}

عشتار إلهة الحب والحرب في عصر مملكة ماري السورية

آثار عشتار إلهة الحب والحرب في عصر مملكة ماري السورية
عشتار

عشتار هي إلهة من الآلهة الكبرى في الشرق الأدنى القديم، حيث كانت تُدعى إنانا في العصر السومري. واعتمادًا على الأساطير السومرية، فإن عشتار كانت شقيقة الإله شمش "شمس"، وهي إلهة العدالة، وابنة الإله أنو المتربع على عرش الآلهة في المجمع الإلهي السومري في أوروك. أما عن شعارها، فقد كان نجمة الصباح، حيث كانت دائمًا تعتلي الأسود، وتحمل جعبة وسلاحًا بيد وصولجان الملك بيدٍ أخرى، حين كانت تمشي بجانب الملك وتساعده في حروبه.

تتجسد عشتار بصورة امرأةٍ جميلة متحررة بامتياز، فهي طموحة، ونزقة، لا يؤتمن طرفها. وهي جزء من ثالوث، آلهة الكواكب، وهي إلهة النجم فينوس، إلهة الحب.

من خلال دراستنا لوثائق ماري "تل الحريري" التي تعود إلى العصر البابلي القديم، عصر حمورابي، نجد أنها ذُكرت في ثمانين نصا، وهي الأكثر تكرارًا بين جميع الآلهة في المجمع الإلهي لمملكة ماري، من بين هذه النصوص خمسون نصًا وثّقت أضاحيها، وثلاثة عشر نصًا كانت قد وصفت لنا شعائرها وطقوسها الدّينية، أما ما تبقى من نصوص فقد وصفت لنا عيدها السّنوي الذي كانت تحتفل به مملكة ماري. وقد أُرخت هذه النصوص في عهد المملكة الآشورية القديمة، وعهد الملك زمري ليم، لكن عشتار كانت أكثر توثيقًا في عهد الأخير.

عيد عشتار السنوي

باحثون كُثر كانوا قد قدّموا بحوثا عن هذا العيد. ونحن في هذا المقال سنقدم دراسة مقتضبة عن هذا العيد، فيما ركّزت الكثير من الدراسات على لوحة التنصيب المكتشفة في القصر الملكي في ماري، وهي لوحةٌ تظهر لنا مراسم تنصيب الملك. وقد نَشر في هذا الصدد، على سبيل المثال، أندريه بارو، مقالًا عن رسومات قصر ماري عام 1937، ونشر جان كلود مارغرون عام 1992 مقالًا عن لوحة التنصيب بعنوان "لوحة التنصيب، الإيقاع والمقاييس والتكوين".

في صالة العرش في قصر ماري، صاحب الجلالة يمثل أمام الإلهة عشتار، يدا الملك تلامسان فمه، والإلهة عشتار تعرض عليه الصولجان والخاتم، رمزي الملوكية. وبذلك يصبح ملك ماري تحت حمايتها. إن هذا التنصيب يعطينا لمحة عن العلاقة بين الملك والآلهة في ذلك العصر. اثنان من الآلهة يرفعان أيديهما لأداء الصلاة، في إطار مشهد التنصيب. على يمين عشتار، نرى إلها مجهول الهوية، ربما هو الإله دجن، إله وادي الفرات الأوسط، أو الإله أيتور مير، الإله الحامي للعائلة الملكية في مملكة ماري.

هذه العلاقات المتميزة بين الملك والآلهة في لوحة التنصيب، انعكست من خلال طاعة الملك والإقرار بسيادة الآلهة على المملكة. حيث كانت أغلب القرارات السياسية تخضع لموافقة الآلهة عن طريق الكهنة، وإن لم يفعل الملك، فإنه مهدد بالقتل، أو بتغير الأسرة الحاكمة بأكملها. وإذا كانت أعمال الملك متطابقة مع إرادة الآلهة، فإنهم يقفون بجانبه، ويلتزمون بتحقيق الانتصار في المعارك.

تعطينا وثائق ماري صورةً واضحةً عن عيد عشتار، حيث تصور لنا الأضاحي والطقوس والمهرجانات الدينية، والنفقات التي تتبع هذا العيد. وأغلب هذه الوثائق هي على صلة بالكاهن أصقدوم، وهذه الوثائق تعطينا اسم وتاريخ الكثير من المناسبات الدينية. أهم هذه الوثائق وثيقتان ذواتا الأرقام (A.3165) وA.1249b+S.142 75) +M من غير رقم) حيث تم ترقيمهما بحسب ترتيب نشرهما. الوثيقة الأولى هي عبارة عن بروتوكول العيد الأعظم للإلهة عشتار، والوثيقة الثانية هي البروتوكول الملكي لعيد عشتار "إرّادن".

من الصعوبة بمكان التأكد فيما إذا كانت عشتار هي نفسها عشتار "إرّادن"، حيث إن الوثيقة الثانية تتحدث عن الطقوس الملكية لعيد الأخيرة، والمثير للاهتمام أن الوثيقة الأولى تتحدث عن عيد عشتار من دون وسمها بأي صفة.

تجدر الإشارة إلى أن هاتين الوثيقتين تعطيانا صورة عن مكانة عشتار الفعلية في المجمع الإلهي في مملكة ماري، حيث إنها في قمة الهرم الإلهي من حيث الأهمية.

عيد عشتار والاجتماعات السياسية

كان عيد عشتار ملتقى للقوى السياسية في سورية القديمة في ذلك العصر، الوثيقة المنشورة في مجلة MARI عدد 3 رقم 112، تبين لنا أن عددًا من القوى السياسية السورية كانت قد اجتمعت في ماري بمناسبة عيد عشتار، وجرى نقاش الأوضاع السياسية، والوثيقة مؤرخة في عهد المملكة الآشورية القديمة. وأيضًا في السنة السادسة والسابعة من عهد الملك زمري ليم، نلاحظ أن قوى سياسية قد اجتمعت في ماري بمناسبة عيد عشتار، لكن الاجتماعات كانت ذات طابع ديني - سياسي.

الفضاءات الدينية للإلهة عشتار

هناك الكثير من الآلهة الأنثوية في العصر البابلي القديم. ووفقًا لوثائق ماري، فإن معظم هذه الآلهة كانت صورًا لعشتار، كعشتار ماري، وعشتار القصر، وعشتار البشري، وعشتار إرّادن، وعشتار نينوى، والإلهة أنونيتوم، والإلهة ديريتم، وسيدة القصر "بيليت إكاليم".

الفضاء الرئيس للإلهة عشتار هو إقليم ماري، على الفرات الأوسط حيث تقع مدينة ماري، يوجد معبد عشتار، وهو مكان الاحتفال بعيدها السنوي. وفي مدينة صوبروم كانت عشتار البشري، نسبة لجبل البشري في الجزيرة السورية، من أهم الآلهة هناك، حيث كان يقدم لها الأضاحي والهدايا. في شمال العراق، في مدينة نينوى ومنطقة إيكالاتوم، بالقرب من آشور.

وفي مملكة طوبا وهي مملكة كانت تقع بين حلب وماري، كانت عشتار هي الإلهة الحامية لهذه المملكة، ذكرت كعشتار طوبا. أما عن النشاطات الدينية لعشتار فكانت تقام في قصر الملك أو في حديقة القصر، وأحيانًا في معبدها.

أنونيتوم هي صورة لعشتار، إلهة حرب، كانت مقيمة في مدينة شيخروم، وهي في إقليم ماري أيضًا، وكان لها معبدان في ماري، أحدهما خارج أسوار القصر والمعبد الآخر داخل الأسوار، حيث كان البدو في عهد الملك زمري ليم يجتمعون في معبدها خارج الأسوار ويقيمون الولائم والاجتماعات السياسية.

ديريتم هي صورة أخرى لعشتار في مدينة دير، وهي مدينة في نواحي ماري، سميت كذلك نسبة لمكان معبدها الرئيس، هذه الإلهة لم تذكر قط خارج فضائها وهو إقليم ماري.

سيدة القصر "بيليت إيكالوم" كان فضاؤها الديني القصر الملكي، حيث كان في كل قصر ملكي في ذلك العصر معبد لسيدة القصر، في ماري وقطنا وغيرهما من الممالك السورية القديمة.

الملك والآلهة

أخيرا، لماذا كان الملك يحتفل بالأعياد الدينية وبالأخص عيد عشتار، ويؤمن لها كل الدعم؟ ما هو الدافع السياسي لذلك؟

 في الواقع الشعائر والطقوس الدينية الملكية تفسر لنا الترابط بين السياسة والدين منذ أقدم العصور. الهدف الرئيس من إقامة الأعياد الدينية، كان خلق الشرعية، فكهنة عشتار بشكل خاص وكهنة الآلهة بشكل عام كانوا تحت حماية الملوك المتعاقبين. ولنا في وثائق ماري الكثير من الأمثلة، كالكاهن أصقدوم والإيبال بيل وإشخي أدو وغيرهم. الأهم من وجهة نظري، أن هناك صراعا مفتوحا أو كامنا بين القوى السياسية والقوى الدينية، هذه القوى الدينية كانت ذات تأثير قوي على الحياة الاجتماعية في كل مناحيها.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.