}

فيديو: زها حديد.. كوكب يدور في فلكه الخاص

سناء عبد العزيز 19 أغسطس 2017
عمارة فيديو: زها حديد.. كوكب يدور في فلكه الخاص
زها حديد
 

لم تكن زها حديد مجرد امرأة عادية في حقل يهيمن عليه الذكور كحقل الهندسة المعمارية، ولا حتى مجرد مهندسة معمارية متميزة كغيرها في مجالها الذي يهدف في المقام الأول إلى تحقيق عنصر الاستفادة القصوى من الحيز المكاني لأغراض بعينها، بل كانت بالأحرى، على حد تعبير معلمها ريم كولهاس "كوكب فذ يدور في فلكه الخاص" وذلك بما أحدثته من ثورة في هذا المجال الصعب، وبما تركته من إرث مدهش امتد في جميع أنحاء العالم من لندن إلى الصين إلى أذربيجان وأميركا وسويسرا.

حديد، التي اشتهرت بخطوطها المنحنية المنسابة كالأمواج في تصاميمها ما جعل وسائل الإعلام البريطانية تطلق عليها لقب "ملكة المنحنيات"، حرصت شركة غوغل هذا العام أن تحتفل بها من خلال شعارات ورسوم مبتكرة بعد مرور ثلاثة عشر عاما من حصولها على جائزة "برتيزكر" في الهندسة المعمارية، ومرور ما يزيد عن العام على رحيلها.

وتعد جائزة بريتزكر التي حصلت عليها حديد في 2004 من أرفع الجوائز في العالم، وهي أول امرأة تحصل عليها بالإضافة إلى حصولها على الميدالية الذهبية "ريبا" في عام 2015، وهي كذلك أعلى جائزة معمارية في بريطانيا، وفوزها بجائزة "ستيرلينغ" مرتين.

​ولدت حديد في بغداد في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 1950، وتلقت تعليمها في مدارسها، وفي المدارس الداخلية في إنكلترا وسويسرا، كما درست الرياضيات في بيروت لفترة من الوقت قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة في عام 1972، لتدرس الفن التجريدي والهندسة المعمارية في الجمعية المعمارية في لندن وتصبح في وقت لاحق مواطنة بريطانية، ومنحت العديد من الألقاب منها "ليدي غاغا" لخروجها على كل ما هو تقليدي ومألوف وتصاميمها الهندسية المثيرة للجدل، وذلك في وقت مبكر قبل تبسيط هذه التصميمات بالكمبيوتر، مما أهلها لأن تتصدر لائحة مجلة "تايم" الأميركية للشخصيات المائة الأكثر تأثيرًا في العالم، واختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010.

كما اشتهرت بعدة أعمال رفيعة المستوى استوحتها حديد من الطبيعة حولها بعين لاقطة لخطوط الكون المنسابة بنعومة، منها محطة إطفاء "فيترا" في ألمانيا التي استلهمتها من مزارع الكروم والأراضي الزراعية القريبة. وتصميمها لمركز لندن المائي بسقفه الذي على شكل موجة. ومتحف القرن الواحد والعشرين الوطني في العاصمة الإيطالية، ومحطة قطار ستراسبورغ بألمانيا ، كما استوحت تصميمها لدار الأوبرا في غوانزو من أشكال الحصى التي تقع على ضفاف النهر، ومركز حيدر علييف في باكو الذي تميز بجدار خارجي ينسدل على شكل شلال. ولعل وصف خطوط حديد بالصرامة يعد مجحفاً من بعض نقادها إلى الحد الذي أطلق عليها "مهندسة قرطاس" أو "عمارة ورق" وذلك لتعقدها وعدم قابليتها للتنفيذ على أرض الواقع بسبب القيود العملية أو التكنولوجية؛ على الرغم من كونها رفعت الهندسة المعمارية وحررتها من عاديتها، وقدمت مساحات جديدة مثيرة للدهشة بأشكال سائبة.

وشأن كل تفرد، تعرضت حديد لهجوم لاذع عن تصميم اقترحته لاستاد كرة قدم في قطر حين شبهه النقاد بفرج الأنثى، الأمر الذي دفعها لإبداء الاستياء والدهشة من رؤية كل فتحة على أنها فرج أنثى، كما تلقت انتقادات كبيرة من حملة حقوق الإنسان عندما اضطر مركزها الثقافي الذي تبلغ قيمته 250 مليون جنيه إسترليني في أذربيجان إلى إجبار العائلات على الطرد من الموقع.

قامت حديد بمقاضاة ناقد على التشهير بعدما أبلغ زوراً عن وفاة أكثر من ألف عامل يعملون في المشروع قبل أن يبدأ البناء، مؤكدة بغضب لمحاورها: "لا يوجد قتلى على الإطلاق، وعليك التأكد من المعلومات التي لديك قبل الإعلان عنها".

وتحدثت ذات مرة معبرة عن سعادتها الهائلة بحصولها على الميدالية الذهبية الملكية للهندسة المعمارية في عام 2016، فقالت إنها لا تزال لا تشعر بانتمائها إلى المؤسسة. وتعترف: "أعتقد أنني يجب أن أكون الآن جزءاً من المؤسسة. لقد كنت دائما مستقلة، ربما لأنني "صارخة"، كان ينظر إليّ دائما على أني صعبة، باعتباري امرأة في مجال كالهندسة المعمارية".

وما بين الاستفادة من الحيز المكاني وتحقيق متعة المشاهدة عملت حديد على  تغيير هذه الصناعة بشكل كبير بالنسبة لنظيراتها من الإناث في حقل الهندسة المعمارية. إذ قدمت لهن نموذجا يحتذى به، ومصدرًا للإلهام، كما تفسر ديسبينا ستراتيغاكوس، أستاذ مشارك ورئيس مؤقت للهندسة المعمارية في جامعة ولاية نيويورك ومؤلفة كتاب أين المهندسات المعماريات؟ وهي تشرح ذلك بوضوح في جزء من حوار لها عقب وفاة زها: "برحيل حديد، فقدنا نموذجا يحتذى به في مجال يندر فيه العنصر الأنثوي". "هذا لا يعني عدم وجود نساء أنجزن وتميزن في الهندسة المعمارية، ولكن لم تصل أيا منهن إلى شهرة حديد، علاوة على أن عدد المهندسين المعماريين من الذكور ليس بكثير. وأضافت "ضد كل الصعاب والكثير من التحامل، استطاعت حديد أن تحطم سقفًا زجاجيًا تلو الآخر"

ومن المثير للاهتمام، في عام 2013 أن حديد صرحت لبوسينيس إنزيدر بأنها واجهت "سلوكاً أكثر سوءاً" في لندن من أي مكان آخر في أوروبا، وأن الوضع القائم لم يتحسن بالنسبة للنساء في العمارة.

تقول حديد "أنا لست أوروبية، ولا أقوم بعمل تقليدي وأنا امرأة كذلك، هذه الأمور مجتمعة بمثابة سلاح ذي حدين، فهي من ناحية تجعل الأمر سهلا، ومن ناحية أخرى تجعله من الصعوبة بمكان".

ولكن حديد لم تكن مجرد امرأة في صناعة يهيمن عليها الرجال، لقد كانت أيضا شخصاً ملوناً في مجال أغلبه من ذوي البشرة البيضاء، وقوة لا يستهان بها ورائدة هائلة في العالم المعماري.

تُوفيت العراقية الفذة، التي غيرت الكثير عن مفهوم العمارة في العالم وتركت إرثا لطالما أثار جدلا واسعا، في 31 مارس/ آذار عام 2016 عن عُمر يناهز الخامسة والستين، إثر إصابتها بأزمة قلبية في أحد مستشفيات ميامي بالولايات المتحدة، وكان تكريم محرك البحث غوغل لها، مؤخراً، بمثابة اعتراف بموهبة منقطعة النظير في حقل يحفل بكثير من التحديات.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.