف وتوحيد هوية وطنية قوتها تكمن في البعد العربي الإسلامي".

وبحسب مصالي، فإن تاريخ الجزائر يبدأ مع "الفتح العربي الإسلامي"، وهو ما أوجد معارضة شديدة من قبل نخبة من المناضلين أخذوا يتحسسون من طريقة تسيير الحزب من قبل الزعيم، صاحب الشخصية الكاريزماتية القوية. وكرد على أطروحة مصالي، قام ثلاثة مثقفين أعضاء في الحزب ينتمون لمنطقة القبائل، وهم مبروك بلحسين ويحيى حنين والصادق حجرس، بإعداد وثيقة من ثلاث وثلاثين صفحة (وقعوها باسم مستعار هو "إيدير الوطني") وجاءت كرد على الزعيم مصالي، اعتبروا من خلالها أن "الجزائر جزائرية" و"ليست عربية إسلامية" فقط، مثلما ورد في المذكرة الموجهة للأمم المتحدة. واقترحوا تحديد الهوية الجزائرية على أسس تقوم على المواطنة، وليس على الانتماء العرقي والديني، انطلاقا من التعددية الثقافية والدينية للبلاد، مع دعوة الأوروبيين للتخلص من التبعية للنظام الكولونيالي، والالتحاق بالمجموعة الوطنية في نضالها ضد الاستعمار، فتمت عملية استبدال "الوطنية الشوفينية" الجائرة للمستعمرين الأوروبيين بالوطنية المُحررة، للتخلص من نير الاستعمار. واختلف تصور هؤلاء المثقفين للأمة الجزائرية حتى عن تصور جمعية العلماء المسلمين، حيث اتكأوا على فكرة أن الأمة ليست ساكنة، بل هي نتاج اتفاق ضمني يخضع يوميا للتغيير. واعتبروا أن الأمة لا تستند على العرق، ولا على الدين، ولا على اللغة، بل على المواطنة. ولم يؤمنوا بأمة نقية، بل بأمة تحتوي على "جماعات إثنية مختلفة".

الجزائر لم تعرف "ظهيرا بربريا"

ويؤكد المؤرخ محمد حربي في كتابه "الجزائر ومصيرها... مؤمنون ومواطنون"، أن ظهور البعد الأمازيغي داخل الحركة الوطنية الجزائرية يختلف تماما عما يسمى بالظهير البربري في المغرب، والذي كانت له انعكاسات كبيرة على الجزائر، حيث برز مناضلون بربريون موالون للإيديولوجية الاستعمارية، خلال فترة الثلاثينيات، روجوا للخصوصية البربرية، دون أن يتمكنوا من نشر أفكارهم بشكل واسع، إذ كانت الحركة الوطنية واقفة لهم بالمرصاد.

ويرى حربي أن المسألة تختلف عام 1947، إذ برز الاهتمام بالانتماء الأمازيغي لدى مناضلين وطنيين لا يرقى الشك إلى نضالهم ضد الاستعمار، وإلى نزعتهم الوطنية، بدليل أن أطروحاتهم خرجت من رحم الحزب الوطني (حزب الشعب – انتصار الحريات الديمقراطية). ولم يبتعد هؤلاء المناضلون الوطنيون، وهم يرجعون للانتماء الأمازيغي، عن الطرح الراديكالي المطالب بالاستقلال الوطني، فكونوا أولى الخلايا المسلحة التي التحقت بالجبال بغية الإعداد للعمل المسلح عقب أحداث الثامن من مايو/ أيار 1945، مثلما يروي الزعيم الراحل حسين آيت أحمد، الذي عينه الحزب الوطني على رأس المنظمة الخاصة (لوس)، عقب وفاة محمد بلوزداد، وإليه يعود الفضل في صياغة أولى الأدبيات الثورية الداعية للكفاح المسلح.

ويتحدث الباحث المتخصص في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، علي قنون، عن ظروف بداية تشكل ما أصبح يسمى بالنزعة البربرية، فيقول: "بداية من عام 1946 انقسم حزب الشعب – انتصار الحريات الديمقراطية إلى توجهين، توجه راديكالي يدعمه أنصار العمل المسلح، وتوجه يريد المشاركة في انتخابات 1947. وخلال انعقاد مؤتمر الحزب في فبراير/ شباط 1947 بالجزائر العاصمة، استطاع أنصار الدكتور لمين دباغين فرض فكرة إنشاء المنظمة الخاصة (لوس) لإعداد الحزب والمناضلين للعمل المسلح. وعقب تزوير الانتخابات من قبل الإدارة الاستعمارية، سُجن عدد كبير من مناضلي الحزب بينما وجد آخرون أنفسهم ينشطون في السرية. وقام مناضلون آخرون بمغادرة الحزب، والالتحاق بالحزب الشيوعي الجزائري. هذه الوضعية أدت إلى تقوية التيار الراديكالي الثوري داخل الحزب، فاغتنم أنصاره  فرصة اعتبار أن العمل المسلح هو الحل، كما انتقدوا إدارة الحزب وطالبوها بتوفير الإمكانات اللازمة لدعم المنظمة الخاصة (لوس، المكلفة بالإعداد للثورة). واتهموا خصومهم بأنهم "نيابيون". من هنا نعتبر أن الرهان الأساسي خلال هذه المرحلة هو رهان حول القيادة (الزعامة)، بين أنصار مصالي الحاج من جهة، وأنصار الدكتور لمين دباغين من جهة أخرى. وكان هذا الأخير يحظى بمساندة غالبية مناضلي منطقة القبائل باعتبار أنه الرجل القادر على تجسيد نضالهم الثوري والشروع في العمل المسلح.

 أدى هذا الوضع، حسب علي قنون، إلى بروز حالة من التوتر داخل الحزب، حيث عبر المناضلون الراديكاليون عن شعورهم بأن "النيابيين" كانوا بصدد تهميشهم وإقصائهم. وبلغ هذا التوتر حدته في صفوف الحزب بالمهجر، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1948، عقب انتخاب رشيد علي يحي (وهو من منطقة القبائل) على رأس فيدرالية الحزب بفرنسا، وانتخب رفقة زملائه في مارس/ آذار 1949 على فكرة "الجزائر الجزائرية"، فاستنكروا فكرة "الجزائر العربية" المنتهجة من قبل الحزب، والزعيم مصالي الحاج، وأكدوا أن "الجزائر جزائرية"، وليست "عربية أو بربرية (أمازيغية)"، وفق تصور أحادي لا يضمن التنوع والاختلاف.

مناورات سياسية وصراع على الزعامة 

تحركت قيادة الحزب، يضيف الدكتور قنون، وأصدرت أوامر للمناضلين الذين بقوا أوفياء للزعيم مصالي، باحتلال كل المقرات، وطرد المناضلين الذين اعتبروا أنهم "بربريون". وألصقت بهم تهمة "التآمر من داخل الحزب"، ووُصفوا بـ"الساعين لنشر الفوضى"، و"المرتبطين بالإمبريالية"، و"غير الموالين" و"ذوي النفوس الضعيفة". وفي رد فعلهم اتهم أصحاب "الجزائر الجزائرية" خصومهم بـ"نقص الوعي الديمقراطي" و"الرغبة في إقامة ديكتاتورية داخل الحزب". واعتبروا أن القيادة خانت برنامج الحزب، وبرأوا أنفسهم من تهمة "البربريزم". وكان رد فعل هؤلاء، أنهم اتهموا القيادة بالانحياز للعروبة وإغفال البعد الأمازيغي، ونظروا للجزائر نظرة تقوم على التعددية واعتبروها جزائرية.

 وأورد الصادق حجرس، وهو أحد هؤلاء المناضلين الرافضين طروحات مصالي الحاج، في مذكراته التي نشرت منذ سنتين بعنوان "لما تستيقظ أمة" (2016)، أن مطلب "الجزائر الجزائرية"، لم يكن يعادي الانتماء العربي الإسلامي للجزائر إطلاقا، بقدر ما كان يرمي إلى ضم كل مكونات هذا المجتمع، بما في ذلك الانتماء الأمازيغي (وقد تعايش مع الانتماء العربي على مر العصور)، والذي تخلى عنه الزعيم مصالي لصالح العروبة، عقب لقائه التاريخي مع الشيخ رشيد رضا.

 ومن بين المطالب التي كان يدعو إليها هؤلاء المناضلون الشبان، نجد مطلب اللجوء للعمل المسلح، والكف عن التركيز فقط على المطالب السياسية لمواجهة الاستعمار. وبخصوص هذه النقطة، لجأ مصالي للمناورة السياسية، حيث وافق على إنشاء المنظمة الخاصة، وكلفها بالبدء في الشروع للإعداد للعمل المسلح، واتهام خصومه داخل الحزب بالنزعة البربرية جاء بغية عزلهم وإقصائهم وإبعادهم، حتى يتسنى له التحكم في دواليب الحزب الوطني بلا خصم (الدكتور دباغين). وهذا ما يؤكده المؤرخ محمد حربي، حيث ورد في كتابه المذكور أعلاه، ما يلي: "شكلت مسألة السير اللاديمقراطي للحزب، بداية المعركة بين مصالي وخصمه الدكتور دباغين، فامتد ليشمل التصور العربي الإسلامي للجزائر، فطرحت في النهاية مسألة التعددية الثقافية واللغوية". ولم يجد مصالي من وسيلة للرد على خصومه سوى أنه لجأ للحلول البيروقراطية.

ويضيف محمد حربي أن المناضلين المنتمين لمنطقة القبائل لم يكونوا قادرين على تشكيل قوة موحدة لمواجهة مصالي، بدليل أن بعض المناضلين (آيت حمودة، بناي واعلي... إلخ) اختلفوا مع حسين آيت أحمد، بينما اعتبر مناضلون آخرون (كريم بلقاسم، أعمر أوعمران... إلخ) أن قضية اللغة والثقافة الأمازيغية ليست مهمة في ذلك الوقت، بقدر ما يهم الشروع في العمل المسلح، بينما احتفظ مناضلون آخرون بالبعد الوطني للقضية (بلقاسم راجف)، وهو ما يفسر أن النزعة الأمازيغية لم تكن بتلك الشدة، التي روج لها الزعيم مصالي، مقارنة بفكرة "إعلان العمل المسلح ضد الاستعمار".

الإقصاء يستمر بعد الاستقلال

هكذا ورثت الجزائر أزمة هوية بقيت مستمرة حتى مرحلة ما بعد الاستقلال.

ويرى الدكتور رابح لونيسي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة وهران، أن طبيعة السلطة التي برزت عقب الاستقلال، لم تأخذ بالتصور التعددي للهوية الوطنية، بل فضلت خيارا مختلفا. وقال: "الذين أخذوا السلطة في عام 1962 بقيادة بن بلة أرادوا فرض هوية غير واقعية نسبيا، متأثرين في ذلك بأيديولوجيات مشرقية كانت بدورها متأثرة باليعقوبية الفرنسية والأيديولوجيات الفاشية التي عرفتها أوروبا ثلاثينيات القرن 20، والتي تتبنى الأحادية في كل شيء ومنها الثقافة واللغة، فاكتفت السلطة بثنائية العروبة والإسلام متجاهلة الأمازيغية". وأضاف: "هناك نوعان من الهوية، هوية واقعية نعيشها على أرض الواقع، وتقابلها هوية مصطنعة موجودة في أذهان بعض المؤدلجين، لكن ليست لها صلة بالواقع، وبوصول هؤلاء إلى السلطة راحوا يخلقون مشكلة الهوية بكل انعكاساتها الكارثية عندما يسعون للقضاء على الهوية الحقيقية المعاشة يوميا واستبدالها بالهوية المصطنعة بواسطة التعليم ووسائل الإعلام والثقافة، فيكون رد فعل المجتمع على مستويين، فالبعض من أفراده تطمس شخصيتهم الحقيقية ويحتقرونها، فيتنصلون منها تدريجيا، والبعض الآخر يكون لهم رد فعل قوي، فيكونون أشد تمسكا بهويتهم إلى درجة التحنيط، وهذا ما وقع لمسألة الهوية في الجزائر بعد 1962، ولا يمكن لنا فهمها إلا في هذا الإطار، فهوية الجزائر المعاشة يوميا هي هوية ذات ثلاثة أبعاد أساسية، وهي أمازيغية وعربية ومسلمة، وقد تعايشت هذه الأبعاد الثلاثة في كل جزائري طيلة قرون، أي منذ اعتناق أجدادنا الأمازيغ الإسلام، وتبنيهم للعربية بصفتها لغة الإسلام، فكانوا يعتزون بالعربية مثلما يعتزون أيضا بالأمازيغية التي كان يستعملها الكثير منهم في حياتهم اليومية، مثلهم في ذلك مثل الإسلام الذي يعد إسمنت هذه الهوية".

وبخصوص تأثيرات هذه السياسة الإقصائية، قال لونيسي: "تم زرع الشقاق والشرخ في المجتمع الجزائري على أساس ثقافي وهوياتي، وتحولت الهوية الجزائرية إلى محل صراع حاد بين مختلف أبعادها، بدل أن تكون محل انسجام وتكامل كما كانت من قبل. وكرد فعل على التجاهل العلمي والثقافي للبعد الأمازيغي والسعي لطمسه، ظهرت معارضة سياسية قوية بطابع ثقافي متمثلة في الحركة الأمازيغية التي أصبحت تتطور وتتحرك حسب سياسات الدولة تجاه البعد الأمازيغي".  

السلطة تُصحح أخطاءها

إن جملة القرارات الجريئة والتاريخية، التي اتخذتها السلطة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، مع ترسيم اللغة الأمازيغية وجعلها لغة وطنية، ثم اعتبار يوم 12 يناير/ كانون الثاني عيدا وطنيا استجابة لمطالب المناضلين من أجل القضية الأمازيغية، عبارة عن خطوات مكنتها من إصلاح الأخطاء المرتكبة في السابق، حيث لم يتم الاعتراف بالبعد الأمازيغي ولا بتاريخ ما قبل الإسلام منذ الاستقلال، ما أدى إلى تكون أحزاب سياسية تستعمل مسألة الهوية والبعد الأمازيغي لمعارضة السلطة، عقب الانفتاح الديمقراطي بعد عام 1989.

وترمي خطوات الاعتراف هذه إلى تحقيق مصالحة مع الذات والتاريخ، وإعادة الاعتبار إلى مرحلة ما قبل الإسلام، بعد أن كانت تُعتبر بمثابة "جاهلية" يجب تجاوزها؛ علما أن سكان شمال أفريقيا (الأمازيغ)، في اعتناقهم للمسيحية، لم يختلفوا عن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في الإسكندرية، فكانوا توحيديين، يعتنقون مبدأ "أريوس"، ورفضوا "الثالوث المقدس"، ما أدى إلى بروز حركة اجتماعية مناهضة لهيمنة الإمبراطورية الرومانية، تسمى "الدوناتية" (سنة 305 قبل الميلاد)، وقفت ضد القديس أوغسطين، الذي اعتبرها بمثابة هرطقة، فأفتى بضرورة اضطهاد هؤلاء "الدوناتيين".

جدل حول

حروف الكتابة

هذه المصالحة مع الذات لا تخلو في الوقت الحالي من بعض التشنج، على وقع خلافات إيديولوجية، بالأخص في ما يتعلق بالحرف الواجب أن تُكتب به اللغة الأمازيغية.

وقد ظهرت ثلاثة توجهات لها آراء مختلفة، منها التوجه العربي الداعي لكتابتها بالحرف العربي، نظرا لوجود كتابات أمازيغية مغاربية تعود إلى العصر الوسيط، وهذ حجة تاريخية تعطي حضورا قويا لطرحهم.

كما يوجد توجه آخر يدعو إلى كتابتها بالحرف اللاتيني، نظرا لارتباط الأمازيغ بالغرب، وبالضفة الشمالية للمتوسط (وهذه مبالغة تاريخية، من منطلق أن الأمازيغ لم يرتبطوا تاريخيا وحضاريا بالغرب فقط، بل حتى بالمشرق منذ الحضور الفينيقي الذي دام عشرة قرون، والذي نتجت عنه حضارة عظيمة تسمى الحضارة البونيقية، انطلاقا من مدينة قرطاج، ولغة هي اللغة البونيقية، وهي خليط بين الأمازيغية والفينيقية).

وهناك تيار ثالث يدعو إلى كتابتها بحروفها الأصلية وهي حروف "التيفيناغ".

ويدور هذا الجدل في انتظار تنصيب الأكاديمية التي تلقى على عاتقها مهمة اختيار الحرف الأنسب للأمازيغية.

كما أنه يوجد تيار رابع يدعو حاليا إلى إعادة اكتشاف تاريخ وحضارة الأمازيغ، وحتى فلسفتهم، وكل نتاجهم الأدبي والفكري، قبل الشروع في عملية الكتابة. ويرى أنصار هذا التوجه أن من الأهمية بمكان إعادة اكتشاف هذا التاريخ الأمازيغي، الذي تعرض للطمس والنسيان والتهميش، منذ الإمبراطورية الرومانية وصولا إلى مرحلة الغزو والاحتلال الفرنسي. وقد أراد مؤرخو مدرسة الجزائر الكولونيالية منذ مطلع القرن العشرين (بالأخص ستيفان غزيل وفيليكس غوتييه) إظهار أرض شمال أفريقيا كأرض بلا هوية، خاضعة لاستعمارات متتالية، حتى يتسنى لهم تسهيل عملية مسح الشخصية الوطنية الجزائرية، وإدماج الجزائريين في الأمة الفرنسية، وهي الأكذوبة التي انتهت بقيام الثورة في نوفمبر 1954.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.