}
عروض

"كونشيرتو لشفاهٍ ترفعها الريح" لبهاء إيعالي

22 يونيو 2019
صدر حديثاً عن دار نينوى للدراسات والنشر ديوان "كونشيرتو لشفاهٍ ترفعها الريح" للشاعر اللبناني الشاب بهاء إيعالي.
يقع هذا الديوان في 50 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن نص شعريّ واحد أكثر من كونه مجموعة نصوص. وهذا النص كتب على مدى عامين بين 2017 و2019، وجاءت تقسيمته كتقسيمة الكونشيرتو الموسيقي، أي ثلاث حركات (Allegro, Andanti, Pritesimo)، بالإضافة إلى أغنية اختتم بها النص، كذلك محاولاته الكتابية خلال هذه الفترة والتي عنونها بـ"فواصل موسيقية حصلت في الكواليس".
وعلى عكس مجموعته الأولى "الضوء آخر عصفورٍ في السماء" التي جاءت بمعجمٍ حادٍ عنيفٍ عن الحرب، يأتي هذا النص بمعجمٍ هادئٍ وحالمٍ عن الحب، وإن تبدّت لنا بعض الصور القاسية في جولتنا بداخله، إلا إنّ لغةً رقيقةً تنساب من هذا النص وبأسلوب جديدٍ يبتعد عن لغة الحب في الحياة اليومية.
وبهاء إيعالي صوتٌ شعريٌ جديد في الساحة الشعرية اللبنانية وله تجربة في كتابة القصة، وقد نشرت له العديد من النصوص الشعرية والقصصية في عدة دورياتٍ لبنانيّة وعربية.

من الكتاب:
ليس للرّيح أصابعُ، لكنّها ترفعُ شفاهك لئلا تسقط. كما يقول الغاوون، للرّيح خفّةٌ تلتصقُ بهدوءٍ في ذاكرة السنونو.
في قلبك، الأقنوم الرابع، أسير، أقف، أضحك، أبكي، أثرثر، أصمت، أغضب، أهدأ، أغنّي، أنام، أحلم، أعوي، أموت... كلّ هؤلاء شخوصي المتعدّدة، كلّ واحدٍ منهم يمسكُ الناي ويصفرُ كالمجانين، كلّ واحدٍ منهم شبحٌ لشكليَ الهرِم، كلّ واحدٍ منهم يرغب من الدم السّائر فيك أن يحييه بيديه الحمراوين.
أحبُّ ذاك الضباب الذي ألمحه في عينيك المقدّستين. أحبُّ كلّ تلك التفاصيل التي تشبه الزوبعة في مغسلةٍ مسدودةٍ فُتحت للتوّ. أحبّ كلّ ذاك.
قيل: العينان كتاب الفرد، من أين أتى؟ كيف يحبّ؟ كيف يموت؟ العينان رسمتان شخصيّتان متحرّكتان. العينان "فوبوس" و "ديموس" (*). العينان ملِكان آخران يكلّمان الراحلين في القبور. العينان هما عينان، لكنّهما يحملان كثيراً من الأوراق التي ليس باستطاعة المستشرقين قراءتها.
بُوركت عيناك المرسومتان بالماء وخشب الآرو (**).
بك أخرج من الموت. جسدي يمتدّ سجّادةً سوداءَ له ليسير صوب نهايته. سجّادةٌ داخل ضوءٍ لا نراه.
الموت هو أيضاً حياة، لكنّها لاذعة.
من جوف الموت آخذ أفكاري المسبقة. أقول لأصدقائي المتمدّدين في سرير من التراب نسيتُم أن تطلبوا من عينيها الحياة. اكتفيتُم بالدّنيا. تركتُم في أجوافكم تلك السجّادة السوداء وعلى ضفّتيها يقف محبُّوكم وهم يبكون. لا بأس، أنتم أردتُم مرافقة الوقت فقط، لا مرافقة كلّ شيء في هذا الوقت.
الموت يرتدي كلّ شيءٍ إلّا وجهك.
ها أنت وأنا نرسم بأحلامنا الجميلة صورة جديدةً للكرة الأرضيّة، صورة تشبه خيال بطليموس بأنّها مسطّحة وثابتة، ربّما لحاجتنا أن تبقى الشمس على وجهنا فقط ونترك الموتى يستمتعون بظلمتها:
نتحدّث مع العصافير،
نصغي إلى خطوات الأيل والقرود سواء،
نحاور الضّوء والغبار والغيوم التي تذكّرُنا بأنّ الله يصدّقنا فيملأ السماء بها.

***

(إنّ الله جميل يحبُّ الجمال)
إذاً هو يحبّك. وأنا.....
أعطِني الصّوت الجميل أيّها الإله
كي أغنّي لها بهدوءٍ كما يسيرُ النّمل
كي تلتقطها عيناي ومضاً ككسرةِ بطنِ الكاميرا
كي أنفخ بالنّاي كشجرةٍ تفتح أغصانها للهواء
فلتغنِّ معي لها أيّها النّمل
فلتلتقطي وجهَها معي أيّتها الكاميرا
فلتنفخْ معي لأشجارها أيّها النّاي:
الهواء يمشي
ويأخذ أشباح وجهي بعيداً إليك
هو مَن أخبرني
أنّكِ الظلّ كجسدي المغرورقِ ورَماً
جسدُكِ ذاكرتي
جسدُكِ خيالي
جسدُكِ.......... كلّ شيء.

*****

(*) قمرا المرّيخ.
(**) هو خشب السنديان، غير أنّ النجارين يطلقون عليه هذا الاسم نسبةً إلى مصدره (صربيا).

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.