}
عروض

"كأننا لم نكن هنا".. قصيدة الحرب

عماد الدين موسى

22 يناير 2020
تكادُ مُفردة "الموت" لا تفارق شِعر السوريين أينما كانوا، سواء بالنسبة لمن بقي منهم داخل البلادِ أو من أصبح في المنافي، وما أكثرها؛ الموت لا بوصفهِ كابوساً فحسب، بل كونه غدا كظلّ، يتبعنا أنّا ذهبنا. حيثُ تأتي القصيدة- وليدة الحرب- رقيقةً وهشّةً، ومفعمة بالألم أحياناً والحنين أحياناً أخرى.

في كتابهِ الشِّعريّ الجديد "كأننا لم نكن هنا"، الصادر عن منشورات بيت المواطن للنشر والتوزيع في دمشق، 2018، يثير الشاعر السوري بشّار يوسف سؤال "المأساة" التي حلّتْ ببلاده/بلادنا، حيثُ يكتبُ مستخدماً تقنيّة الزوم، بينما "العدسة" تدور وتدور، لتلتقط مشاهد عديدة، مسلطاً الضوء على الحدث المأساوي السوري الراهن، دونَ أن يغفل عنه الذهاب إلى الماضي أو المستقبل. في قصيدة بعنوان (توقّف ههنا وتذكّر!) يقول الشاعر: "أرتهن الحاضرَ لدى الغد القريب – البعيد،/ وأقولُ للمستقبل:/ تمهّل!/ لم أنتهِ من الماضي بعد./ تركتُ هناكَ رصاصةً أخطأتني/ وأصابتِ الآخر./ هو أيضاً كان ينتظرُك".
الصيغة التقابليّة أو ما يسمّى بلعبة المرايا، كما في المقطع السابق، أضفت المزيد من الجماليّة والسلاسة والحميميّة إلى عوالم المجموعة، إضافةً إلى تلك النبرة الخافتةَ والتي تسيطر على أجواء جّل القصائد.

 

الكتابة بمنتهى الحبّ
يكتبُ بشّار يوسف قصيدة الحرب لكن بمنتهى الحبّ، يكتبُ كما لو أنّه ذاهبٌ إلى موعدٍ غراميّ؛ مفرداته هادئة وشفيفة وغايةً في الرقّة والاتقان، بينما الجُمَل تطولُ أو تقصر حسب الدفقة الشعوريّة. حيثُ نقرأ- على سبيل المثال لا الحصر- مفردات من مثل: ("المرثيّة" و"القبر" و"الرصاصة" و"القتل")، جنباً إلى جنب مع مفردات أخرى من مثل: ("الحنين" و"الشجر" والعشب")، إذْ ثمّة مزجٌ حميم وخليطٌ مُغاير ومليء بالتضاد والمتناقضات، نقرأه على طول الصفحات. يقول: "أتمتمُ المرثيَّةَ ذاتَها/ وأحفرُها على صورةٍ/ لشاهدةِ قبرٍ لم أزرْه،/ فما هذا الحنينُ الآنَ/ إلى حجرٍ وشجرتَين وعُشب؟"، يتابع: "توقّفْ ههنا وتذكّر:/ كم ياسمينةً لملمها ذاك الطفل من الأرصفةِ لطوقِك/ دون أن تنتبهَ للرصيفِ/ الذي سيقتلهُ/ في الغدِ المؤجَّل؟".

 

استراتيجيّة العنونة
العناوين في مجموعة "كأننا لم نكن هنا" تأتي في اتجاهين اثنين؛ في المنحى الأوّل تكون العناوين قصيرة جداً، وقد تكون مفردة واحدة لا أكثر، وهنا العنوان يأخذ من النص أكثر مما يضيف إليه، حيثُ نقرأ: ("لن أنسى"، "رحيل"، "يوماً ما"، "فخّ الانتظار"، "عناق"، و"لحظات أخيرة"). بينما في المنحى الثاني تكون العناوين عبارة عن جملة ويمكن قراءتها منفصلة عن النص، واعتبارها قصيدة بحدّ ذاتها، نقرأ: ("لا يُمنح الخلود إلا من يموت"، "نهاية/ بداية"، "هو، أنا، وهي"، "توقّف ههنا وتذكّر!"، و"ترنيمة التراب الأخير").

 

اللغة المشهديّة
كتاب "كأننا لم نكن هنا"، والذي جاء في إحدى وستين صفحةً من القطع المتوسط، هو باكورة أعمال الشاعر بشّار يوسف (من مواليد مدينة عامودا، سنة 1987)، وفيها تبدو القصيدةُ هادئةً أكثر مما ينبغي، بل وصامتة أيضاً، بينما الصورة الشِعريّة تكاد أن تختفي لتحل مكانها اللغة المشهديّة، تلك المثيرة للبصيرة قبل البصر والشبيهة باللوحة التشكيليّة، يقول: "سئمتُ القوافي وضجرها/ سئمتُ من البحث عن الأوزان والكلمات المناسبة/ - قيودٌ تثير الاشمئزاز - / لا شيء أجمل من كلمة صامتة/ مجرّد كلمة/ تتحدّث بصمت.../ لساعات طويلة!".

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.