}
عروض

جديد حسين بن حمزة: قصائد بقاماتٍ قصيرةٍ

مناهل السهوي

18 مايو 2019
في مجموعتهِ الشعريّة الجديدة (قصائد دون سن الرشد) الصادرة عن دار أثر/ الدمام يأخذنا الشاعر السوريّ حسين بن حمزة إلى منطقة أخرى تخصُّ الكتابة عن الشّعر، اختزاله وتكثيفه مع التركيز على جوهر القصائد، إنّها كتابة قصائدَ للشّعر ذاته في المجموعة التي يشكل العنوان بوابةً أولى لها. يبدو الأمر أقرب إلى شعر القصائد، فن كتابتها وملاحقة أفكارها واختزالها، هذه القصائد التي لم تكبُر بما فيه الكفاية فشاعرها لن يريد لها أن تغدو بقامات طويلة، هارباً نحو التقليل كنوع من العزلة والوحدة والاستطراد يهدد ما بناه، غير واثق بالأشياء المكتملة، في المقابل يذهب أبعد من ذلك حيث تجربته هي بحثٌ عن الشعريّة العالية وثقة في الشّعر ذاته.
قَسّمَ حسين مجموعته إلى أربعة أجزاء متباينة يمكن أن نميّز في كلّ جزءٍ موضوعاً واحداً، ففي الجزء الأول (نقود الوحدة) يركز على الشّعر واختزاله، صانعاً تماهياً موجزاً وخفيفاً ما بين الوحدة والشّعر كحقيقتين متلاصقتين داخل قالب لغويٍّ محكم، موجزٍ ومكثّفٍ، تشكّل الصورة فيه دعامة القصيدة أو حتى القصيدة كلّها، المعنى الذي يتراكم مع كلّ كلمة حتى يصل القمّة مع السطرِ الأخير:

أنا وحشةُ الكلمات الزائدة/ التي يحذفها الشّعراء/ لكي تصبح قصائدهم أجمل

أمّا في الجزء الثاني من مجموعته والمعنون (أربي اسمكِ في فمي) فينحو بن حمزة إلى رؤية

القصائد من زاوية الآخر، من خلال الحبيبة، الحبّ هو أحد أفعال الشّعر والحبيبة التي تخرج منه، تجعله مغرقاً في ذاته، ليعود إلى فنّ مزج الشّعر مع الكائنات التي تشبهه ابتداء من الوحدة وصولاً إلى المرأة الحبيبة مع التأكيد على ارتباط ما سبق بالشّعر وليس العكس فالشاعر يرى العالم من خلال القصيدة:

سيعثرون عليك/ ففي كل قصيدة/ فتحت شقاً صغيراً/ ودفنتُ اسمك!

إذاً يغوص بن حمزة أكثر في تكوين الشّعر كعنصرٍ أساسي لحياته والانفصال عنه انفصال عن الواقع كذلك وعجز عن لملمة الحياة من حوله، فهذه المعرفة العميقة بالواقع لن تكفي إن لم تتحول شعراً وربما تجعله عاجزاً عن تذوق التفاصيل إن كان الشّعر أبعد من أن يصله وما يدعم هذه القوة داخل النصّ هو الثبات اللغويّ والفنيّ داخل القصيدة، فقوة القصيدة هي قوة بنائها:

أنت جميلة حقاً/ لكنني تركت الشعر

يعود حسين بن حمزة في الجزء الثالث (شيخوخة) إلى الوحدة، الوحدة التي ترافق الناس بعد رحيلهم عن بلادهم، أو بعد كبرهم في العمر، إنّها الوحدة التي نكتشفها متأخرين ونحاول معالجتها دون نتيجة فأسباب الوحدة ليست فقط في المشاعر التي بدت عليها التجاعيد ولا في العظام المثقلةِ بسنينٍ طويلة إنّما هي وحدةٌ قادمة من دواخلنا وثابتة:

الذين يعثرون على حياتهم في الروايات/ لكثرة ما جففّوا/ أزهاراً في الكتب..

ينهي بن حمزة مجموعته بجزء مقتضب وكثيف بعنوان (غُرف) وكأنّه نصٌّ أخير لتأكيد العزلة ومشاركتها حياة الشاعر، قبوله وترحيبه بها، مؤكداً في النهاية على ما أراد قوله منذ البداية، إنّها الوحدة، الصيغة الأكثر شبَهاً بالشّعر، الاسم الآخر له:

الذين ما أن يكونوا وحيدين/ حتى يضعوا ملح الماضي على أصابعهم ويلعقوها

نهايةً يقدّم بن حمزة داخل هذا الاختزال الشديد للشّعر والذي يؤكد عليه دوماً ليس في قصائده وحسب، خصوصية نفسٍ متسارعٍ للحياة وكأنّه على حافة النهاية، النهاية التي تبدو في التقاطٍ سريعٍ للهواء.

يُذْكَر أن هذا الديوان هو الثاني للشاعر بعد انقطاع عن النشر دامَ عشرين عاماً، إلى هذا الحد يمكن أن نتخيل كيف يبدو الشّعر في العزلة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.