}

التقرير الثاني حول العلوم الاجتماعية العربية.. الرهانات والمحددات

عبد الله حمودي 18 سبتمبر 2019
اجتماع التقرير الثاني حول العلوم الاجتماعية العربية.. الرهانات والمحددات
حمودي:أنوه بالمجهود الذي قام به حنفي بكفاءة فائقة
تفاعل مع مقال حول التقرير الثاني للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية بشأن العلوم الاجتماعية في العالم العربي بين 2000 و2016 المنشور في موقع "ضفة ثالثة" يوم 20 آب/أغسطس 2019.

قرأت ببالغ الاهتمام التعليق المُطوّل الذي تفضل وتناول به السوسيولوجي ساري حنفي التقرير الثاني حول العلوم الاجتماعية العربية.
وقد أعطى حنفي لتعليقه عنوان "تطوّر إيجابي للمنتج المعرفي الاجتماعي في العالم العربي". ومعلوم أنني أشرفت على إنجاز ذلك التقرير بطلب من المرصد العربي للعلوم الاجتماعية التابع للمجلس. وقد ألفت التقرير بناء على ورقات خلفية قام بإنجازها مجموعة من المتخصصين في ميدان علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس، وبالنظر لظروف عدة تتعلق بالمجلس والمرصد، وكذلك مسطرة اختيار الأخصائيين الموكل إليهم إنجاز الورقات الخلفية، وأخيرا وضعية المكتبات ومواقع البحث والتوثيق في المنطقة، لم يتعد حجم الفريق ستة باحثين مؤلفين أنجزوا خمس ورقات خلفية لا غير. وكان العدد المتوقع ثماني ورقات، وكنت شخصيا في الورقة المفاهيمية التي أعددت للبرنامج طلبت ما يناهز عشر ورقات خلفية لإعداد التقرير التركيبي. وكان البرنامج كما حصل الاتفاق عليه مع المجلس مركزا أساسا على محتويات الإنتاج العربي في العلوم الاجتماعية.
كذلك كان الاتفاق حول تلك المحتويات في الإنتاج هو حصرها فيما نشر ما بين 2000 و2016، وأن الإنتاج المذكور هو من طرف أخصائيين وأخصائيات من المنطقة وباللغة العربية أو إنتاجات مكتوبة بلغات أجنبية وتمت ترجمتها إلى تلك اللغة، وقد ضم الإنتاج الكتب والمقالات فقط (تم الاتفاق على عدم ضم المواد غير المنشورة أكاديميا أو تلك المتضمنة في التقارير والأطروحات).
أود في البداية أن أنوه بالمجهود الذي قام به ساري حنفي في قراءة التقرير بكفاءة فائقة وقد غذت تعليقه خبرته المهمة والتي تشهد عليها إنجازاته في البحث بما فيها كتبه ومقالاته المعروفة من طرف الأخصائيين. واني لأقدر شخصياً نتائج أبحاثه والتي تدفع بتقدم العلوم الاجتماعية في واجهات معروفة وتساهم مع جيل جديد من الاجتماعيين والاجتماعيات العرب في بناء رصيد متجدد وواعد. لهذا فإني أرى أن عددا من ملاحظاته وجيهة، ولذلك أعتبر أن تعليقه يتمتع بقوة في المعنى والمبنى ولا أملك الا أن أشكره جزيل الشكر على ذلك.



ملاحظات
مع هذا لديّ ملاحظات أعرضها هنا من باب المناقشة وتبادل الرأي البناء.

من باب التقييم أتى ساري حنفي بما يلي: "وعلى الرغم من أهمية هذا التقرير بنتائجه وإشراقاته المعرفية، فقد شعرت أن حمودي كان قادرا على دفع أكثر لتحليله للثيمات والعناقيد المفاهيمية ولكن لم يفعل. برأيي كان ممكناً عمل ذلك باستخدام المزيد من الدراسات الأطروحية (Synthesis) الحديثة المعتمدة على تحليل مضمون الإنتاج المعرفي. ويمكنني ذكر تقرير اليونسكو (World Social science Report) (UNESCO 2010) والذي يحتوي على بيانات هامة للغاية خاصة الكمية منها. كما لم تتم الإشارة إلى كتاب "دراسات الأسرة العربية: مراجعة نقدية" لسعاد جوزيف (Joseph 2018) وكيف فكك المساهمون في دراسات الحالة لكل قطر عربي بعض الأفكار الجوهرانية (والنمطية غالبا) التي تربط العائلة بالتراث والبطريركية وخاصة لدى النسوية الغربية".
أشكر ساري حنفي على الحكم على قدرتي، لكن الدراسات "الأطروحية" التي يشير إليها قليلة نسبيا في الفترة التي يشملها التقرير. وتصفح عدد منها بيّن أن الكثير منها جزاف. وقد أشرت إلى بعضها التي لها قيمة في رأيي، ومنها كتابات ساري حنفي. أما فيما يخص التقييمات التي تتضمنها الفقرة المحال عليها أعلاه من طرف الزميل حنفي، فإني أحيانا أشعر وكأني رجل وضعت رهن إشارته فرس وفي الآن نفسه طلب منه التحليق في السماوات كما لو وضعت رهن إشارته طائرة قوية.
من شيم التحري المفروض فينا جميعا، لا بد للتقييم أن يكون متناسبا مع واقع الإمكانيات المتاحة ومع الإطار المنهجي، وما طرح المجلس من متطلبات موثقة كان على حنفي أن يعود إليها. لكن في تعليقه وبالإجمال أجد أنه يأتي بأحكام مطلقة. وربما أنه يتصور أن هناك نتائج لبحث من أجل تقرير يمكن تصورها بغض النظر عن سياقها المؤسساتي والعام. مثلا كان من الضروري تجميع بيبليوغرافيا ضخمة جدا وفي ظرف وجيز، حيث لم تكن هذه المادة متوفرة مجتمعة في أية مؤسسة. فساري حنفي يتصرف انطلاقا من انتظاراته ورهاناته الشخصية بغض النظر عن الرهانات التي تحكمت في إنجاز التقرير.
أما الثيمات فإني أتمنى لو كان هو شخصيا غاص في البيبليوغرافيا واستخراج ثيمات تفوق تلك التي جاءت في التقرير. والثيمات ربما، كما يعرف ساري حنفي، تتطلب قراءات دقيقة جدا للكتب ووقتا طويلا. وأظن أن الثيمات التي يتضمنها التقرير لتكوين نظرة معقولة عن الإنتاج العربي أكثر من كافية. ويظهر أن في كلام ساري حنفي بعض التناقض: مثلا في مسألة الثيمات يحيل على تقرير اليونسكو على أنه يتضمن معطيات كمية هامة في حين أن الثيمات هي معطيات كيفية وليست كمية، فما بالك أن يأتي أحد بتقرير فيه معطيات كمية للاستدلال على فكرة تخص معطيات كيفية (الثيمات). أما فيما يخص المفاهيم فإنه معروف أن استخراج المفاهيم تتطلب هي أيضا عملا مرهقا وكذلك وقتا طويلا، فلربما لا يتصور حنفي ذلك الجهد بالدقة الكافية، وإلا لما كان طالب بعمل إضافي في تحليل المفاهيم، فالمرجو تفادي الانتظارات الجارفة في هذا المجال.
والآن إلى ملاحظة جزئية حول عالمة من أصل عربي تشتغل بالولايات المتحدة وهي الدكتورة سعاد جوزيف. فلو رجع حنفي إلى الورقة المفاهيمية وإلى ملاحظاتي المنهجية الملحقة بالتقرير، لشعر بأن منهج العينة المعتمد في تكوين مجموعة الكتب والمقالات التي درسناها قد يسفر عن ظهور بعض الكتابات في العينة دون أخرى. والمهم هنا هو أن العينة سمحت بتكوين نظرة دقيقة ومعقولة في الآن نفسه عن الإنتاج العربي. وهذا المنهج لا يسمح أحيانا بإدراج كتابات تحظى بإعجابنا. وأخيرا لم نعثر في أبحاثنا على دراسات للأستاذة جوزيف مكتوبة باللغة العربية أو مترجمة إلى العربية في الفترة المذكورة (كما اتفق عليه مع المجلس). وعلى كل حال فالكتاب المحال عليه من طرف ساري حنفي منشور بالإنكليزية سنة 2018، أي بعد سنتين من الفترة التي يغطيها التقرير وهي 2000-2016، كما أن حنفي لم يحل في بيبليوغرافيا تعليقه على ترجمة عربية.
ومراعاة لضيق المقام فإني أتحاشى هنا ذكر أمثلة أخرى لملاحظات ساري حنفي التي تحتاج إلى تدقيق، وذلك في أقل تقدير. وأكتفي بملاحظات سريعة قبل ختم هذا الرد.


المنهج
على ذكر المنهج، يؤكد حنفي أنه يفضل مفهوم الالتزام بدل مفهوم الانتماء الذي اعتمدته في كتاباتي (راجع المسافة والتحليل، 2019)، وإني احترم اختياره لكنني أتشبت بمفردة انتماء التي لها مؤشرات موضوعية كمكان الازدياد والتنشئة وتعلم اللغة العربية وما إلى ذلك، وبالطبع فإني ركزت على مفهوم الانتماء وكذلك ركزت على وضع المشاريع البحثية في أفق انشغالات مجتمعات المنطقة العربية. وكنت أيضا تعرضت لما يعتري مفهوم الانتماء من مشكلات.
على كل حال، فإن تعليق حنفي كان خارج السياق بالنسبة لتعليق أريد له أن يكون حول التقرير وليس حول أعمالي الشخصية. والخاص والعام يعرف طابع أسلوب التقرير كما هو متداول والذي ليس بمثابة كتاب نظري أو أطروحات لا بد من استقصاء جوانبها. وقد لاحظ حنفي أيضا أنني لا أستعمل كتاباتي الجديدة. أعتبر أن في هذه الملاحظة شيئاً من الغرابة، فبعض منجزاتي المشار إليها نشرت بعد 2016 (آخر سنة في الفترة المحددة للتقرير حسب العقد مع المجلس). وعلى كل حال فإن التقرير ليس موضوعه إنجازات حمودي ولكن ما أنتج في المنطقة العربية بصفة عامة ما بين 2000 و2016. والملحوظ أن حنفي أحال في تعليقه بشيء من التكرار على أعماله الخاصة. وفي نظري علينا أن نتفادى قراءة التقرير بمنهج يرجع مفاهيمه ومنجزاته بصفة تعسفية شيئاً ما إلى منجزات المعلق، أي ساري حنفي في هذه الواقعة. وألاحظ أنني أحلت على بعض منشوراته واعتبرت أن لها مكانا معقولا في التقرير.
وفي تصريح آخر ضمن التعليق، يقول حنفي ما مجمله أن الانعكاسية (Reflexivity et non reflectivity كما جاء في تعليقه) التي ميزت أعمالي لا أثر لها في التقرير الذي أشرفت على تأليفه. والحال أنه كان بإمكاني التعليق على وجود انعكاسية من عدمها في الكتابات العربية. لكني تحفظت على إمكانية الإسقاط التي كان يمكن أن تشوب تعليقاتي على الزملاء والزميلات في الموضوع، وأحلت في الأنثروبولوجيا على كتابات تمتاز بقدر من الانعكاسية، خاصة في مجال دراسات المرأة والجندر والتأمل في موقع النساء العربيات الباحثات، وربما لم ينتبه حنفي لهذا مع الاعتراف أنني لم أتوسع في الموضوع. لكن على كل حال فإنه لا يشير إلى ذلك في تعليقه مكتفيا بالتعميم. وأخيرا وفي هذه النقطة مرة أخرى، يخلط المعلق بين مجهوداتي الفردية وبين مجهود رسم صورة عامة عن الإنتاج العربي الذي هو موضوع التقرير.
كذلك يكتب حنفي ما يلي: "بينما وجد حمودي وهشام أيت منصور (منصور 2017) أن هناك بعض العناقيد المفاهيمية مثل "نقد" و"تأويل" و"معرفة" و"صحوة فكرية" والتي تتحرك في فضاء يعجّ بمفاهيم مضادة مثل "ثوابت" و"يقين" و"وحي" و"تأصيل" و"صحوة إسلامية" فأنا أرى أن هناك سيولة ومرونة بين هاتين المجموعتين من المفاهيم ويجب أن لا ينظر إليهما على أنهما مضادتان. وهذا ما ظهر جليا في دراستي حول الجدل الدائر حول المساواة الجندرية للميراث في تونس. فكلا الفريقين من مدافعين عن هذه المساواة والمنتقدين لها قد استخدموا مفاهيم تأويلية ونقدية للواقع وللتراث بأشكال مختلفة" (Hanafi and Tomeh forthcoming)   
وأجد نفسي مضطراً إلى الاستغراب حول ملاحظات من هذا النوع:
أولا، هناك تناقضات في هذا التعليق. فإنه من باب الخلط القول بأن ليس هناك تناقضات بين الفريقين. ثانيا، لا أظن أن مقارناتي تكتسي طابعا تنميطيا لأنني كنت دائما حريصا على إبراز التلوينات الموجودة والتي يمكن أن توحي بالقرب بين ما يسمى علم اجتماع بنظرة إسلامية وعلم اجتماع عربي. هذا الأخير ليس فيه برنامج لمعاداة الإسلام. هناك شيء معروف هو أن الفريقين يناديان بنزع الاستعمار عن المعرفة، أذكر نفسي من بينهم، لكن من خلفيات مغايرة لخلفيات ما سمي بعلم الاجتماع من منظور إسلامي، وطبعا قد يبقى النقاش مفتوحا حول أي خلفية. لكن "السيولة" التي يذكرها حنفي قد تظهر أحيانا بمثابة الخلط أو بمثابة أفكار لا أجد فيها شخصيا القدر الكافي من التحري. وألاحظ أن في الكثير من المحاولات، التي وقفت عليها، من طرف ما سمي بعلم الاجتماع الإسلامي، نداء من أجل إقصاء العلوم الاجتماعية الغربية. وأما من جهتي فإنني أنادي بالتبادل والنقاش النقدي مع الجميع، الغربيين وغير الغربيين. وأخيرا فإن حنفي في هذه النقطة يحيل على نفسه أيضا في كتابات لم تنشر بعد ونحن في سنة 2019. مع أن ما تم التعاقد حوله مع المجلس هي الكتابات المنشورة بين 2000 و2016. وهنا أذكر أن استغرابي يتعاظم كلما وقفت على كلام يتناسى هذا المعطى بتكرار، مع العلم أن حنفي عضو نشيط في المجلس ومتتبع عن قرب لأشغاله وتقاريره.

يزيد حنفي ما يلي: "وفي الحقيقة تم تطور نوعي لدى باحثين قريبين من التيار الإسلامي

بالتعامل مع أدوات العلوم الاجتماعية بينما قام الباحثون في العلوم الاجتماعية بتناول جدي للظاهرة الدينية، وقد ظهر ذلك إحصائيا في اختصاص الأنثروبولوجيا (17% من الكتب هي في مجال الأنثروبولوجيا الدينية). ورغم اتفاقي مع حمودي في تبعات الإشكالية للبراديغمات التي سأعطيها وسم سياسات الهوية من منظورات إسلامية أو ما بعد كولونيالية والذي يسميه حمودي بعلم اجتماع "ملائم" (علم اجتماع عربي، علم اجتماع إسلامي، إلخ) فأنا أرى أن هناك بداية توازن معقول على الأقل في تونس بين براديغمات ما سميته الكوني- المحلي مع براديغمات سياسات الهوية. يمكن أن يكون الوضع معقولاً في المغرب أيضاً ولكن الاختلاف كبير مع دول عربية أخرى، حيث الهوس في البحث عن الذات وماهيتها وعلاقتها بالهويات الاجتماعية وخاصة الوطنية والدينية. لقد بينت الورقة الخلفية للتقرير من تأليف ريم صعب وآرين ه. أيانيان (2017) أن موضوع الذات هو ثاني موضوع من حيث الأهمية بعد "التكيف الاجتماعي" في العالم العربي. فكلا المنظورات ما بعد الاستعمار وأسلمة العلوم الاجتماعية قد هدفت إلى تخليص العلوم الاجتماعية من الأحكام المعيارية الغربيّة التي بنيت على الأخلاقيات الغربيّة الماديّة والاستعماريّة، ولكنها أطرت مفاهيمها في ثنائيّات حادة (التراث/ الحداثة، الشرق/ الغرب، عقلي/ نقلي، طبيعي داخلي/ ميتافيزيقي، العالمي/ المحلّي... إلخ) مما أوقعها في أشراك أبعدتها عن فهم ارتباطات ديناميات الخارج في الداخل والحاضر في الماضي. ولذا دعوت لاستكمال مقاربة ما بعد الاستعمار في المقاربة المناهضة للاستبداد المحلي. أي أننا لا نفهم ما يحصل بدون دراسة الخارج والداخل، الهيمنة والبنى السائدة".   
أظن أن هذه الفقرة تحتاج إلى توضيحات. فكما أقرأها هنا يعوزها في نظري التحليل والوضوح المرجوان في علماء الاجتماع غير المبتدئين. فنزع الاستعمار هو برنامج قديم وجدي باسم إبستيمولوجيات مختلفة تحاول الفرز بين ما هو خطاب علمي وما هو خطاب ديني أو أيديولوجي، وهذا مع العلم أن رسم الحدود في هذا المجال يبقى موضوع نقاش دائم ومتجدد. أما فيما يخص الأنثروبولوجيا، فإن بعض المحاولات التي يشير إليها حنفي في موضوع الأنثروبولوجيا بمنظور إسلامي لم تستوعب بكيفية واضحة الرصيد الغربي أولا وغالبا ما تقحم في الميدان أفكارا غير ممحصة فيما يخص مرجعياتها المعيارية وغيرها. وأما نقد الخطابات الغربية لإسقاط معياريتها على الواقع العربي الإسلامي فهو أمر معروف ومتفق حوله، وقد يقوم به علماء الاجتماع والفلاسفة الغربيون أنفسهم. أما الانعكاسية النقدية كما نجدها في كثير من الكتابات الغربية وبعض الكتابات العربية ككتابات عزمي بشارة وكتاباتي مثلا (على سبيل المثال لا الحصر) ضعيفة جدا أو لا وجود لها فيما يسمى ببرامج البحث من منظور إسلامي. أيضا فأغلبية تلك البحوث تفتقر إلى سند إمبريقي، وأنا في انتظار ما ستسفر عنه أعمال ساري حنفي في هذا الموضوع.
أما الثنائيات التي ذكرها حنفي من قبيل حداثة/ تراث، شرق/ غرب... إلخ، فلا وجود لها في التقرير، وعلى كل حال فإن نقد الثنائيات أصبح اليوم بضاعة امتلأت بها الكتابات وغالبا ما تقدم حلولا مستقاة من فلاسفة كفوكو ودريدا وغيرهما، إلا أنها في معظمها تبقى حبيسة تفكيك النصوص أكثر من توجيه البحث إلى إشكاليات واقعية. فهي في رأيي تفتقد إلى دراسة الملموس في حياة شعوب المنطقة ومساراتها.


انتقائية شديدة
أخيراً ألاحظ أن ساري حنفي يتعامل أحيانا بانتقائية شديدة أو بما يظهر وكأنه انعدام في التبصر. ومثال على هذا سيجده القارئ فيما ذكر حنفي أن 17 بالمائة من الإنتاج الأنثربولوجي يقع في خانة الأنثروبولوجية الدينية، مع أن هذا المعطى في الحقيقة لا علاقة له بالطرح الذي تتضمنه الفقرة المشار اليها أعلاه، أي التقارب المفترض بين "الأنثروبولوجيا القريبة من التيار الإسلامي" والأنثروبولوجيا الدينية. فهذه الأخيرة، في منتوجاتها الصلبة، لا تقترب من المعايير الإسلامية كما لا تعاديها، لكنها تحاول أن تضع مسافة إجرائية ما بين المسائل العلمية والمسائل الإيمانية.
ختاما أكرر أنني أقدر مجهود زميلي ساري حنفي وأجد في تعليقاته أفكارا وملاحظات نيرة تدفع بالمناقشة بيننا وبين الباحثين والباحثات في المنطقة بشكل عام. كل ما هناك هو أنني أستعمل حقي في الرد مع احترامي المبدئي للأشخاص والمواقف على حد سواء.

 (تمارة، المغرب، 4 سبتمبر 2019)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.