}
عروض

اختيارات جريدة الباييس الإسبانية لكتب الأسبوع

أحمد عبد اللطيف

29 نوفمبر 2018
أحمد عبد اللطيف

تحرص جريدة الباييس الإسبانية على اختيارات كتب الأسبوع كتقليد ثقافي يسلط الضوء على الكتب سواء المكتوبة بالإسبانية أو المترجمة إليها. ونحن هنا نفتح على هذا التقليد لمتابعة أهم الكتب الصادرة هنا.

                                         

1- أشياء معروفة وغريبة

     يخصص الكاتب الأميركي من أصل نيجيري تيغو كول (ميشيغين، 1975) كتابه لدراسة الصورة، مؤكدًا أن "أغلبنا ينقصه عنصر الإثارة الشكلية أو القطيعة المفهومية التي تعتمد عليها الصور الخالدة"، إنه عمل يتطلع إلى الروابط العميقة بين الصورة والرعب، صورة الحرب، الملكية التصويرية، والتعامل مع الصور من جانب الباحث في غوغول، وفي الوقت نفسه يتناول أعمال المصورين الذين أنتجوا هذا النوع من الصور.

     كول مؤرخ فني ومصور ومؤلف لروايتين: "كل يوم هو للص" (2007) والأخرى التي حققت نجاحًا كبيرًا "مدينة مفتوحة" (2012)، لو حكت الأولى عن عودته الفاشلة جزئيًا إلى نيجيريا (حيث ولد)، فالثانية تدور في نزهة تأملية عبر مدينة (هي نيويورك عقب هجمات 11 سبتمبر). والعملان يتميزان بموهبة فريدة في الملاحظة، وبشيء آخر يربطه بقوة بمقالات "الأشياء المعروفة الغريبة": هذا المزج بين الخيال والتجربة الذاتية، وهو بصمة الكاتب الحقيقية، لا يهم إن كان يتناول تمثيل قيصر لوليام شكسبير أو يكتب عن الروابط بين الأحلام والرعب أو يروي زيارة للقدس.

     ينطلق كول من مقولة جيمس بالدوين "الأشخاص مربوطون بالتاريخ والتاريخ معلّق بهم"، إنها نظرة ثاقبة تحيط بمقالات هذا الكتاب في مجمله، ولعل ما يميّزه أنه ناقد أدبي رفيع وقراءاته لكُتّاب مثل سيبالد وتوماس ترانسترومر وأندريه أسيمان وجون بيرغر قراءات مقنعة وجذابة شأنها شأن أي قراءة ذكية. غير أن ما يجعل منها فرادة الشكل الذي اختاره المؤلف ليمزج فيها الطابع الشخصي لقراءته (الملمح السيَري المتعمد لعمله) وربطها بالأحداث السياسية والتاريخية. استشهاد كول بـ بالدوين يرتبط بتناول الثاني بالأساس للعنف ضد الأميركان الأفارقة، رغم أن كول لم يشر في كتابه إليهم، إلا أنهم مربوطون بالحكاية كما الحكاية مربوطة بهم.

بناء على هذه الفكرة الأخيرة، يأتي تقسيم النصوص إلى ثلاثة موضوعات رئيسية، الأول مقالات أدبية ("أشياء مقروءة")، الثاني كتابة حول التصوير الفوتوغرافي، والثالث الرحلات ("أن تكون هناك") وهو القسم الأقل إقناعًا في "الأشياء المعروفة والغريبة". ينتمي عمل تيغو كول إلى التقليد الأدبي المسمى "فلانور"، أو أدب التسكع، وهو أدب ينتمي له مؤلفون بارزون مثل بودلير وفالتر بنجامين وروبيرت والسر وفرانز هيسيل وبيتر هنكه وسيبالد. ويقوم هذا الأدب على التأمل العميق والتفكير، وتحلل الهوية الفردية من الجمعية. وكول يجمع مفترقات الطرق بسهولة فاتنة. يشبه تيجو نايبول الذي لا يزال يتأمل ونراه وهو يتأمل، من دون أي أفضلية لأسلوب على الحقيقة التي تميز الأعمال الأخيرة للفائز بنوبل. وأدب كول ليس أدب "الإثارة الشكلية" (إذ يتميز بالوضوح وبنوع من الشفافية الخداعة التي تميز تقليد كتابة المقال الأنجلوسكسونية)، لكنه يتميز بالقطيعة المفهومية التي يربطها المؤلف بالتصوير الفوتوغرافي عند إنتاج "صور خالدة".

     إن الأشياء "المعروفة والغريبة" كعنوان، هي أشياء واحدة، مألوفة ومضطربة في نفس الوقت عندما نخضعها لنظرة أحد مثل المؤلف، وتلخص تجربة أن تعيش عاطفيًا وفكريًا في هذه اللحظة التاريخية. وكتاب كول غارق تمامًا بهذه التجربة ويجمع بعض "الصور الخالدة" الأهم في العام الأخير.

 

2-  مايسترو المشاعر

كتاب أندريس إيبانيث الجديد يضم 22 قصة، تتراوح ما بين القصة الطويلة والقصيرة والقصة الومضة. ولعل القصة التي تحمل عنوان المجموعة هي الأفضل والأكثر تعبيرًا عن الجو العام للكتاب، لما أنها تلتقي مع روايته الأولى "موسيقى العالم" في نفس الهواجس، حيث العودة إلى أصل العالم. ومع أن العمل يتميز بصوت المؤلف البصمة، إلا أن بعض القصص عانت من الضعف في خاتمتها، كما في قصة "لا تخش المطر"، التي كانت مبشرة في بدايتها.  مع ذلك يمكن أن نقول إن العمل في مجمله، وخاصة قصة "مرآة إنكا" يكشف عن صوت سردي مميز وخاص وأسلوب لا يتشابه مع أحد ويناسب في طريقة سرده حداثة القرن الـ 21.

 

3-  ثلاثون طريقة لخلع القبعة

إلبيرا ليندو روائية وممثلة وكاتبة مقال، كتبت سيرتها الذاتية كاملة، متوجة بصورة شخصية تظهر فيها كبهلوانة. في "ثلاثون طريقة لخلع القبعة" تتناول 29 امرأة غيرها، بالطبع، لكنهن جميعًا يمثلنها، في كل واحدة منهن ملمح مشترك معها. هي تعانقهن جميعًا، تعانق غريثي بالي لقوتها، وماريا جيريرو لأنها ساعدتها على استحضار طفولتها وأحيت فيها الرغبة في أن تكون ممثلة، وباتريثيا هايسميث لأنها ساعدتها على فهم حدود الجمال.

رقم 30 هي نفسها، صورتها الشخصية (امرأة غير مناسبة). في طفولتها كانت فكاهة البيت وضحكته، كانت تقلّد، وكانت تفعل ذلك بحرية ومتعة، وكان أبوها يموت ضحكًا. الضحكة ولدت من داخلها، وسادت الفكاهة في كتابتها (للراديو والصحافة) عندما ابتكرت مانوليتو الذي يرتدي النظارة. ثم توقفت عن الفكاهة المكتوبة، وهنا تشرح لماذا، أحيانًا بفكاهة وأحيانًا بغضب.

هذا النص مونولوج أعدته إلبيرا من أجل المسرح، "وفي النهاية، عندما انتهيت من كتابته، شعرتُ بلدغة حزن". نفس ما حدث لها عندما انتهت من قراءة الالتصاقات العنيفة لـ فيفيان جورنيك، إحدى صورها الأكثر كثافة وشخصية. تقول إلبيرا إنها تغلق الكتاب وتكتشف نفسها عبر الدموع في عينيها، متأثرة بحقيقة ليس لأنها ليست قاسية تفتقد للحزن الكافي.

تقول إلبيرا ليندو إن صورتها الشخصية كامرأة غير مناسبة أثارت فيها شعورًا شبيهًا "عندما تحكي حقائق أو تتعرى دائمًا ثمة شيء يثير فيك القلق. أعتقد أن ذلك خير لأنه يوضح أنك كتبت شيئًا من الحقيقة وعليك أن تشعر بمزيج من الخجل والخوف ممن سيقرأه، خوف من أن ترى كتابك في المكتبات وتفكر: يا إلهي، كيف سيفسرون ذلك؟ هذه هي المغامرة.

     كل الكتاب، كل هذه الحكايات التي رفعت لها إلبيرا القبّعة (وحتى أنف البهلوان) تبدو مكتوبة لتجهيز هذا الفصل الأخير، فصل مترع بالجدية، خال من الفكاهة والسخرية. ترد إلبيرا على ذلك:"عندما يقولون لي إني كتبت بجدية فذلك لأنه بدا لي، كما بدا للآخرين، أن الكتابة عن أشياء محددة لا يثير الضحك، أو على الأقل ليس بوسعي أن أسحب الفكاهة. من المستحيل بالنسبة لي أن أعثر على الفكاهة في دراما الهجرة أو في هذه الموجة اليمينية المتطرفة في العالم. ولا يمكن استخراج فكاهة من العزلة في المدينة الكبيرة.

وفي كتاب إلبيرا يمكن ملاحظتها وحيدة في بيتها بـ نيويورك، متكيفة على حياة يظنها الآخرون مرفهة كحفلة. تعلّق إلبيرا "نفعني في شيء ما تدربته عليه في طفولتي في تكوين صداقات، لكن في نيويورك انتبهت أني كبرت على ذلك".

في هذه الصورة الشخصية، امتداد كل صورها في نساء أخريات طرحت عليهن الحياة أسئلتها، تشير إلبيرا ليندو بتوسع إلى فترات كتابتها قصص مانوليتو وحبر الصيف. وإذا كانت إلبيرا ترى نفسها امرأة غير مناسبة، فالكتاب مترع بنساء غير مناسبات: "كلهن، بدايةً من ماري بيرد وحتى سالي مان أو أليس مونرو، قلن ما يردن قوله. وكلهن، بطريقة أو بأخرى، وكيف تصرفن في الحياة بطريقة ألهمتني".

إلبيرا ليندو هي رقم 30 بين تلك النسوة اللاتي رفعت أمامهن القبعة. وكان تناول حيواتهن سببًا كافيًا لنعرف كيف أثرن فيها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.