}

يُحتمل إعدامه.. والتهمة مُصور صحافي

هشام أصلان 22 مارس 2017
في 14 أغسطس/آب 2013، أُلقي القبض على المُصور الصحافي المصري محمود أبو زيد، والذي نعرفه جميعًا باسم "شوكان". كان يُصوّر وقائع فض اعتصام رابعة العدوية. اعتقل الأمن الشاب العشريني ضمن عدد من المتظاهرين والصحافيين الأجانب في استاد القاهرة يومًا واحدًا، قبل أن يُطلق صراح الصحافيين باستثنائه. واجه عدة تهم، يُقال إنها وصلت لـ9، من بينها القتل والتجمهر والانضمام لجماعة الإخوان المسلمين. مرّ نحو أربع سنوات ولا يزال محبوسًا على ذمة هذه القضايا غير معروف مصيره، وإن كانت التوقعات شديدة السوء.

ينتظر الأصدقاء اسمه ضمن كل قائمة عفو رئاسية. لكن الحكومة تخشى كل من تحوّل إلى أيقونة. وشوكان بات إحدى هذه الأيقونات. ليس لأنه مثل أحمد دومة أو علاء عبد الفتاح، ممن اتسموا بالقدرة على إشعال النشاط في روح الثورة كُلما هدأت وتراجعت. ولكن لأن شوكان صار دليلًا من لحم ودم على عدوانية هذا النظام تجاه الرأي والحرية، المعرفة في أكثر وجوهها مباشرة: صورة فوتوغرافية.

وبينما ينظم زملاؤه المصورون والصحافيون من كل المؤسسات بتوجهاتها الوقفات الاحتجاجية ليصرخوا أنه بريء من المشاركة في أي جريمة، وأنه كان يصوّر فقط، يزداد سخط السلطة، وتُضيّق الخناق أكثر.

سيقتحم الأمن مقرّ نقابة الصحافيين في سابقة تاريخية. وسيواجه النقيب نفسه حُكمًا بالسجن، بتهمة إيواء مطلوبين أمنيًا. الصحافيون المستقلون قاوموا، ولكن منذ أيام، انتصرت الدولة في جولة جديدة على حرية الصحافة، بفوز المرشح الأقرب للحكومة على مقعد النقيب، فيما وصفه المستقلون بتأميم نقابة الصحافيين. 

بعضهم لا يزال يقاوم حتى تظل صورة شوكان واضحة أمام أعيننا، واقفًا ببذلة السجن الاحتياطي في قفص المحاكمة، يمسك بيديه كاميرا وهمية، وينظر من خلال أصابعه كأنه يُصوّر محاكمته. بعضهم لا تزال في نفسه طاقة، أو ربما هي محاولات بائسة.

من هنا، وُفّق الزميل سامح سامي رئيس تحرير دورية "الفيلم" وباقي هيئة المجلة، عندما اختاروا صورة شوكان الشهيرة، مُفتتحًا لملف المجلة في عددها الصادر منذ أيام: "الفوتوغرافيا في مصر"، مع عنوان فرعي يقول: "مصور الشارع.. مُدان حتى تثبت براءته".

العدد يضم عناوين حاولات تناول فن الصورة الضوئية من كل اتجاه، وفي كل الأماكن: الشارع، السينما، التاريخ، والثورة.

يرصد الناقد حسن شعراوي، رئيس التحرير التنفيذي للمجلة، تاريخ الفوتوغرافيا المصرية، ويكشف الأب وليم سيدهم عن وثيقة فوتوغرافية نادرة تخص الراهب الفرنسي اليسوعي استفان دي مونجلوفييه، والذي جاء إلى مصر خادمًا في كنيسة قرية "جراجوس" بقنا عام 1946، وكان محبًا وعاشقاً لفن التصوير الضوئي، وتوثيق كل ما يراه في تلك الفترة، منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.

أيضًا، هناك حكايات فوتوغرافيا المنيا، برواية الكاتب سليمان شفيق وعدسة ريهام فرج، وقراءة في فيلم باب الوداع، للناقدة السينمائية صفاء الليثي، وحوار مع المصورة الشابة مروة أبو الليل، مديرة مدرسة "فوتو بيا" للتصوير الفوتوغرافي، وعناوين مثل: "المصور الفوتوغرافي على شاشة السينما" لبسنت الخطيب، وعدسة روجيه أنيس، و"الثورة.. درس التصوير"، "مصور الشارع في مصر مدان حتى تثبت براءته" لناهد نصر، فضلًا عن قصة مصورة لهبة خليفة، ويختتم العدد محمد الميموني بـ"طرائف المصوراتية".

موضوعات مهمة ومتنوعة، غير أن الصورة الفوتوغرافية كثيمة رئيسية للعدد، ستظل قيد الحرية المُطلقة، طالما وجد أحد صانعيها وراء القضبان.

موقع منظمة العفو الدولية يقول إن شوكان "كان من المعتقد أنه سيتعرض للحكم بالسجن المؤبد. أما الآن، فإنه قد يواجه مصيراً أسوأ، حيث يتهدده خطر الحكم عليه بالإعدام. وقد قُبض عليه وهو يؤدي عمله لا غير، ويُعتبر الصحافي المصري الوحيد الذي تتجاوز مدة حبسه عامين. وهو يعاني من تدهور في حالته الصحية، حيث حُرم من الحصول على الرعاية الطبية بالرغم من أنه يعاني من فيروس الكبد الوبائي".

رئيس تحرير المجلة حيّا شوكان، تحت عنوان "الصورة وطبائع الاستبداد". يشير فيه إلى أن وكالة "ديموتكس" كانت قد أرسلت خطابًا إلى السلطات المصرية، تؤكد فيه أن شوكان كان يغطي أحداث فض الاعتصام لصالحها، لم يكن مشاركًا فيها، ولكن لا حياة لمن تنادي:

"الصورة هي حركة؛ أي تنشد التغيير، أو تدل عليه، فلا تعرف الثابت أو المطلق؛ لذلك يخاف منها الاستبداد، ولأننا؛ في مجلة الفيلم، وأمام عدد خاص عن الفوتوغرافيا، لا يمكن أن ننسى "شوكان" المصور الشاب العشريني المسجون منذ أربع سنوات حتى الآن، والتهمة: مصور صحافي حر. شوكان الذي اشتهر بصورة عبقرية له من خلف القضبان، راسمًا بيده كاميرا ليصور قاعة المحكمة، كأنه يريد القول: أخذتم كاميرتي. لكن يمكنني التصوير بيدي الفارغة".

من أنا؟ يتساءل شوكان في ورقة بخط يده أرسلها من داخل سجنه. يجيب في كلمات، بسيطة الظاهر، لكن الألم يخرج من عمقها: "شوكان، أو محمود أبو زيد، مصور صحافي حر. أعاقب بالسجن لأنني قررت أن أقوم بعرض توثيقي. ولأنني مصور حر، فلا أحد سمع بما يحدث وحدث لي. وها هي ضريبة أنني أعمل كمصور حر. أدفع ثمنها من عمري.. لكني واثق من الفرج، ومتفائل للمستقبل، تحياتي.. شوكان، سجن طره. 29 ـ 4 ـ 2014".

رسالة شوكان كانت قبل ثلاث سنوات، لم يكن كثيرون قد سمعوا به فعلًا كما يقول. الآن يعرفه الجميع، بعدما صار حديث كل كاميرا صحافية، وبعدما ذهبت صورته الشهيرة داخل القفص صورة شخصية لمئات من صفحات زملائه. ولكن ماذا بعد؟ النفق الذي يطلُ علينا شوكان من عند فوهته صار أكثر طولًا. صورته الشهيرة تبتعد، أصغر حجمًا، باتت رؤيتها أصعب، وقلة الحيلة وجع.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.