}
صدر حديثا

"يوم لبست وجه خالتي".. مأساة النساء السوريات

21 يناير 2020
صدرت حديثاً مجموعة قصصية للكاتبة السورية سلوى زكزك بعنوان "يوم لبست وجه خالتي" عن دار أتار للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق. تهدي الكاتبة مجموعتها التي ترصد تعب الناس في دمشق جراء الحرب عليهم إلى "السّوريّات البهيّات..."، لتصور فيها بعين راصدة دقائق تفاصيل مأساة النساء السوريات خاصة.
ومن القصة التي حملت عنوان المجموعة، نقرأ: جلست خالتي الغريبة في المقعد الأمامي بجوار السائق والرزمة في يدها اليسرى، همست في أذنها ناصحةً إياها بوضعها في عبّها، فأعلنت رفضها بحركةٍ رفعت فيها وجهها بشدّةٍ وكرّرت عبارة "المصاري وسخ الدنيا". وعندما همّ السائق بإدارة محرّك السيارة أمسكت بالألفي ليرة ودفنتها بحزمٍ في يدي اليسرى التي كانت تستند على شبّاك السيارة حيث تجلس، إمعاناً في دعم الخالة الغريبة أو رغبةً بالتواصل العاطفيّ معها بإحاطةٍ عاطفية أو ربّما إيحاء للسائق بأنّ هذه الخالة الغريبة تخصّني بصلةٍ ما.
دفنتها في يدي بسرعةٍ وحزم، وقالت لي شكراً يا خالتي نحن أولاد عزٍّ ولا نسترخص تعب الأجواد معنا. وانطلقت السيارة بسرعةٍ لم تمكّنني من إعادة دفن القطعة النقدية في يد خالتي ولا حتى من رميها في حضنها.
في طريق عودتي نحو البيت، داهمتني الحكايات كلّها، وكأنّها حدودٌ أطأ أرضها وترفضني، هشاشةٌ موجعة غمرتني وفي محاولةٍ للهرب منها شغلت نفسي بمداعبة طفلٍ صغيرٍ في حضن أمّه، فارضةً نفسي عليهما دونما استئذان، ضاق الولد واستنجد بأمّه مكرّراً عبارة يا أمّي مرّاتٍ متتالية، انهمرت دموعي وأعلنت للأمّ حديثة العهد بأنّي أمٌّ أيضاً، أمٌّ حقيقية!!
تلبست حكاية خالتي الغريبة، وشعرت كأنّ وجهي لبس وجهها، وكان لسانها من يروي بدل لساني، وقصصت حكايتها على الأمّ وطفلها، وعلى ركّاب الحافلة أيضاً، أخبرتهم أنّ ابني الوحيد يعمل في لبنان، ويرسل لي حوالةً بريدية شهرية، وكدت أن أفتح حقيبتي لأريهم الرزمة الثخينة، ويدي اليسرى ما زالت تقبض على ورقةٍ مالية واحدة من فئة الألفي ليرة نقدتني إياها خالتي الغريبة حين تعثّرت بغربتها ذات صباحٍ حاشدٍ بالغربة، وصوتها يقول لي: نحن أبناء خيرٍ وعزّ، والمصاري وسخ الدنيا!! ووشمها الكحليّ المدقوق على يديها، يمعن في غربته ويجرفنا نحوه ومعه.
تفصيلٌ وحيدٌ أخفيته عن جمهوري المنصت بشدّةٍ لحكايتي، لم أخبر أحداً بأنّ عمرها قد سُرق منها كما أعلنت وبحرقةٍ بالغة، أخفيت هذا التفصيل قولاً، لكنّ عمر خالتي الغريبة كان يتسرّب مع كلّ كلمةٍ، وكأنّ كلّاً منّا كان يسرق حرفاً من حروفها أو لوناً من وشمها المدقوق، أو كمن يسحب خيطاً من حزمة روابطها بهذا العالم الممعن في تلبّس وجوهنا وحكاياتنا، غربةً إثر غربة...

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.