}

وداعاً عام 2016 (1):أكثر من شمعة وسط الظلمة

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 22 ديسمبر 2016
هنا/الآن وداعاً عام 2016 (1):أكثر من شمعة وسط الظلمة
طفل سوري من مهجري حلب
 

عام عربي يوشك على الانتهاء طبعته الحروب التي تشنها الطغم والقوى المتحالفة معها على شعوبها في أكثر من بلد عربي، ويكاد يفتت فيه ما كان قائماً من بشر وحجر ويصبح في مهب الريح. لا تظهر نهاية العام بارقة أمل كبيرة على انتهاء الحروب والجرائم التي ترتكب بحق شرائح كبيرة من المواطنين العرب وجدوا أنفسهم في مرمى المدافع والبنادق وتحت سماء تهطل منها البراميل المتفجرة مثلما يمكن للمطر المحتجب أن يهطل.. ولكن مع كل هذه الأوضاع العربية التي لا تبشر بخير على الصعيد السياسي، كان هناك ما يبشر بخير على الصعيد الثقافي والفني. رغم كل شيء ظلت هناك مطابع تدور، وصحف تصدر، ومهرجانات تقام، وشعراء لم يخذلوا القصيدة، وباحثون يواصلون رصد وتحليل الظواهر، وفنانون يعكفون على ألوانهم وألحانهم. عن هذا الجانب المشرق من العالم العربي، الجانب الذي يقاتل الظلمة بشمعة، والوحشة بأغنية وقصيدة، ويحلم بعالم عربي يطلع من بين الركام وحقول الألغام السياسة والطائفية، نفرد هذه الحلقات الثلاث لأهم الأحداث والإصدارات من وجهة نظر المثقفين الذين سألناهم رأيهم. هنا الحلقة الأولى:

 

عيسى مخلوف:

سوسيولوجيا عامة

ليس ثمة حدث واحد وكتاب واحد، لكن ضمن الحيّز المُعطى في وداع عام واستقبال عام جديد، سأكتفي بالحدث الأخير الذي طالعني، وبالكتاب الأخير الذي قرأته. ولقد جاء كلّ ما تابعته في الشأن الثقافي، طوال العام الآفل، على خلفية الحروب المشتعلة وعلى وَقع آلة القتل التي لا تهدأ.

استوقفني الحدث الذي جرى، منذ فترة قصيرة، في الجامعة الأميركية في بيروت، بدعوة من "جمعيّة القلم/ لبنان"، وشارك فيه عدد من الكتّاب اللبنانيين والأجانب الذين تناولوا موضوعات عدّة، منها التطرّف القومي والديني وانعكاسه على الحياة اليومية والكتابة والثقافة. هذه اللقاءات التي تتداخل فيها الأصوات ووجهات النظر لا تزال تؤكّد على أهمّية الحوار في قلب هذه الصحراء التي تزداد اتساعاً. أما الكتاب الذي قرأته باهتمام كبير فعنوانه "سوسيولوجيا عامّة" (دار "سوي" الفرنسية)، وهو الجزء الثاني من المحاضرات التي كان عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو قد ألقاها في "الكوليج دو فرانس" في باريس، بين الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. كنتُ يومها طالباً في جامعة السوربون، وفي الوقت نفسه، كنتُ أتابع تلك المحاضرات بكثير من الاهتمام لأنها فتحت عينيّ على العالم بصورة جديدة وغير مألوفة. في قراءتي لها مؤخّراً، أحسستُ بالانطباع الأول الذي أدهشني والذي ولّدته في نفسي حين استمعتُ إليها للمرّة الأولى، بل وسمعتُ في الكلمات التي كنتُ أقرأها نبرة صوت بورديو، وكأنها لا تزال تتردّد حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، أخذني الحنين إلى مرحلة كانت فيها العاصمة الفرنسية تتلألأ بأسماء كثيرة تركت أثراً عميقاً في ثقافة القرن العشرين. أسماء حقيقية تُعَدّ بالعشرات، وتتوزّع في مجالات الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية ككلّ، قبل أن ينحسر تدريس هذه العلوم في الجامعات، وقبل أن يهيمن على الساحة الفكريّة بعض الفلاسفة الجدد، من أمثال برنار هنري ليفي، ألان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان الذين ساهمت في إطلاق شهرتهم السياسة والتلفزيون وصعود الثقافة الرائجة والمبتذَلة.

*كاتب لبناني يقيم في باريس

 

شريف الشافعي:

الأدب الأكثر مبيعاً

يأتي فوز الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، 2016، ليكون أحد أبرز أحداث العام، فمن جهة عاد فن الشعر ليتوج بنوبل بعد خمس سنوات من فوز السويدي توماس ترانسترومر في 2011، ومن جهة ثانية، فإن فوز ديلان، المغني والموسيقي وكاتب الأغنيات، يعكس كسر لجنة نوبل للقوالب المتبعة في منح الجائزة في فرع الآداب.

ما يشهده العالم من ترويج للأدب الأكثر مبيعًا، والأغزر انتشارًا، لم يعد قاصرًا على السرد الروائي والقصصي والتشويقي والبوليسي، بل امتد إلى حيز الشعر أيضًا، الذي قد يجري ترويجه وتسويقه ليس فقط من خلال الكتب المطبوعة، لكن من خلال وسائط متعددة، منها أسطوانات القصائد والأغنيات الملحنة.

لقد أقرت لجنة نوبل بإجماع الآراء وبتوافق نادر، وهذا مؤشر لا ينبغي أخذه على محمل الهزل، بأن أنماطًا من الشعر استطاعت أن تخلع ربطة العنق، وتخاطب العاديين بما يستسيغونه، وعبر تعابير شعرية جديدة أيضًا، وفق اللجنة.

فوز ديلان إزاحة كاملة لتصورات البعض عن الشعر النخبوي، ودرس من دروس إمكانية انفتاح الأغنية والقصيدة على الأسطورة، والتاريخ، والتناص، بدون أن تفقد بساطتها، ومستوى تلقيها الأولي لدى الجمهور العادي، وهذا ما يجعل الحدث استثنائيًّا على نحو بعيد.

*شاعر وصحافي مصري

 

دنى غالي

المرأة والسياسة:

ربما جائزة القصة القصيرة الحدث الثقافي الأهم، ليس لأن نتائجها أُعلِنَت مؤخرا فيسهل تذكرها، ولكن ما من شك فمن شأن هذه الجائزة أن تدعم هذا النوع من الكتابة وتضيء المشهد الذي تهيمن عليه الكتابة الروائية حاليا.

2016 لم يكن عام قراءة بالنسبة لي لأني أنجزت خلاله أكثر من كتاب وبصدد إنجاز ترجمة رواية جديدة، ولكن آخر كتابين قرأتهما كان أولهما للكاتبة الدنماركية كيرستن توروب، "ذكريات عن الحب"، وهي رواية صدرت أخيرا باللغة الدنماركية وقد سبق لي أن ترجمت لها روايتين من قبل إلى العربية؛ أسلوب الكاتبة كلاسيكي وسلس، ولكنه في هذه الرواية تميز بقدرة فريدة وبأسلوب جميل هادئ في ربط الحاضر بالماضي بتناولها للأحداث عبر عملية نسج متقنة إلى أبعد حد.

 الكتاب الأخير الذي قرأته كان للكاتب العراقي سلام عبود وهو رواية كتبتُ بشأنها مراجعة نُشِرت قبل أسابيع؛ "امرأة وخمس نساء"! لم أحلّ لغز العنوان بعد، ولكن الرواية متميزة بتعدد أصواتها، في سرد موضوعها الرئيسي الذي تدور أحداثه حول وفي اليمن، أحداث خاصة وعامة تُروى على لسان نساء يمنيات مثقفات من عدن فَهِمْنَ الثورة كلٌ على طريقتها، وما حاول الكاتب إبرازه هو سوء الفهم الذي وقعن به لذواتهن والآخر. إجمالاً لعبت الأيديولوجيات دوراً في زرع تناقض نراه واضحا في مآل تلك الثورة وفشل تجربة اليسار العربي عموما. رواية عميقة وممتعة أيضا، تكشف عن مدى قرب المرأة ودورها الفاعل في السياسة.

*كاتبة عراقية تقيم في الدنمارك

 

أحمد الواصل:

عام مضطرب وانتقالي

أتحدث على مستوى السعودية، فالحدث الأول إقامة مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس (27-30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، بعنوانه الرئيس "الأدب السعودي ومؤسساته: مراجعات واستشراف ما بين (1400 - 1437هـ / 1980 - 2016م )"، وقد شاركت فيه بورقة "سرديات مؤجلة: ترسيم الهوية والوطن والتاريخ"، عن صناعة الرواية والمرجعية المعرفية لها.

وأما الحدث الثاني، فصدور الطبعة العربية من كتاب طال انتظاره "نجد قبل الوهابية"، لأستاذ التاريخ عويضة الجهني، أطروحة أكاديمية صدرت باللغة الإنكليزية 2000، حيث تتاح للقراء العرب الآن. وضعت الدراسة في ستة فصول، الأول الخلفية الجغرافية والبيئية، والثاني الخلفية التاريخية، والثالث بدو نجد في القرن التاسع الهجري - الخامس عشر الميلادي، والرابع سكان نجد في القرن التاسع الهجري - الخامس عشر الميلادي، والخامس نمو التعليم الديني، والسادس الظروف السياسية والاجتماعية والدينية، وألحق به ملحق الجداول والآخر الخرائط.

انطلقت الدراسة من ثلاث ظواهر رصدها من خلال تلك المصادر، الأولى هجرة جماعات بدوية إلى نجد من غرب وجنوب غرب الجزيرة العربية، والثانية نمو السكان في نجد بالهجرات العكسية بين نجد وشرق الجزيرة العربية وجنوب العراق، والثالثة نمو التعليم الديني خلال القرن العاشر – الثاني عشر الهجري (الموافق السادس عشر - الثامن عشر الميلادي).

وفي الآخر، فإن الكواكب لم تنه صراعها الدائر في مداراتها وزواياه، إذ تطغى نحوسها على فؤولها، وما لنا سوى صلاة صبر طويلة..

* كاتب وباحث سعودي

معن البياري:
سير وفكر ورحيل

لم تيسر المشاغل الخاصة الوقت الكافي لي لأقرأ كثيراً مما رغبت بقراءته في العام 2016، مما صدر في أثنائه، أو في سنواتٍ سبقته، غير أنه في وسعي أن أتحدّث، هنا، عن كتبٍ، أظنها كانت الأبرز مما قرأت، وسعدت بمطالعتها وأفدت كثيرا منها.

أتحدث، أولا، عن كتاب الدكتور عزمي بشارة "ثورة مصر"، وهو جزءان، "من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير" و"من الثورة إلى الانقلاب"، وقد صدر في 2016 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو كتاب مرجعي وشديد الأهمية في علم الاجتماع السياسي. ويقع قارئ صفحات جزئيه (720 و672) على إحاطةٍ تحليليةٍ موثقةٍ وافيةٍ على تشابك السياسي والاجتماعي والثقافي العام في مسار الحراك الشعبي المصري العام في نحو ستة عقود، والعوامل الفاعلة في محطاتٍ مهمة وانعطافية في مصر. ويعد هذا الكتاب الأول في موضوعه ومشاغله من حيث تعيين هذه العوامل والمؤثرات، وخصوصا بشأن ثورة يناير 2011 ثم الانقلاب الذي أطاحها. ومن أسفٍ أننا لم نقرأ مطالعاتٍ جادة وجدية، تناقش أفكار الكتاب ومنهجيته وأطروحاته، وذلك بسبب الكسل العام في الصحافة العربية، غير أن هذا الأمر لا يعني شيئاً أمام القيمة الخاصة لهذا الكتاب الذي أزعم أنه من أهم إصدارات 2016 الفكرية والسياسية التحليلية، وربما من أهم الوقائع الثقافية العربية في هذا العام.

ولأني مصابٌ بشغف خاص بقراءة كتب السير والتجارب الذاتية، وخصوصاً لسياسيين ومثقفين، فقد سارعت إلى قراءة كتاب الدكتور وليد سيف (الشاهد والمشهود.. سيرة ومراجعات فكرية)، وقد صدر 2016 في 510 صفحة عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. وأظنه كتاباً جديداً في مساره من بين كتب السير الذاتية العربية، من حيث اشتماله على أفكار ورؤى واجتهادات في الفكر والسياسة والأدب والثقافة، فضلا عن لغته العالية، كما أن له أهميته للمشتغلين في صناعة الدراما، وفي تدريس الأدب واللغة في الجامعات العربية، وللدكتور وليد سيف تجربة مميزة في الشأنين.

ومن قرءاتي في العام الذي يوشك على الرحيل، في السيرة أيضا، كتاب "من زوايا الذاكرة .. محطات رحلة في قطار العروبة"، وكان قد صدر في 2014، عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وأخذتني إلى قراءته وفاة كاتبه الدكتور كلوفيس مقصود في العام 2016. كتاب شائق ومفيد في الإطلال على التجربة الدبلوماسية والفكرية والسياسية والشخصية للكاتب الراحل.

وتيسر لي أن أقتني عددا ليس قليلاً من الروايات التي صدرت أخيرا، في العام الذي نودعه، معظمها لأصدقاء، غير أن الوقت لم يتوفر لقراءتها جميعا، وفي وسعي أن أشير إلى إعجابي برواية حزامة حبايب "مخمل"، وقد صدرت في 2016 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، من حيث إتقانها التعبير عن أنوثةٍ منتهكة بالمتاعب والقهر والاضطهاد الاجتماعي القاسي، هي رواية حاذقة في هذا الخصوص، وأظنها تستحق موقعا لافتاً في رواية موضوعة المرأة العربية.

وفي أجواء المحنة التي شهدتها مدينة حلب في 2016، قرأت الكتاب المهم (مآسي حلب .. الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين)، من إعداد صبري درويش ومحمد أبي سمرا، وهو يضيء على هذه الحاضرة السورية العتيدة، في راهنها في أتون الثورة السورية، وعشية هذه الثورة، وقد صدر الكتاب في 2016 عن منشورات المتوسط (إيطاليا)، ويضم تحقيقاتٍ صحفية ومساهمات بحثية واستقصائية، أنجزها كتاب عارفون، بينهم أجانب، تطل على جوانب معيشية واجتماعية واقتصادية وعمرانية للمدينة، وكذا لحضور شبابها وناسها ونخبها في الثورة. 

ومن قراءاتي في 2016، كان كتاب الروائي التركي، أورهان باموق، "اسطنبول .. الذكريات والمدينة" في ترجمه عبد القادر عبداللي، وقد صدر في العام 2015 عن دار الشروق (المصرية). وهو كتاب في السيرة والقص والسرد معاً، بديع في حكاياته، وفي تجواله في ذاكرة طفل وفتى وشاب، هو الكاتب العالمي المعروف، في مدينة مدهشة هي اسطنبول.

*كاتب وصحافي من الأردن



عبد الهادي سعدون:

آثار ميزوبوتاميا

بحكم تواجدي في إسبانيا فإن قراءاتي ومتابعتي تتم باللغتين؛ العربية والإسبانيّة.

أبرز حدث ثقافي عربي والأبشع ثقافياً كذلك ولا بد من التركيز عليه حتى لا ينسى؛ هو الوجع المهلك لرؤية تحطيم آثار ميزوبوتاميا في العراق وسورية على يد التعصب الداعشي، والكل منا في موقع المتفرج، وكأن الجميع بانتظار هذه الفرصة القاتلة!

أما أهم حدث في إسبانيا هو الذكرى الـ400 لوفاة رائد الرواية والأدب العالمي قاطبة ثربانتس، صاحب رواية الدون كيخوت، وما رافقه من أحداث وإصدارات ومهرجانات وملتقيات ثقافية على مدار العام. وأيضاً صدور طبعة جديدة كاملة بالإسبانية للتحفة العربية الأولى (ألف ليلة وليلة) بترجمة تعد الأهم والأفضل من بين كل ترجماتها السابقة للغة الإسبانية بترجمة للمستعرب سلبادور بينيا.

العديد من قراءاتي هي إعادة قراءة إلا القليل منها. عليه أغلب نتاجات عام 2016 هي نتاج أعوام سابقة أو قرون سابقة. من بين الجديد هو اكتشافي لواحد من بين أهم روائيي القرن العشرين وصاحب نوبل إسحاق باشفيس سنغر، الذي بدأت قراءة أعماله الروائية العديدة هذا العام وحسب. وقراءات عديدة عن الطبخ والأدب والفنون، خاصة كتاب (مطبخ زرياب) لفاروق مردم بك، وهو كتاب قيم ومهم جداً في حقله. قراءات عن الحكايات والشعر الشعبي الإسباني في عدة مجلدات، كذلك كتب مختلفة عن تاريخ الآداب السرية للمسلمين الموريسكيين في إسبانيا.

 * كاتب ومترجم عراقي يقيم في إسباني

حسين حبش:

 أعمال رياض الصالح الحسين الكاملة

أعتقد أن أبرز الأحداث الثقافية لعام 2016 هو فوز المغني بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب الذي شكل فوزه مفاجأة كبيرة للبعض، بينما توقع آخرون ذلك. طبعا منهم من استنكر ذلك أشد الاستنكار، ومنهم من وجده قراراً صائباً.

وكذلك من الأحداث البارزة بالنسبة لي شخصياً هو صدور الأعمال الشعرية الكاملة لرياض الصالح الحسين عن منشورات المتوسط في إيطاليا.

ومن الأحداث المؤلمة لعام 2016، هو رحيل المخرج الإيراني الفذ عباس كيارستمي عن عالمنا، وكما هو معلوم، كان من كبار صانعي الأفلام في العالم. وكذلك رحيل صاحب رواية اسم الوردة الإيطالي أمبرتو إيكو. ورحيل الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد. وكذلك رحيل المفكر السوري جورج طرابيشي. ورحيل المعمارية العراقية الفذة زها حديد. طبعاً رحل آخرون كثر لا يتسع المجال هنا لذكرهم جميعاً... ها أنك ترى أن أغلب أحداث السنة حزينة ومؤلمة!

أما أهم كتاب أو كتب قرأتها! في الحقيقة هناك كتب كثيرة قرأتها، لكن هناك كتبٌ شبه ثابتة في حياتي، لا أستغني عنها، وأعود إليها بين الحين والآخر، منها:

القاموس الكردي، وهو الكتاب الذي لا يمكنني الاستغناء عنه أبداً، لأنه يشكل بالنسبة لي مصدراً غنياً وهاماً لحفظ المزيد من الكلمات والغوص في معناها، والتي تساعدني، في ما بعد، في الكتابة بالكردية.

مجمل أعمال كافكا، وهي تساعدني على تحمل قسوة المنفى وبرودته، وتخفف عني عبء اللوعة والاشتياق، ولا أدري لماذا تفعل بي ذلك!

هكذا تكلم زرادشت لنيتشه، وهو مصدر إلهام لا ينضب للمخيلة، وتعلم درس الفلسفة شعرياً.

أعمال فرناندو بيسوا، وهي التي تقودك إلى الشعر الحقيقي حيثما كنت وأينما اتجهت. وفي كل قراءة لها تتغير نظرتي للحياة وللكتابة على حد سواء.

أعمال نيكانور بارا، هذا الشاعر هو معلم الجميع، يعلمك شعره أن تكون مضاداً دائماً، وعلى النقيض من كل شيء إلا من الشعر الحقيقي.

أعمال تشارلز بوكوفسكي الشعرية والروائية على حد سواء، تلك الأعمال التي لا تدعك ولو للحظة واحدة أن تكون بليداً في الجنون والحب والجنس والطيش والسكر والهذيان...

ـ أعمال ريلكه، تلك الأعمال التي لا تتعب من قراءتها مهما كانت الظروف والأحوال، وذلك لفرادتها وعمقها وشعريتها التي لا تنضب.

*شاعر كردي سوري يقيم في ألمانيا

 

عبد اللطيف الوراري:

جائزة الأركانة للشعر

ودّعنا مع السنة كثيرًا من الناس ممن أثروا في مجريات العصر وبصموا تحولاته الفكرية والأدبية بمعنى من المعاني، مثل السوري جورج طرابيشي، والإيطالي أمبرتو إيكو، والفرنسيين إيف بونفوا وميشال بوتور، والمصري فاروق شوشة، والتونسي أولاد أحمد، والمغربي الطيب الصديقي وغيرهم.

وظهر إلى السطح مبدعون جدد برعوا في الشعر والسرد، أذكر منهم مغربيّاً: ليلى السليماني صاحبة الغونكور الفرنسية، وطارق بكاري الذي لفت الناس بروايته (نوميديا).

وكانت السنة سنة جوائز الرواية، وقد أثير حولها اللغط في المغرب والمشرق؛ مثلما أثير حول جائزة نوبل التي منحت للأميركي بوب ديلان، إذ لم يسبق أن حصل عليها مُغنّي روك قبل هذا الوقت، وقد فُسّر ذلك بأنه تغيير في معايير الجائزة الأدبية. فيما ذهبت جائزة الأركانة العالمية للشعر إلى محمد بنطلحة أحد أهمّ أصوات جيل السبعينيات في الشعر المغربي، وأكثرهم تأثيراً في من جاء بعده.

لكن أحزن حدث هو غرق الروائي المغربي عزيز بنحدوش صاحب رواية "جزيرة الذكور"، التي خلقت جدلاً واسعاً قبل أشهر وحوكم بسببها.

قرأت أو أعدت قراءة كتب كثيرة في الشعر والفلسفة والسيرة الذاتية، ومن جملتها كتاب "الذات عينها كآخر" للفيلسوف الفرنسي بول ريكور، الذي وجدت فيه فهماً جديداً للذات وهويتها وعلاقتها بالذاكرة أو بالزمن، أو بالسرد والوجود؛ فكان محور كل كتابه هو التمييز بين هوية ذاتية تتغير وتبقى في الوقت عينه محافظة على ذاتها رغم مرور الزمان بطريقة الوفاء للوعد المقطوع، وبين هوية ثابتة لا تتغير.

قرأت هذا الكتاب ضمن انشغالي بالسيرة الذاتية وعلاقاتها المتوترة بأنا الشاعر في خطابها بين ما هو مرجعي واستعادي، أو ما هو تخييلي يعاد ابتكاره باستمرار.

*شاعر وناقد مغربي



عبير خليفة:

معارض الكتب

من ناحية شخصية أفضّل معارض الكتب على الأمسيات الشعريّة لأنّها جامعة وتُتيح لي فرصة التعرف على دور النشر ولقاء كتّابي المفضلين من دول عربيّة مختلفة وإنشاء صداقات جديدة، كما يمكن إيجاد كتب لا تتوافر عادةً في المكتبات، كتب قديمة تُعرض في بازارات وبأسعار رخيصة. معارض الكتب تجمع الوسط الثقافي في مكانٍ واحد بحسناته وسيئاته، إنّها أشبه باحتفاليّة جديّة بعض الشيء لأنّها ترصد نشاط النّشر والترجمة، مستوى الإقبال على القراءة ونوعيّة الكتب الجاذبة أكثر من غيرها. نلحظ مثلاً اهتمام دور النشر المتخصّصة بالإصدارات الدينيّة بالقارئ مقارنةً بالدور الأخرى، من ناحية العروضات، الطباعة الأنيقة وسعر الكتب الأقرب للرّمزيّ وهي من الأكثر نشاطاً في المعارض. كذلك التركيز على الرواية والشعر مقابل قلّة نشر كتب متخصّصة بالعلوم كالسياسة والاجتماع والنقد.

من بين ما قرأت هذا العام "المقاومة بالحيلة" لجيمس سكوت، وهو كتاب اجتماعي سياسي، يحكي عن الخداع كوسيلة مواجهة غير معلنة بين الضعيف (الفلاحين و...) والسلطة وكيف يختلف الخطاب العلنيّ والسّري، وكيف عليه أنْ يكون خطاب كلّ منهما لدرء الصّراع المباشر. الجميل في هذا الكتاب أنه يُضيء على الكلمة كأساس أوّل لأيّ صراع ولأيّ فكر، مدى أثرها إنْ كُتِمَتْ أو قيلتْ في العلن، كما يأخذ الكتاب أمثلة من التاريخ والأدب ويُسقط عليها نظريّته.

*كاتبة لبنانية

 

سامي داوود: 

التراث الحي 

أحببت كتاب "الدين في الديمقراطية" لمارسيل غوشيه، لدقته في طرح ما يصطلح على تسميته بالخروج من الدين وتمييزه عن العلمانية وعن الدّنيوَة كمستويات ثلاث يختلف فيها دور الدين في تنظيم العلاقات. أعتقد بأن هذا الكتاب والذي يتبناه كموقف فكري الراحل جورج طرابيشي "هرطقات 2" يشكل إضافة ضرورية لتمتين الأسس النظرية المؤثرة في معظم القراءات التي جاءت بعد ماكس فيبر الذي وضع أسس نزع السحر عن العالم عبر علمنة مؤسساته. إلى جانب كتاب "الحرية" لآيزايا برلين الذي أبّدَعَ في تحويل سؤال الحرية إلى سؤال شمولي يتضمن جميع الأسئلة الممكنة، منيرا بذلك إدراكنا لمفاهيمنا حول الفعل الحر والإرادة. وتحليله لولادة الفردانية عبر أبيقور وأثر العوامل الجيوسياسية التي زامنت قدوم أبيقور وزينون والشك الذي أحدثاه في قيم المجتمع الأثني المصاب برهاب الأجانب. تنفذ قراءته إلى طبيعة القيم المعاصرة للمجتمعات المختلطة والمهاجرة. ونباهة آيزايا في تحليل فكرة رباطة الجأش الأبيقورية لجعل العيش دون لفت الأنظار ممكنا في عالم لا يمكننا فيه أن نوقف الشر ولا أن نحده بالمعرفة.

 استمتعت بالمشاركة في مؤتمر التراث الحي والنزاعات الذي انعقد في الجامعة الأميركية بالسليمانية (كردستان العراق)، وكذلك تمكّنّا في المؤسسة التي أعمل فيها من إنجاز مؤتمر العلمانية والدين وبعدها بشهرين مهرجان كلاويز الذي يعد تظاهرة تثاقفية سنوية بين الكرد والعرب والفرس.

 
*كاتب وباحث كردي سوري

 

صالح لبريني:

الثقافة الجماهيرية وأدب الهامش

أعتقد أن ما ميز سنة 2016 على المستوى الثقافي، هو فوز المغني الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، وهو حدث بدون شك شكل مفاجأة إن لم نقل صدمة داخل الأوساط الثقافية، لأنه خلخل الكثير من المسلمات واليقينيات حول هذه الجائزة، من هنا، بدأت تتناسل الأسئلة حول المعايير التي باتت تؤطر الجوائز بصفة عامة، في السياق نفسه أيضا، بدأ التفكير في الثقافة الجماهيرية، أو أدب الهامش الذي ظل مغيبا لقرون، في نظري، هذا الحدث الأبرز في السنة التي سنودعها.

على مستوى العالم العربي، نشهد اليوم تحولا في المركزيات الثقافية، وظهرت قطبيات جديدة للثقافة العربية، بحكم عوامل عديدة، والظاهر على المستوى الأجناسي، هيمنة الرواية على المشهد برمته، فالجوائز التي يتم تخصيصها لهذا الجنس، جعلت بوصلة الثقافة تتغير وتتحول في اتجاه واحد، وهناك – على ما يبدو - تكريس للسرد على المستوى العربي، غير أن ثمة ارتجالية في تدبير ما هو ثقافي، والسنوات تكرر نفسها، بمعنى أن لا وجود لاستراتيجية واضحة للدخول الثقافي أسوة بالغرب، لذلك الثقافة العربية ما زالت في حاجة ماسة لمزيد من الخلخلة والعمل المؤسساتي والتنسيق على مستوى الاتحادات حتى نتمكن من بلورة مشروع ثقافي مائز وفارق.

على العموم، وكما أشرت في البداية، فإن فوز بوب ديلان بجائزة نوبل هو الحدث الأبرز في العالم، فضلا عن تألق الإبداع المغربي كتابة ونقدا في المحافل العربية والدولية. 

*شاعر وناقد مغربي

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.