}
عروض

بوتفليقة "نابليون الجزائر"!

بوعلام رمضاني

2 سبتمبر 2019
سيحفظ التاريخ بأن الكاتب والإعلامي البارز عبد العزيز بوباكير لم يصبح إسما معروفا بفضل الحراك الشعبي المستمر في الجزائر بشكل لم يعرفه العالم، كما حدث مع بعض المثقفين والمعارضين البارزين وغير البارزين القلائل إثر تظاهرهم عراة الصدر والعقل والقلب كل يوم جمعة منذ الثاني والعشرين من شهر فبراير- تاريخ الموجة الثورية التي ركبها عشرات الأشخاص المحسوبين نظريا وشكليا على ما يسمى بالالتزام الفكري والسياسي، وهم الأشخاص الذين تظاهروا وسط الشعب متحدين الجوع والعطش تحت شمس حارقة ومروحيات عسكرية ترصد وتصور وتسجل جغرافية وتاريخ حراك يعد ثورة في نظر الكثيرين ما دام قد أصبح مرادفا لسخط جماهيري يرسم من أسبوع لآخر آفاق قطيعة ثورية جديدة. هذه القطيعة، التي يمكن أن يختلف اثنان وأكثر حول طبيعة وماهية ونوعية وحدود فعاليتها، لا تتحمل أي تشكيك لحظة قراءتنا كتاب بوباكير "بوتفليقة رجل القدر" الصادر حديثاً وحمله بثلاثة أصابع نتيجة خفة وزنه وثقل رمزية عنوانه المرادف لمرحلة غير مسبوقة تؤرخ لخلع ملك جمهوري اعتقد أن القدر سيسمح له أن يحكم وطن الثوار والشهداء متفردا ومنفردا حتى الموت، ومستلهما نابليون الذي ادعى التفوق عليه استنادا لقامته القصيرة التي تتجاوز مثيلتها في الحالة النابليونية بثلاثة سنتيمترات!


عناصر قوة شاملة
كتاب بوباكير قوي بكل المعايير والمقاييس والجودة لأكثر من اعتبار، يتقدمه سياق تاريخي لم يستغله الكاتب الشعبي والبسيط والزاهد المتصوف على طريقته الوجودية والروحية وغير الدينية بالضرورة للتحول فجأة إلى مثقف عضوي، ولم يلبس ثوب المثقف الملتزم المؤمن بغضب وثورة الشعب كما فعل بعض الذين يتقاطعون مع توجهه اليساري لكن بمخملية أيديولوجية ممزوجة بالانتهازية والتعجرف والعنجهية والانفصام المرضي الذي دفع بعضهم إلى مغازلة بوتفليقة بالصمت والحياد والتأييد المبطن والعلني عند الذين آمنوا بأنه أعاد الاستقرار للجزائر وهزم الإسلاميين الإرهابيين وحرر بعض النساء اللاتي التحقن بجوقة رئيس الأركان القايد صالح قبل أيام قليلة إيمانا بحوار وطني يخون أصحابه كل معارض لطريقته ومنهجه ومقاربته.
قوة كتاب بوباكير ليست شكلية مرادفة للإثارة المجانية كما يعتقد البعض لأن العنوان يتكون من ثلاث كلمات تبعث على التساؤل والغرابة والخصوصية من جهة، ومن جهة أخرى تدفع أعداء وأنصار بوتفليقة إلى القراءة عنوة.
شخصية بوتفليقة قوية في بعض جوانبها كما يمكن تصورها عند أي إنسان آدمي، وقوته التي أفسدت الجزائر في تقديري حقيقة مكنت بوباكير من إبداع فكرة أقوى خرجت من رحم ثقافته السياسية ومن حسه المقارن الذي أعاده إلى تاريخ شخصية نابليون الذي اعتقد مثل بوتفليقة "أنه رجل قدر ورجل القدر لا يثق في أحد، ولا يأتمن إنساناً إلا أقرب المقربين إليه، ولذلك حرص نابليون على إسناد المناصب الحساسة في الدولة إلى إخوانه وأقاربه رغم ما عرف عنهم من حماقة وطيش ورغم أنهم كانوا لا يصلحون لذلك. كان بوتفليقة يحلم بإعلاء مقام أسرته إلى مصاف الملوك والأمراء رغم أصلهم المتواضع، وبوتفليقة مثل نابليون لم يعين في المناصب الهامة إلا أصدقاءه وأقرب الناس إليه، فرجل القدر لا يحكم إلا برجال ثقاة يفكرون مثله ويأتمرون بأوامره".

هذه الفقرة القوية أيضاً بتثبيتها أعلى الغلاف الخلفي كفضاء مناسب فنيا ووظيفيا، لم يتصورها المؤلف بتواطؤ الكاتب كمال قرور مسؤول دار منشورات "الوطن اليوم" لإغراء المتجول عبر أروقة مكتبة العالم الثالث بأسلوب ماركنتيلي هابط بل بأسلوب مهني مدروس، وحتى اختيار مكتبة العالم الثالث كان عنصر قوة أخرى سهل بيع الكتاب الخفيف والظريف بحكم حجمه الذي يدخل الجيب. وتواجد الكتاب في هذه المكتبة التي تحفظ ماء وجهنا الثقافي يعد تكريما لصاحبها الذي يتحدى شهرة ساحة الفارس الأمير عبد القادر ومقهى ميلك بار الذي فجرت فيه جميلة بوحيرد قنبلتها ضد عدو لم يؤمن بالسلم والسلام، كما أن إصدار وبيع كتاب بوباكير "بوتفليقة رجل القدر" وكتبه الهامة الأخرى في شكل كتاب الجيب في أشهر مكتبة جزائرية تقع في قلب العاصمة يعد عنصراً أخيراً لقوة شاملة من شأنها أن تؤسس بذكاء محسوب لتقليد القراءة دون التضحية بالهدف التجاري المباح.
أسلوب المقالات التي شكلت كتاب بوباكير يكفي وحده ليجعل منه كاتباً وصحافياً نادراً، وهو الأسلوب السلس والشفاف والمباشر الذي يؤكد طبيعة سيكولوجية تعكس شخصية مثقف يخاطب كل القراء بلغة عربية بسيطة لكن دقيقة واقتصادية وواضحة وأصيلة ومنافية لكل غموض أو لشطح لغوي.

عنوان كتاب بوباكير هو نفسه عنوان المقال الذي نقرأه في الصفحة 87 تجسيداً لعلاقته المنهجية بمبرر مقارنة الرئيس المخلوع بنابليون صاحب مقولة: "لا يلام أحد لسقوطي سواي. لقد كنت العدو الأول لنفسي والسبب في الكارثة التي جلبتها عليّ". بوتفليقة يرفض مقارنته بالإمبراطور الشهير رغم قصر قامته مثله، كما أشار إلى ذلك الصحافي الفرنسي الذي حاول استفزازه ورد الرئيس الجزائري السابق دون تردد وحرج وتأثر: "ولكني أطول من إمبراطوركم نابليون بثلاثة سنتيمترات". بوتفليقة لم يتردد حسب بوباكير في تقليد الإمبراطور الفرنسي على الصعيدين الشخصي والسياسي إلى حد الانبهار، لكنه تنصل في الوقت نفسه من وجه المقارنة المتعلقة بقامته القصيرة. لسوء حظ نابليون الجزائر، فإن المؤلف الذي يعرف أحسن مني ومن الكثيرين نفسية بوتفليقة سبق أن نشر كتاب مذكرات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بعد محاورته لعدة أعوام إثر إزاحته من طرف العصابة التي أوقفت المسار الديمقراطي الأول من نوعه في الجزائر باسم محاربة الإسلاميين المتطرفين الذين وقعوا في فخ العنف الذي خطط له عساكر لا يختلفون عن نابليون إلا بطول قامات وضخامة أجساد بعضهم.


مقالات قوية أخرى

ثمة مقالات أخرى تضمنها كتاب بوباكير ولا تقل أهمية عن المقال الذي شكل عمودها الفقري، وكانت هي الأخرى قوية ونادرة بأسلوب كتابتها وبمعلوماتها الغزيرة.
في "رسالة مغلقة إلى بوتفليقة"، نقل المؤلف شكاوى المواطنين الذين عبروا عبر أطنان رسائلهم إلى نابليون وطنهم عن توجهه إلى الهاوية. وفي مقال "بوتفليقة الأوروبي" كشف عن انبطاحه للقارة العجوز سياسيا واقتصاديا باعتبارها عقل العالم حسب بول فاليري وكتحصيل حاصل حسب نابليون الجزائر. هكذا أراد بوباكير التأكيد أن المعجب بنابليون لا يمكن له إلا تطبيق نظرية الاستعمار الإيجابي التي روج لها ساركوزي متأثرا بنظرية الاستعمار الذكي لأليكس دو توكفيل الذي تناوله بوباكير في كتابه "الجزائر في عيون الآخر". وللقراء أضيف أن دو توكفيل يعد المثل الأعلى للفيلسوف برنار هنري ليفي وللمثقفين الفرنسيين الاستعماريين. وحتى لا نظلم بوتفليقة وحده بعد أن دار عليه الزمن، نقول إن عساكر الجزائر قد أدخلوا ليفي المولع بفكر دو توكفيل الاستعماري إلى الجزائر في التسعينيات تحت حماية أمنية للكتابة في صحيفة لوموند عن إرهاب الإسلاميين فقط. أما مقال "بوتفليقة الفرنكفوني" فجاء منهجياً تعميقاً لمقال "بوتفليقة الأوروبي"، وفيه أكد بوباكير بما لا يدع مجالا للشك أن "فرنكفونية نابليون الجزائر لم تكن انفتاحا لغويا وإنسانيا بل كانت تكريسا أيديولوجيا استعمارياً".
حتى لا أتسبب في عدم إقبال الناس على قراءة كتاب "بوتفليقة رجل القدر" الممتع والمفيد شكلا ومضمونا أضطر للتوقف عند هذا الحد من العرض، وأدعو كل من يريد أن يسعد ويستفيد إلى قراءة هذا الكتاب الذي يمكن فتحه في محطات القطار دون حرج لأنه يتحدث عن حب خرافي جمع بين بوتفليقة ونابليون. لقد كان حباً سياسياً بين رجلين وليس بين رجل وامرأة كما تكشف عن ذلك الكتب التي يطلق عليها اسم كتب محطات القطار مقارنة بالكتب الفكرية الجادة والروايات غير المكتوبة بماء الورد. وبرأيي يجب أن يقرأ كتاب بوباكير في محطات القطار وإلا اعتبر فاقداً للهدف الذي كتب من أجله في جزائر تأخر قطارها السياسي بشكل تراجيدي عن طموحات وآمال ومطالب راكبيه من الشعب الذي راح ضحية فساد وإفساد بوتفليقة رجل القدر نابليون الجزائر!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.