}
قراءات

‏"تمارين على الجدوى" لمحمد أبو لبن: السيرُ بحقل ألغام

عماد الدين موسى

30 يناير 2018

يُمكن اعتبار القصيدة التي يكتبها الشاعر محمد أبو لبن أشبه بالبروفا على الكتابة؛ إذ ثمّة تجريب لا نهائي نجده في كتابه الأخير، سواء من جهة التعابير واللغة المغايرتين، أو من حيث الأجواء التي يتم تناولها وبمنتهى الدقّة والبساطة.

ولعلّ أبرز سمة لهذه القصيدة هي تلك المفارقات المحبّبة التي تزخر بها، وهي بذلك تكاد أن تكون خارج الأطر النقدية، تلك الجاهزة أو "المسبقة الصنع".

في كتابه الشعري الأحدث "تمارين على الجدوى"، الصادر عن دار ممدوح عدوان (الإمارات- 2016)، يبقى الشاعر الفلسطيني السوري محمد أبو لبن في تلك المساحة الإبداعيّة الحرّة أو ما يسمّى بالحقل المفتوح على الأجناس الإبداعيّة الأخرى والمتداخل فيما بينها، سواءً تلك الفنّية منها أو حتى الأدبيّة، بدءًا من فنون السرد وتقنياتها السلسة، مرورًا بالتشكيل وجماليّاته، ووصولًا إلى اللقطة الفوتوغرافيّة وما لها من سحرٍ آسرٍ، وذلك عبر تفكيكها ومن ثمّ إعادة لملمتها وتوظيفها في خدمة نصّه وحده، حيثُ نلاحظ كل ذلك معًا وهو يلقي بظلاله على أجواء نصوص هذا الكتاب؛ "غيمةٌ على النظّارةِ الشمسيّة/ تحتها تهتز شفتان/ لطعم البلل،/ جرسٌ على باب دكان اللُّعب/ ناعم الأصوات/ تَعلّق عليه الفرح".

تندرج كتابة محمد أبو لبن، المقيم في ألمانيا، في إطار البسيط أو السهل الممتنع؛ جُملته عفويّة/ تلقائيّة وخالية من الشوائب والرتوش، هذا من حيثُ اللغة؛ أما من حيثُ المواضيع المجازيّة التي يتم تناولها أو التطرّق إليها فنجد أنها مشحونة بقدر كبير من العوالم السورياليّة بفوضويتها وعبثيتها؛ فتبدو النصوص بمجملها وكأنها مستوحاة مباشرةً من أعمال تشكيليّة لفنانين عالميين مثل سلفادور دالي (الإسباني)، رينيه ماغريت (الفرنسي)، خوان ميرو (الكتالوني)، وفلاديمير كوش (الموسكوفي). هنا ثمّة أفكار فلسفيّة تُعنى بالتضاد ولا استفزاز فيها للقارئ، بالرغم من أنها متناقضة ومتآلفة في الآنِ معًا، تُسيطر على أجواء نصوصه.

في نصّ بعنوان "أفكّر في الأبد ماشيًا" يقول الشاعر: "أعرف أن خطوي لا ينتظم/ وقد تفرّ مني خطوةٌ بلا فائدة/ أو تضطرب حركة ذراعي/ فيرتبك توازني مع ما يحيط بي من هواء/ ويصير الخطو خفيفًا/ وقد يبدو بلا معنى/ أو أنسى لبرهةٍ آلية المشي من أساسها./ مهما شردتُ وغابتْ عنّي كل الأغنية../ في آخرها/ لا بد اصطادني طول بقاء البيانو". ما نراهُ جليًّا هنا- في هذا المقطع- هو تلك اللمسة السرديّة الخافتة جنبًا إلى جنب مع التكثيف اللغوي الشديد دونَ أن يفقد النص جزالته أو إيقاعه الموسيقي العام، الداخلي/ الخارجي. وثمّة ربط مُحكم ما بين الأشطر جميعها منذ البداية وحتى النهاية/ القفلة، حيثُ يأتي النص/ المقطع على شكل جملةٍ واحدةٍ طويلة وذات نفسٍ عميقٍ، وهو ما يُضفي- بدوره- على النص المزيد من الحيويّة والمرونة المرجوّتين ويجعله خارج أسر الرتابة أو التكرار المُمِلّ.

كتاب "تمارين على الجدوى"، الواقع في ستٍ وثمانينَ صفحة من القطع المتوسط، هو الإصدار الثالث للشاعر محمد أبو لبن (من مواليد دمشق، 1976)، إذ سبق له أن أصدر كتابين شعريين، هما: "عمّا قليل (2005)"، و"التفاتة العابر في ظلّه (2009)"، إضافةً إلى عمل مسرحي بعنوان "آخر العشّاق (2008)".

في هذا الكتاب؛ يخوضُ الشاعر تجربةً جديدةً بتوغّله قدر المستطاع في أماكن قصيّة وحميمة من الحيّز المُهمل من الذات والعلاقة مع الآخر/ المحيط، وثمّة مُغامرة/ حساسيّة شِعريّة لافتة في عمله هذا، وهو ما يؤكّد لنا أنّ الكتابة تشبه إلى حدّ ما المسير في حقل مليء بالألغام والمفاجآت؛ يقول: "لستُ عابرًا ولا مقيمًا/ ولا ابنًا ضالًا،/ شبه حزينٍ/ أو وحيدٍ/ أو تائهٍ/ شبه فارغٍ ربما،/ بيدي ورقةٌ من ريحٍ/ تذوب شبهًا/ بين الحياة وفُرجتها".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.