}

كيف تكره كتابك؟

عارف حمزة عارف حمزة 2 أغسطس 2017
كتّاب يتحدثون عن كتبهم الصادرة عن دار "كتابوك"




يعمل الكاتب فترة لا بأس بها على مخطوطته، الشعريّة أو الروائيّة أو القصصيّة، ثم يُرسلها إلى دار النشر كي تطبعها في كتاب. طوال الفترة الفاصلة تلك يحلم بكميّة الكتابات النقديّة والأخبار حول كتابه الجديد، خاصة إذا كان كتابه الأول، مُفكّراً بقدرة ذلك الكتاب على تقديم إضافة ما في الحركة الأدبيّة. قبل تحقق كل تلك الأمنيات سيصل الكتاب مطبوعاً إلى يد الكاتب وسيقوم بإعادة قراءته مرّات ومرّات وكأنه يقرأ كتاباً مقدّساً. الصدمة الكبرى هو أن يتمنى لو أن الكتاب لم يصدر أصلاً! علينا هنا أن نُفكّر بكميّة الأسى وثقله على الكاتب الذي يتمنى لو أنّ كتابه لم يصدر. في مشاعره الغاضبة والتائهة هو لا يريد أن يتصفّح كتابه بنفسه. عن عجزه وهو لا يريد أن يُهدي كتابه للأصدقاء، وهو لا يريد أن يرسل الكتاب للنقّاد كي يكتبوا عنه، ليس لضعف المحتوى في الكتاب، بل بسبب الكارثة الطباعيّة التي ألمّت بالكتاب؛ فيظهر كتاباً مشوهاً. كتاباً يعاني غلافه وحروفه من دمامل الجهل تمنعُ الآخرين من مسكه.


دار "كتابوك"، والتي مقرها في فرنسا وتطبع كتبها في إحدى المطابع في بيروت، والتي "تشق طريقها بثبات رغم وعورته" كما تقول على صفحتها في الفيسبوك، كانت تنشر الكتب إلكترونيّاً فقط، ولكنها قرّرت أن تنشر للكتاب العرب، للسوريين خاصة، ورقياً، ناسية أننا في القرن الحادي والعشرين، وأنّ عالم الطباعة قد تقدّم بشكل هائل ومميّز، وصارت الطباعة، منذ عقود طويلة، علماً وفناً ولها فرع خاص بها في الجامعات. طبعت هذه الدار عشر كتب، بين رواية وقصة وشعر ومقالات، وتمنّى كُتابها لو أنّهم لم يصدروا هذه الكتب. بل إنّ البعض منهم كرهوا كتبهم. في هذا الملف نحاور بعض أصحاب تلك الكتب حول كوارث كتبهم.


التحوّل من الإلكتروني إلى الورقي

حول عمل الدار وبداياتها في التحوّل من الطباعة الإلكتروتيّة إلى الورقيّة، تتحدّث الشاعرة السوريّة ميسون جميل شقير، المقيمة منذ ثلاث سنوات في مدريد، عن هذه الدار: "في البدء أود أن أقول أني كنت ولم أزل من داعمي أي مشروع ثقافي لم يزل في مراحله الأولى وخاصة أن مشروع دار "كتابوك" كان، على حسب ما أعلن الدكتور خلدون النبواني، محاولة لحماية الكاتب العربي، والسوري خاصة، من المتاجرة به ومن الاستيلاء على حقوقه المادية، وأنها أيضًا محاولة لدعم الكاتب السوري الذي هجّرته الحرب وحولته الى لاجئ، وأنا شخصيًا كنت قد أعددت حواراً مع الدكتور خلدون عند الإعلان عن مشروع الدار، وقد نشر في جريدة صدى الشام التي كنت مسؤولة عن الصفحة الثقافية فيها، وكنت شخصيًا، ككاتبة وكقارئة، أتمنى أن تكون بدايات مشروع دار "كتابوك" ناجحة ومبشرة، وأن تعد بمشروع ثقافي حقيقي، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال، ومحبطة، وحتى مهينة".


كتاب مسجون إلكترونيّاً ثمّ مقتول ورقيّاً!

وهذا ما دفعك لنشر مجموعتك القصصية "لا تذهب وحدكَ إلى الموت" لدى الدار؟ كيف كان تعامل الدار وماذا كانت شروطها؟

ميسون شقير: منذ حوالي سنتين تكلمت مع الدكتور خلدون حول نشر مجموعتي القصصية لدى دار "كتابوك"، التي كانت داراً للنشر الإلكتروني فقط، وأرسلت له المخطوط المؤلف من 120 صفحة وأصبح كتابي موجوداً على الموقع الإلكتروني. لكن ما حصل هو أن الكتاب بقي مسجوناً في الموقع لمدة سنة كاملة، إذ لم يستطع أحد تحميل الكتاب من الموقع، وذلك بسبب سوء وصعوبة وضع الموقع الذي برره د. خلدون بأنه محاولات لضمان عدم السرقة.

في بدايات العام المنصرم أعلن الدكتور خلدون على صفحته أنه ينوي طباعة الكتب التي بقيت سجينة الموقع، واعتذر للكتاب عن الإشكاليات التقنية. عندها، وكأي كاتب يريد الإفراج عن كتابه السجين، تحدثت مع الدكتور خلدون عن شروط النشر الورقي؛ وقال إن هذا النشر يستلزم من الكاتب شراء خمسين نسخة من كتابه المطبوع، والذي سيكلف 375 يورو بالنسبة لكتابي؛ لأنه يزيد عن المائة صفحة، وككل كاتب يتمنى أن يرى كتابه السجين حراً، وأن يراه مطبوعاً، وافقت على الطرح، وقد استعجلت أنا تحديداً طباعة كتابي؛ لأن الكاتبة الإسبانية " لينور مورينو" أرادت أن تقيم حوله جلسة نقدية، وأن تعلن عنه في ندوة في "البيت العربي" في "مدريد"، وذلك في شهر نيسان/أبريل من العام 2016، ولأني أيضًا أردت المشاركة بمسابقة "الملتقى" للقصة القصيرة. وقد لبى الدكتور خلدون استعجالي مشكوراً، وطبع كتابي بسرعة بعد أن أرسلت له الملبغ المتفق عليه إلى بيروت، وكان علي أيضًا أن أدفع تكاليف شحن الكتاب إلى إسبانيا؛ إذ إن الدار غير مسؤولة عن ذلك، وقد قام الصديق الشاعر "فاتح ناصيف" مشكوراً بحمل نسخ الكتاب الخمسين، التي لم يزد وزنها عن الثلاثة كيلوغرامات من مطار بيروت إلى ألمانيا، ومن ألمانيا وصلني الكتاب إلى مدريد قبل ليلة واحدة من موعد حفل تقديمه، ولأكون أول كاتب يستلم كتابه المطبوع من "دار كتابوك".

النشر المجاني ثم انسحاب الشريك الفرنسي

يبدو أن ما حصل مع الشاعرة شقير حول شروط النشر قد جاء مختلفاً مع الشاعر السوري نادر القاسم، المقيم في الدنمارك، فالقاسم يقول: "بدأت علاقتي مع دار نشر كتابوك من خلال "رابط" تناقله الأصدقاء من على صفحات الفيسبوك، وكان مضمونه أن الدار ترغب بنشر كتب متنوعة وعلى نفقتها، من خلال التعاون مع دار نشر فرنسية، كون موطن الدار في باريس، فعلى من يرغب من الكتاب والشعراء إرسال مخطوطاتهم كي تحال للجنة مختصة تقرر النشر من عدمه. فقمت بإرسال مخطوط ديواني "العشب القريب من الشاهدة"، وتلقيت تأكيداً من الدار بأن المخطوط تمّت إحالته للجنة التي ستبت فيه، ثم جاء الرد بعد مضي مدة بأن الدار وافقت على النشر، وسوف يرسلون لي العقد خلال أسبوع. ومضى حينها شهر ولم يتم تزويدي بالعقد، وعندما سألت الدار عن هذا التأخير، كان الجواب بأن الشريك الفرنسي انسحب وبالتالي فقد تعطل المشروع ضمن هذه الشروط.

بعدها بفترة تلقيت إيميلاً من ذات الدار تعرض فيه شروطاً وعرضاً جديداً للنشر لديها؛ وهو أن يقوم الكاتب بشراء خمسين نسخة من عمله، وبحسب سعر السوق الأوروبي. فطلبت منهم دراسة التكلفة لديواني كونه موجود مسبقًا لديهم، وذلك لمعرفة سعر النسخة الواحدة فكان الجواب أن سعر النسخة سبعة دولارات، والمبلغ المتوجب عليّ دفعه هو ثلاثمائة وخمسون دولاراً وهو جزء من مشاركتي للدار بالنفقات بهذه الطريقة، بأن يقوم الكاتب بشراء هذه النسخ الخمسين، وأن تكون مهمة نقل الكتب تلك على نفقة الكاتب، حيث ستتم طباعة الكتب في بيروت، وهذا بحد ذاته  يكلف في أقل الحالات ثمن المدفوع من قيمة النسخ وهي معاناة أخرى اكتشفتها مؤخراً".

وهل تمّ تنفيذ العقد بحذافيره بينكم؟

نادر القاسم: "بعد أن تم توقيع العقد على هذا الأساس فوجئت برسالة من الدار تريد اختصار عدد صفحات الديوان إلى 50 صفحة فقط؛ وذلك لرغبتها بوضع أكثر من قصيدة في صفحة واحدة. فرفضت، وطلبت إلغاء العقد. ثم عرض عليّ صاحب الدار ومديرها عرضاً آخر؛ بأن يتم تسعير النسخة التي سأقوم بشرائها من الدار بثمانية دولارات بدلاً من سبعة! فوافقت من أجل أن يحافظ الديوان على صورته، ولإنجاح المشروع، فدفعت المبلغ الجديد المتفق عليه وهو 400 دولار.

وحسب تقديري الشخصي، وما استنتجته لاحقاً، أن الخطوة الأولى كانت، وحسب العرض الأول أن الدار ستقوم بتحمل كافة النفقات هي عملية سبر، ومعرفة عناوين البريد الإلكتروني للكتاب وللشعراء، ومن بعدها يتم التواصل معهم وعرض العرض الأخير عليهم، وهو الهدف".

الكارثة تصل عبر البريد

تصف لنا الشاعرة ميسون شقير صدمتها عند وصول كتابها إليها. تقول ميسون: "الصعقة هي أن كتابي الجديد هذا "لا تذهب إلى الموت وحدك" طُبع في 45 صفحة! رغم أن المخطوط كان 120 صفحة، وكأنه رقاقة أو برشور إعلان وليس كتاباً. وحين فتحت الكتاب صعقت بسبب الطريقة البدائية جداً في التنسيق، هذا إن كان هناك أي تنسيق قد تم على الكتاب؛ إذ إن الهوامش ضيقة جداً، وخاصة الهامش العلوي، مما يجعلك تشعر بأن الكلام سوف يخرج من رأس الصفحات، ولا يوجد أية فواصل بين قصص المجموعة. وعندما تنتهي قصة تبدأ الأخرى فوراً، كأن لا شيء يبدأ، ولا شيء ينتهي. الخط صغير جداً لدرجة أن كل من حصل على الكتاب اعتذر مسبقاً عن قراءته!

الكتاب الذي وصلني كان كارثة حقيقية، لأن الشكل الذي يُقدم به أي عمل كتابي، هو المحفز الأول على قراءته، مثله مثل العنوان، وكتابي لا يحفزني أنا شخصياً على فتحه أو قراءته، فكيف سيستطيع هذا المولود الذي شوهته دار "كتابوك" أن يقنع أحدًا آخر بالقراءة؟

مشاعري كانت مزيجًا من القهر والندم وخيبة الأمل، والدهشة أيضاً، فقد أعدت إمساك الكتاب عدة مرات وأنا أصرخ: هذا ليس كتابي. ولم أستطع أن أتخيل أنه فقط بسبب الرغبة في التوفير المادي تُقتل الكتب هكذا. وفي حفل تقديمه في مدريد اعتذرتُ من الجميع عن سوء إخراج الكتاب، وعللت ذلك بأني قد استعجلت طباعته.

كنت وما زلت أشعر بالحرج الشديد، وأضطر للاعتذار، حين أقدّم كتابي هذا لأي قارئ، بعكس إحساسي بكتابي الأول. إن الطريقة السيئة جداً التي أخرج بها الكتاب قتلت النص، أي إن "دار كتابوك" التي سجنت كتابي لسنة، قد عادت وقتلته مطبوعاً. الكتاب هو ابن الكاتب، وقتله هو موجع كقتل طفل".

أنتم لستم جان بول سارتر

ولكن برأيكِ لماذا حصلَ كل ذلك رغم أنك قمتِ بكل التزاماتك المذكورة في العقد؟

ميسون شقير: "أنا أتفهم أنها التجربة الأولى للدار على صعيد النشر، وأتفهم أن الدكتور خلدون، المقيم في باريس، قد اضطر للطباعة في مطبعة لبنانية؛ لأن الطباعة في باريس مكلفة جداً، وهذا ما جعله غير قادر على معاينة الكتب الصادرة عن كثب، وأنه حاول أن يداري خطأ وإشكالية سجن الكتب، التي حصلت في الموقع، وأتفهم أيضًا أني قد استعجلت طباعة كتابي المسجون لمدة تزيد عن السنة، لكن ما لا أستطيع تفهمه هو إجابة الدكتور خلدون الجارحة ليس لي شخصياً بل لذاتي ككاتبة، عندما أخبرته هاتفياً بأن الكتاب سيئ ومفاجئ، وكنت أحاول أن أخبره ذلك بكل الود والألفة التي تحكم علاقتي بصديق ودكتور جامعي، وكنت أعتبر أنه مثلي ضحية لظروف الحرب والنفي القسري، وكنت أتمنى فقط لو أنه تقبل قهري ولو أنه اعترف بسوء إخراج الكتاب، لكنه على العكس من ذلك، فقد اعتبر الكتّاب متطلبين، واعتبر أننا لا نقرأ كفاية، ولا نعرف كيف تكون الكتب المنشورة، وأننا حالمون، وأن كل كاتب منا يريد كتابه بأفضل المواصفات وكأنه يظن نفسه بول سارتر!".

ورغم القهر البادي لدى الشاعرة ميسون، ورغم محاولتها الوقوف إلى جانب مدير الدار في تبرير الكارثة من خلال طباعة الكتاب في بيروت، رغم أن بيروت هي إحدى أفضل العواصم في الشرق الأوسط إعلاميّاً، وكذلك التراكم الفني الكبير لدى دور النشر فيها. رغم ذلك سألناها إذا كانت ستعيد تجربة طباعة كتاب آخر لدى دار "كتابوك"، أو أن تشارك في حفل توقيع كتابها الصادر حديثاً عن دار "كتابوك" إذا دعتها الدار إلى ذلك.

لا أنصح أحداً بذلك

تقول ميسون: "مضت سنة وشهران على آخر محادثة بيني وبين مدير الدار، وقد كان يجب على الدكتور خلدون أن يقول إنه سيعيد طباعة الكتاب بطريقة تعطي الكتاب المقتول الحياة التي يستحقها، وأن يعتذر بشكل معلن من كل الكتاب الذين جاءت كتبهم بهذا السوء، خاصة بعد أن جاءت كل الكتب التي طبعت بعد كتابي ينفس الحالة الإخراجية المترهلة، فقد سمع وعرف من الكتاب، شدة خيبة الأمل التي قدمها لهم، لكن الدكتور خلدون، وللأسف، لم يفعل.

بالنسبة لي شخصيًا، وضمن الوضع الحالي لدار "كتابوك"، لا يمكن أبدًا أن  أشارك بأية فعالية تخصها، ولا يمكن أن أعيد تجربة الطباعة لديها، ولا أنصح أحدا بذلك".

المخطوط شيء والكتاب شيء آخر

ربّما صدمة الشاعر نادر القاسم كانت كبيرة جداً؛ فكتابه "العشب القريب من الشاهدة" هو كتابه الأول، وكان يتمنى أن يكون من دون كوارث، يتحدث عنها قائلاً:

"الصدمة الأولى كانت عندما خرج الكتاب من المطبعة بأخطاء قاتلة في الإخراج والتنسيق وبعدد صفحات أقل من المتفق عليه (76 صفحة)، وحتى أنه جاء مغايراً للمخطوط الذي أرسلته؛ بدءًا من إسقاط العنوان الداخلي؛ وذلك من أجل توفير ورقة واحدة من كل نسخة! وكذلك الديوان طبع من دون فهرس! وذلك من أجل ذات الهدف. ومن الأمور الدالة على عدم مهنية هذه الدار وجهلها بأصول الطباعة، تجد أن عناوين القصائد في أعلى الصفحة تكاد تخرج من الصفحة. والشيء المحزن أنك إذا أردت أن تقرأ الديوان فإنك بحاجة لنظارات طبية؛ فالخط صغير جداً ومخالف لما هو متفق عليه. وتبين في ما بعد أن حجم الخط متغير من صفحة لأخرى، حتى يتم ضغط القصيدة في صفحة واحدة، إن كانت ستأخذ أكثر من صفحة، وحتى افتتاحية الديوان وهي عبارة عن جملتين، تم وضعها بأعلى الصفحة، فمن المتعارف عليه أن تكون في منتصف الصفحة. ولم أصدق ما شاهدت. كل ذلك يدل  إلى انعدام المسؤولية والإهمال.

الأمر مخجل جدًا حتى أنني توقفت عن إهداء النسخة الورقية لأصدقائي في بيروت، بعد أن رأيت ردة فعلهم السلبية. والصدمة تكمن أيضاً في أن يكون في هذا العالم أناس تعمل في الطباعة والنشر ومن فرنسا بهذه الطريقة، خاصة بأن هناك فقرة في العقد تقول بأن هذا العقد خاضع ويراعي شروط النشر الورقي والإلكتروني في فرنسا من الناحية القانونية والرسمية، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتني أتعاقد مع الدار كونها أخضعت نفسها لشروط النشر الأوروبي".


مَعارض وهمية

يضيف نادر القاسم حول هذه التجربة المريرة، "وعدتني الدار بأنها ستشارك في المعارض، وسيتم إرسال نتاجها بدءًا من الربيع الماضي للمعارض العربية، فتبين لاحقًا أنها لم تشترك حتى في معرض بيروت، وهو الذي يبعد مرمى حجر عن مطبعتها هناك أو مكتبتها المعتمدة لتسويق الكتاب.

بعد أن تواصلت مع عدد من الأصدقاء، علمتُ بأن الخطأ ليس فردياً، وإنما هو خطأ جماعي بحقّ الكتّاب. وبعد أن ضقت ذرعاً بما حدث، وبعد أن تأكدت أن ما حصل معي حصل لجميع مَن نشروا عندهم، أرسلت إيميلاً للدار معبراً فيه عن انزعاجي، وطالبت بإعادة حقوق النشر لي، فجاء الاعتراف بأن هناك أخطاء وقعت بعدد كبير من الكتب. وحتى كتابة هذه السطور توجد الكتب المقصودة على موقع الدار والمواقع الإلكترونية التي تبيع الكتب بالاتفاق معها. فكيف ترضى الدار أن تباع الكتب وهي بهذه الأخطاء التي تسيء للكاتب وللدار؟ والمؤلم أن اعتذارًا جاء باهتاً وأن الدار ستبدأ من الشهر التاسع بإعادة طباعة الكتب على نفقتها، بعد أن تم الاتفاق مع دار نشر فرنسية من دون ذكر اسمها وعنوانها أو نص الاتفاق معها، ولم يتم إطلاعنا على هذه التفاصيل كوننا طرف في الاتفاق الذي تم. فتذكرت السيرة الأولى للدار التي بدأت معها ويبدو أن ذاكرتهم ضعيفة لدرجة كبيرة، وكأن دور النشر الفرنسية هي جمعيات خيرية مهمتها إنقاذ الدور الغارقة في الأخطاء المهنية.

هذه التجربة كانت من أسوأ التجارب التي مررت بها، الصدمة من أن هناك بشرا تتعامل مع الإبداع بأسلوب كهذا، لم أذكر بعض التفاصيل المزعجة ولدي الكثير منها كوني محتفظا بالحوار الذي دار بيني وبين  صاحب الدار. وعلى هذا فإن من المستحيل أن أعيد التجربة مع هذه الدار".

أتصور أن صدور مجموعتك، بالاشتراك مع شاعر دنماركي، باللغة الدنماركية خفّف عنك الآلام.

نادر القاسم: "شاءت المصادفة أن يصدر ديواني المترجم للغة الدنماركية بعد شهر من ديواني "العشب القريب من الشاهدة". عندما رأيت أناقة وجمال الطباعة والمهنية العالية والرقي بالتعامل، مع العلم أنني لم أتحمل أي نفقات فالدار تكفلت بكل شيء، مما زاد ألمي وغربتي أكثر، وصدق القائل إن أردت أن تكتشف الجمال ضع قريبا منه ما يناقضه.

بكل تأكيد هذه تجربة شخصية لي مع هذه الدار، وهناك دور عربية تعمل ضمن معايير حقيقية ومهنية عالية. قد تساهم هذه الكتابة ومن خلال هذه التجربة مع بقية الأصدقاء وبكل شفافية بتحسين شروط وظروف النشر في محيطنا العربي، وإن من يدخل هذا الحقل عليه أن يعلم بأن الأمر ليس نزهة ومجموعة هواجس ورغبات. هذا المجال هو عملية إبداعية لا تقل شأنًا عن النص، وهو في ذات الوقت سفير للدار لدى القارئ والكاتب والمعارض".


المحظوظون!

نشرت الصحافيّة السوريّة مزن مرشد، المقيمة في فرنسا، مجموعتها القصصية الأولى "خارطة بالأقدام" لدى دار كتابوك. ويبدو أننا سببنا لها الرعب عندما طلبنا منها المشاركة في هذا الملف؛ وصارت تسألنا نحن عن تفاصيل الكوارث المطبوعة؛ فهي لا تعرف شيئاً عن تلك الكوارث، رغم أنها دفعت "500" يورو ثمن الخمسين نسخة من  كتابها الذي طبع في نيسان/أبريل الماضي ولم يصل إليها حتى الآن من بيروت. قلنا لها بأنها محظوظة ربما في عدم رؤية واستلام الكتاب حتى الآن!

الصحافي السوري ماجد مرشد طبع لدى الدار روايته "في التيه". وفي الوقت الذي لم تصل إليه نسخ من روايته، إلا أنه علم بكارثة الطباعة. يقول مرشد: "لم أحظ بعد بأية نسخة ورقية من الكتاب، لكن الدكتور خلدون اتصل بي وقال لي: يبدو أن روايتك لم تأخذ حقها من العناية في الطبع.. مثلها مثل عشرة كتب طبعتها في بيروت، ومنها كتاب لي أيضًا.. وسعيد النظر لطبيعتها قريباً. لم أعلق على الموضوع، خاصة أن خلدون صديقي، وأفوّضه بثقة بمتابعة أموري.  

من الناحية المادية، كان الشرط أن أدفع مسبقًا ثمن ٥٠ نسخة من الكتاب، كانت حوالي ٦٠٠ يورو. طبعا دفعتها. وبعد الطبع اتصلوا بي وقالوا النسخ الخمسون جاهزة في بيروت وعليك أن ترسل قيمة شحنها لنشحنها لك. ولا أعلم سببًا وجيهاً لوقوع خطأ كهذا. أجدني فاقدا حماستي في جلب نسخي ومشاركتها في حفل توقيع.. بعدما سمعت هذا الكلام.

روايتي اسمها (في التيه) وهي لدي في ٣٢٠ صفحة فورسكوبي بخط قياس ١٨، لكن بُلّغت بأن روايتي لم تتعدّ ١٨٠ صفحة قطع وسط وبخط قياس ١٢، لماذا؟ لا أدري. لكن الدار تعهدت بإعادة النشر بطريقة محترمة من دون أن يترتب عليّ أي تكاليف أخرى.

بالتأكيد لم يعجبني تسعير الكتاب الذي وضعته الدار على الموقع الإلكتروني (١٢ دولارا للنسخة الواحدة). ولقد وعدني الدكتور خلدون أن يراجع السعر بنفسه ويخفضه إلى ما دون عشرة دولارات للنسخة".

الصدمة والخيبة

الصحافي السوري مصطفى علوش، المقيم في ألمانيا، نشر كتابه "كيف كان" لدى دار كتابوك. يقول مصطفى عن تجربته هذه: "رغم أني أجريتُ بعض المشاورات مع بعض الأصدقاء حول ترشيح اسم دار نشر تكون جيدة، لكن القدر غير الجيد أخذني نحو دار كتابوك. بداية دفعتُ 495 يورو حسب نص العقد الذي يقر بأن هذا المبلغ هو ثمن خمسين نسخة مخصصة للكتاب، وبعد ذلك دفعت أجرة شحن الكتاب إلى ألمانيا، بحدود  214 يورو.

صدمتي كانت كبيرة بسبب سوء الطباعة، والحرف الصغير الذي طبع به الكتاب، لا سيما أني عرفتُ بالأمر من صديق يعيش في بيروت، وقد أقرّ الدكتور خلدون النبواني صاحب الدار بذلك بعد دردشة معه، ولاحقاً، أي منذ عدة أشهر، كتب لي رسالة إلكترونية، قائلاً أنه سوف يطبع لي نسخة جيدة الطباعة من كتابي، ولكنه حتى تاريخه لم يفعل ذلك.

لا أعرف لماذا حدث ذلك معي ومع عدد من الكتاب والكاتبات، وأحمّل نفسي جزءًا من المسؤولية لجهة عدم تدقيقي في موضوع شكل الطباعة ومساحة الصفحة، لا سيما أني حصلت على نصيحة من صديقة روائية لها تجارب سيئة مع دور نشر أخرى.

بالتأكيد لن أوافق على توقيع كتاب لدى دار النشر، بالشكل الحالي للكتاب، وبالتأكيد لن أعيد النشر مع نفس الدار.

ابتلعتُ خيبتي وصدمتي من الشكل السيئ للطباعة وأضفـتُ هذه التجربة لسجل خساراتي المادية التي كان سببها الأول هو ثقتي السريعة بالبشر. الآن ترقد في غرفة نومي حوالي 35 نسخة من كتابي، بينما ذهبت بقية النسخ هدايا لبعض الأصدقاء. شعرتُ بالضيق أكثر عندما عرفتُ أن الأمر حدث مع أصدقاء وصديقات أعرف مدى إبداعهم".

ما العمل؟

نعتقد بأن المسؤولين عن دار كتابوك سيجهزون أوراقهم بعد قراءة هذا الملف؛ من أجل تكذيب ما فيه أو تشويه سمعة الكتب والكتّاب، ولكن الدرجة الأقل من المهنيّة تقتضي من الدار إعادة طباعة تلك الكتب الأدبيّة بطريقة تستحق، وتليق بدار نشر في القرن الحادي والعشرين، خاصة أن صاحب الدار الدكتور خلدون النبواني قد وعد الجميع بذلك. أو أن تقوم الدار بإعادة الحقوق المادية والمعنويّة للكتاب بعد الاعتذار لهم علناً، وإغلاق هذه الدار نهائيّاً؛ فالكتّاب السوريّون، والقرّاء أيضاً، لا يحتاجون لكارثة أخرى تُضاف إلى كوارثهم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.