}

"ساحة الشهداء" بالجزائر ... الذاكرة والإحالة للهوية المنفتحة

حميد عبد القادر 4 أبريل 2018
أمكنة "ساحة الشهداء" بالجزائر ... الذاكرة والإحالة للهوية المنفتحة
ساحة الشهداء/ الجزائر

 

ظلت "ساحة الشهداء" بالجزائر، وهي ما يقابل "ميدان التحرير" في القاهرة، تحتل مكانة خاصة في مخيال وواقع أهل الجزائر العاصمة، وحتى الوافدين إليها للإقامة، أو للزيارة، والسياحة. هي ساحة التسميات العديدة عبر التاريخ، فهي "بلاصة العود" في المخيال الشعبي، و"بلاصة" (فرنسية مُعربة) تعني مكانا بالفرنسية، و"العود"، هو الحصان، وهي كلمة "بربرية"، ولكن أصولها قد تكون فينيقية، نظرا للاختلاط والتزاوج الذي حصل بين البربر والفينيقيين على مدى عشرة قرون كاملة بين 1100، و700 ق.م، وقد نتج عن هذا الاختلاط مدنية وحضارة تسمى بـ "البونيقية"، امتدت من "قرطاج"، بتونس إلى غاية شرق الجزائر. وتوحي هذه التسمية إلى طغيان الازدواجية اللغوية وميل الجزائريين عبر مختلف العصور، إلى لغات الآخر الوافد عليهم، بعد أن انفتحوا على حضارات متعددة، وتأثروا بها على مر العصور.


ساحة الأجناس المتعددة وخليط الثقافات

تقع "ساحة الشهداء"، بين ثلاثة عوالم. أمامها البحر، وخليج واسع يمتد إلى غاية "تمنفوست"، في المكان الذي تحطمت فيه بواخر "شارلكان" أثناء غزوه للمحروسة سنة 1541، بعد عاصفة هوجاء، فقد على إثرها جُل أسطوله البحري غرقا. وفي مقابل هذا المكان، يقوم حاليا تشييد "المسجد الأعظم"، كرمزية تحيل إلى مواجهة الغزو الصليبي. أما من جهة الغرب، فتطل على حي باب الواد الشعبي، الذي كان يسكنه في السابق عائلات يهودية تفرنستْ بحكم مرسوم "كريميو" سنة 1870، الذي منح الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، الذين اتخذوا من شارع "لالير" المقابل لساحة الشهداء، مكانا لممارسة نشاطهم التجاري، كما اتخذوا من المقاهي الشعبية المحيطة كأمكنة لنشر الموسيقى الأندلسية، كما حملوها معهم من غرناطة، عقب سقوطها سنة 1492. وقد استقر هؤلاء "الموريسكيون"، واليهود في عدد من المدن على طول الساحل الجزائري، وصولا إلى ساحة الشهداء التي كانت بمثابة مكانهم المفضل والأثير، بعد أن جعل منهم العثمانيون (1515 – 1830) كفئة مفضلة لتسهيل مساهمتهم في الحياة التجارية.

كما كان يسكن هذا الحي (باب الواد) الذي يعود تاريخه لنهاية القرن التاسع عشر، يقول محمد فركان، المهتم بتاريخ المدينة: "عائلات أوروبية خليط بين إسبانية، ومالطية، وإيطالية، وفرنسية ضمن نسيج عمراني متوسطي قام على بعض التعايش. وهؤلاء هم من الأوروبيين المتأخرين، الذين لم يستفيدوا من ملكية الأراضي الزراعية، مثلما حصل مع المعمرين الأوائل الذين رافقوا الغزو العسكري بقياة الجنرال "دي بورمون"، بل جاؤوا إلى البلاد على شكل موظفين في الإدارات، مع "نابليون" الثالث بداية من سنة 1865، ضمن ما كان يسمى بالمملكة العربية، وهو حلم الإمبراطور الفرنسي الذي أراد أن يبني مستعمرة ذات وجه "إنساني"، بتأثير من "السان سيمونيين" الفرنسيين، فاستقروا في حي باب الواد، هذا الحي الذي مجده المخرج السينمائي "مرزاق علواش" في فيلمه الشهير "عمر قتلاتو". وما يزال الناس في باب الواد يحتفظون بتلك الميزة التي مجدها علواش، وهي "الرجلة"، وتعني المبالغة في إظهار "الرجولة"، يحملونها معهم وهم يعبرون "ساحة الشهداء"، نحو الجهة الشرقية من المدينة".

وعند الجهة الأخرى، جهة الشرق، نجد حي "باب عزون"، أحد أبواب المدينة القديمة. بناه الفرنسيون بضعة أشهر عقب الغزو سنة 1830. يمتد إلى غاية المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، الذي يُطل بدوره على ساحة "بور سعيد"، التي كانت تسمى "سكوار بروسون". ومن الخلف، يقف حي "القصبة" العتيق، الذي ازدهر في العهد التركي، وتحول إلى مدينة وافرة الخيرات، يعيش أهلها على غنائم البحر، خلال ما يسمى بعهد الرياس، الذي بدأ سنة 1515 مع قدوم الأخوين عروج وخير الدين بربرس، لإنقاذ أهل المدينة من الخطر الإسباني المحدق. وبخصوص هذه المسألة يوضح محمد فرنان: "مرة أخرى يقول التاريخ الرسمي الجزائري، عكس ما تقوله كتب التاريخ، حيث مجدت ذكرى عروج بربروس، وذكرته في التاريخ المدرسي، على حساب حاكم مدينة الجزائر سالم التومي. وتقول كتب التاريخ غير الرسمي، أن عروج قتل سالم التومي، بينما كان يتوضأ، واستولى على الملك، وعين نفسه حاكما على مدينة الجزائر، وألحقها بالباب العالي العثماني سنة 1518، للتخلص نهائيا من الغزو الإسباني. وراح عروج، يبعث برسائل عشق لأرملة ملك الجزائر، واسمها "زفيرة"، بعد أن أغرم بها، عساه يظفر بحبها، ويكسب ولاء قبائل "المتيجة" لملكه الجديد، بعد أن أظهرت رفضا قاطعا لسلطانه، فأقدم على إعدام مئة من أعيان المنطقة في يوم واحد، حتى ينشر الرعب بين الناس، ويجبرهم على الخضوع".


لا وجود للعربي..ألبير كامو قال الحقيقة

كل الأحياء المحيطة بـ "ساحة الحكومة"، وهي على هذه التسمية، ولم تصبح "ساحة الشهداء" بعدُ، كانت ترمي بأجناس مختلفة إلى هذا المكان، يأتي الإسبان، والمالطيون، والإيطاليون من حي باب الواد، وينزل السكان الأصليون على اختلاف أجناسهم من عرب وبربر، من "القصبة"، وكذلك اليهود، ويتوافد الفرنسيون من الأحياء الممتدة على طول الواجهة البحرية. بيد أن الأهالي لا يغامرون أبدا صوب "ساحة الشهداء"، تجنبا لسماع إهانات الأوروبيين لهم، فيكتفون بالبقاء عند الهامش، عند "اليهود" في شارع "لالير"، أو بالقرب من شارع "راندون" يعملون كحمالين. فحالة غياب "العربي" في المكان المخصص للأوروبي، التي وصفها الروائي "ألبير كامو"، في روايته الشهيرة "الغريب"، أو حتى في رواية "الطاعون" تُعد واقعا قائماً في ظل الوضعية الكولونيالية، ولم تكن أبدا من نسج خيال الكاتب.

هذا التواصل يقول عنه المعماري عز الدين بقة: "كل تلك الأجناس التي تشكل النسيج الاجتماعي الأوروبي، كانت تلتقي في هذا المكان، دون تواصل حقيقي مع الأهالي، فالمعمرون لم يكونوا ينظرون بعين الثقة للأهالي، وظل هؤلاء (الأهالي) في عداء دائم لهم، فالزمن الكولونيالي تجسد فعلا في "ساحة الشهداء"، عبر نظرات الكراهية، والاستعلاء المنبعثة من أعين الأوروبيين، على مرأى تمثال "الدوق دورليان"، الذي شيدته حكومة الغزو الفرنسية سنة 1842، وظل في مكانه إلى غاية استقلال البلد سنة 1962، حيث نُقل إلى فرنسا سنة 1963، ليتم وضعه في "قصر فانسين" بباريس".

 

معركة الجزائر..بدأت من هنا 

شهدت، "ساحة الشهداء" أثناء حرب التحرير الوطنية التي انطلقت سنة 1954، معارك طاحنة بين الفدائيين الجزائريين، بقيادة العربي بن مهيدي، وياسف سعدي (الذي اتصل لاحقا بالمخرج الإيطالي "جيلو بونتيكورفو" لإخراج فيلم "معركة الجزائر سنة 1965)، ومظليي الجنرال "ماسو"، ضمن ما أصبح يسمى بمعركة الجزائر. وتحولت الساحة إلى مكان لانطلاق الحملة العسكرية الشرسة ضد الثوريين الجزائريين، بالموازاة مع عرض القضية الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة التي كانت ستعقد في سبتمبر/ أيلول 1957. وقد اتخذ "ماسو" من سطح "غرفة التجارة" قبالة الساحة، مكانا لمراقبة قائد الثورة بالجزائر العاصمة، الشهيد العربي بن مهيدي، وهو يعطي تعليماته لقائد الجناح العسكري "ياسف سعدي"، لتنفيذ عمليات فدائية بأحياء الأوروبيين، عبر الرمي بالرصاص، أو وضع قنابل في البارات والمقاهي التي يرتادها المُعمرون. وليس بعيدا من هنا، وفي سرية تامة، التقت الباحثة الإثنوغرافية "جيرمين تيليون"، في فبراير/ شباط 1955 بياسف سعدي (وكان مرفقا بالفدائية زهرة ظرف)، وكان الغرض من اللقاء سعيها لإقناع القائد الجزائري بعدم استهداف المدنيين الأوروبيين، أثناء تنفيذ التفجيرات. وبالفعل، وافق سعدي على الطلب، لكن بشرط أن تضع حكومة "غير مولي"، حدا لسلسلة الإعدامات بالمقصلة التي كانت تطاول الفدائيين الجزائريين بسجن برباروس، بإيعاز من وزير العدل وحافظ الختام "فرانسوا متيران".

ومن "ساحة الشهداء"، انطلق زهاء ثمانية آلاف عسكري مظلي، مدجج بالأسلحة، لكسر الإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني يوم 28 يناير/ كانون الثاني 1957، وشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف أهل القصبة، ونقلهم لمراكز التعذيب في أعالي المدينة، انطلاقا من هنا. اختفى آلاف من هؤلاء، ليظهروا بعدها جُثثا ملقاة على الشواطئ القريبة، فأطلقت عليهم الصحف الفرنسية  تسمية "جُمبري بيجار"، في إشارة إلى عمليات التعذيب التي كانت تُمارس بشكل مؤسساتي على الفدائيين الجزائريين. وبعد سنوات طويلة من هذه الحادثة، جرى جدل فرنسي - فرنسي بخصوص شخصية "الجنرال مارسيل بيجار"، عقب صدور قرار نقل جثمانه إلى "البونتيون" (مقبرة الخالدين) فالرافضون للقرار، وصفوه بالسفاح، بينما اعتبره أنصار قانون تمجيد الاستعمار، ومناضلو اليمين المتطرف وحتى المعتدل بـ "الزعيم الوطني". ومن ساحة الشهداء، كان من بقي من المحكوم عليم بالإعدام من قبل العدالة الفرنسية، ينظرون إليه كمجرم حرب، وذاك جانب آخر من الصراع الجزائري الفرنسي حول طبيعة الكولونيالية، وحول الدعوة لإقدام فرنسا على طلب الاعتذار جراء الجرائم التي ارتكبتها، ضمن ما أسماه "جان بول سارتر "عار فرنسا في الجزائر".


الاستقلال... زمن استعادة الهوية المنهوبة

حمل استقلال البلد سنة 1962، تحولات جذرية، منها تغيير أسماء الشوارع، والساحات العمومية، والأمكنة. كان يجب استعادة هوية البلد، وتخليد ذكرى شهداء حرب التحرير، فأطلق اسم "ساحة الشهداء"، على "ساحة الحكومة"، بقرار من حكومة الرئيس أحمد بن بلة، في محاولة لاسترجاع الذاكرة الوطنية المنهوبة من قبل الاستعمار الفرنسي على مدى قرن واثنين وثلاثين عاما. بيد أن ما ظل محفورا في الذاكرة، لم يختف، حيث تمسك أهل البلد، باسم "بلاصة العود"، وظلت التسمية تختفي رويدا رويدا، مع اختفاء جيل بكامله.

راحت معالم الاستعمار الفرنسي، يوضح عز الدين بقة، تزول شيئا فشيئا، وأضاف: "أول ظاهرة اختفت في هذا المكان، كانت الأطفال ماسحو الأحذية، الذين كانوا ينتشرون على امتداد كل الشوارع المحيطة بالساحة. ففي سنة 1963، قرر الرئيس أحمد بن بلة، وضع حد لمهنة مسح الأحذية التي انتشرت في العهد الاستعماري، بين أطفال العاصمة، الذين أطلق عليهم الأوروبيون تسمية "ياولد". فتح الرئيس بن بلة أبواب المدارس أمام هؤلاء الأطفال، فوضع حدا لمهنة اعتبرها الجزائريون بالمخزية، وكانت بمثابة رمزا للإهانة والقهر الاستعماري".

أرادت الجزائر المستقلة، أن تزيل كل مظاهر البؤس التي خلفها النظام الاستعماري، فجاء الخيار الاشتراكي كخيار ثوري مُكمل لثورة التحرير، فرضته تلك الرغبة الجارفة في الانعتاق من القهر، فأصبح كل الناس سواسية، في ظل نظام متسلط سياسيا، لكنه عادل اجتماعيا واقتصاديا، رغم مظاهر البؤس التي لم تختف، حيث استفحلت البطالة بشكل مخيف خلال تلك السنوات الأولى من الاستقلال، وبلغت نسبة أربعة ملايين، من بين أحد عشر مليون نسمة سنة 1962. جعل هؤلاء البطالون من ساحة الشهداء مكانا للتسكع، والرواح ذهابا وإيابا، فبدأ يحدث اختلاط بين السكان القدامى، والوافدين الجدد القادمين من الأرياف، أو من الأحياء القصديرية التي كانت تحيط بالمدينة خلال المرحلة الكولونيالية، فحدثت تحولات اجتماعية، تماما كما وردت في كتاب ابن خلدون، حيث استطاع أهل الريف أن يؤثروا رويدا رويدا على الحضر، وعلى معالم الحياة المدنية، التي راحت تختفي، وتسقط على مر السنين، تاركة مكانها لمظاهر اجتماعية غير متجانسة.

أعطى النظام السياسي، منذ الاستقلال، ولو على مستوى الخطاب، والتصورات الأيديولوجية، النابعة من تأثيرات "فانونية" (نسبة إلى "فرانز فانون"، صاحب فكرة الريف الثوري، والمدينة الموالية للاستعمار) الفرص للفئات المقهورة، على حساب الفئات البرجوازية التي كان ينظر إليها نظرة مختلفة، فهي دائما في نظره تلك الفئة الاجتماعية المقربة من الأوروبيين، والتي كانت تسعى للاندماج في المنظومة الاستعمارية، والتي لا تملك مُيولا ثورية. وإضافة لهذا الخيار الشعبوي، سهل النظام السياسي زحف أهل الريف للمدن، ومكنهم من الاستقرار بها، فراحت مظاهر التمدن تختفي شيئا فشيئا، وأخذت ساحة الشهداء تفقد رونقها، وتكتسي ملامح باهتة.

الإسلاميون والاستغلال السياسي للمكان

تحولت "ساحة الشهداء" خلال التسعينات، عقب التعددية الحزبية التي تمخض عنها ميلاد عشرات الأحزاب السياسية، إلى مكان للتعبير السياسي. هبت رياح الديمقراطية بعد أحداث أكتوبر 1988، وانتشرت حرية التعبير، وظهرت الصحافة المستقلة، فتحولت الساحات العمومية إلى فضاءات للتجمع والتعبير السياسي. ومن أشهر الساحات التي شهدت تجمعات سياسية ضخمة، كانت "ساحة الشهداء"، من بين أهمها. وكانت كل المسيرات الضخمة التي كان يدعو إليها زعماء الأحزاب السياسية آنذاك، تنطلق من "ساحة أول ماي"، وتعبر الشوارع الكبرى للجزائر العاصمة، على طول الواجهة البحرية، وتتوقف عند "ساحة الشهداء"، التي كانت تشهد قدوم جحافل كبيرة من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المُحلة)، الداعين إلى "دولة إسلامية". كان هذا التيار السياسي المتطرف يسعى لبناء "دولة دينية"، على أنقاض الدولة الوطنية، التي راح يحميها المثقفون التنويريون بكل توجهاتهم، وكثير من الأحزاب الديمقراطية التي كانت ترد بمسيرات مماثلة تتوقف بدورها عند ساحة الشهداء، كرد واضح على أنصار التيار الإسلامي المتشدد. كما كان الرد يأتي من أكثر الأحزاب الديمقراطية المعارضة، وهي جبهة القوى الاشتراكية التي أسسها الزعيم الوطني حسين آيت أحمد سنة 1963، لمعارضة نظام أحمد بن بلة المتسلط والأحادي.

وقد شهدت مرحلة التسعينات كذلك ظاهرة انسحاب النخبة الاجتماعية الثرية من "ساحة الشهداء"، مما أدى إلى تزايد وتيرة تدهور حالها، وخرابها المستمر. فالعائلات البرجوازية التي كانت تقطن الأحياء المجاورة لها، انتقلت للعيش في أحياء جديدة بالضواحي، في فيلات بُنيت حديثا. تركت هذه العائلات فراغا رهيبا على مستوى التركيبة البشرية لساحة الشهداء التي أصبح يتردد عليها جحافل من الباعة الفوضويين القادمين من الأرياف البعيدة وهم في حالة بطالة، فاستغلوا شوارعها لبيع السلع الصينية التي راحت تدخل البلد بشكل مكثف، في وقت بدأت تشهد فيه البلاد مرحلة الانتقال من نظام اشتراكي، إلى نظام هجين، لا هو بالليبرالي، ولا بالاشتراكي كما كان عليه الحال في السابق، بالرغم من أن الدولة بقيت تدعم السياسات الاجتماعية، على شكل دعم أسعار المواد الأولية، بيد أن الجيل الجديد تكونت لديه عقلية "ميركنتيلية" فوضوية، تغذيها الرغبة الجامحة في الثراء السريع، فكانت ساحة الشهداء مكانا أثيرا لإبراز هذه الروح التجارية الفوضوية.


كنوز أثرية...دليل على الهوية المنفتحة

ظلت "ساحة الشهداء"، على هذا الحال البائس والفوضوي، إلى غاية سنة 2012 التي شهدت انطلاق أشغال الخط الجديد من "ميترو" الجزائر العاصمة، والخط الرابط بين البريد المركزي، وساحة الشهداء. تم إحاطة المكان بالصفائح الحديدية، وظلت الأشغال قائمة إلى غاية يناير/ كانون الثاني الفائت، حيث تم فتح الخط. وأثناء بداية الأشغال تم العثور على قطع ومواقع أثرية تحت الأرض أثناء عمليات الحفر، تعود إلى ألفي عام. وذكر علماء آثار، أن تلك الاكتشافات تعكس التاريخ العمراني لمدينة "ايكوسيم" القديمة التي أصبحت "ايكوزيوم" في عهد الإمبراطور الروماني "فيسباسيان"عام 75 ق. م. أمام هذه الاكتشافات الأثرية قررت سلطات مدينة الجزائر إنشاء متحف عند محطة "ميترو" ساحة الشهداء، سيفتتح قريبا، كما هو الحال في مدينتي "روما" و "أثينا". والمثير للانتباه في هذه الاكتشافات، الأثرية، أنها جرت في خضم صراعات الهوية التي تعرفها الجزائر حاليا، عقب ترسيم اللغة الأمازيغية، واعتبار يوم 12  يناير/ كانون الثاني عيدا وطنيا، في خطوة من قبل السلطة السياسية لتحقيق مصالحة مع البعد الأمازيغي، بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، فجاءت لتقول للجزائريين إن مسارهم الحضاري تكون على وقع التعدد والاختلاف، ولم يكن خاضعا أبدا للهوية المُنغلقة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.