}
عروض

"فكرة إسرائيل" لإيلان بابيه: السلطة إذ تتحكم بالمعرفة

ماجد كيالي

12 أبريل 2017

ظلّت فكرة إسرائيل، المتعلقة بوجودها وطبيعتها ووظيفتها وجدوى قيامها ومستقبلها، مطروحة للنقاش، منذ قيامها، لدى الباحثين والمثقفين والسياسيين والأكاديميين، بيد أن ذلك شمل الإسرائيليين أيضًا، إذ رغم شعورهم الظاهر بالاستقرار، وجبروت الدولة وتقدمها، بالقياس إلى محيطها، إلا أن الاحتكام للعقل وتجارب التاريخ والحس الأخلاقي يشي بانعدام اليقين في كل شيء، سيما مع التناقضات التي بقيت تكتنف وجود الدولة والمجتمع الإسرائيليين: هذا يشمل، مثلًا، التناقض بين المتدينين والعلمانيين، وبين الشرقيين والغربيين، واليسار واليمين، وبين دعاة القومية الإسرائيلية ودعاة القومية اليهودية، وبين دعاة التسوية ودعاة أرض إسرائيل الكاملة، وبين كونها دولة ديمقراطية أو دولة عنصرية، وبين كونها دولة عسكرية ودولة مدنية، وبين كونها دولة وظيفية لغيرها أو كونها دولة طبيعية لذاتها.  

تيار "ما بعد الصهيونية"

ولعل تيار "ما بعد الصهيونية"، في إسرائيل، هو أفضل من حاول تفحّص وتفكيك وتشريح هذه الدولة، وتبيّن تناقضاتها، وكشف زيف سرديتها الرسمية عن نشوئها، بل والاشتغال على فضحها وتقويض أساطيرها وبديهياتها، باعتبارها دولة استعمارية أو باعتبارها دولة عنصرية (تميز حتى ضد اليهود الشرقيين)، فضلا عن كونها دولة تتأسس على الأسطورة الدينية (التوراتية).

إلا أن مشكلة هذا التيار أنه يشتغل في إطار مجتمع استيطاني ـ إحلالي، يتمحور حول ذاته إزاء الخارج، مثل أي مجتمع استيطاني آخر، وينظر إلى ذاته بصورة جمعية، ويرى أهل الأرض الأصليين كغرباء ودخلاء يجب التخلص منهم، أو يجب إخفاءهم أو إزاحتهم، من المكان والزمان، ناهيك عن نظرته إليهم كمستوى أدنى غير لائق، أو كتهديد أو كخطر يجب مواجهته باستمرار.

هذا ما يناقشه إيلان بابيه باقتدار كبير، وبتأن بالغ، وهو المعروف كواحد من أبرز الشخصيات في تيار "ما بعد الصهيونية"، والذي ينتمي إلى ما يعرف في إسرائيل بـ "المؤرخين الجدد"، وذلك في كتابه: "فكرة إسرائيل ـ تاريخ السلطة والمعرفة" الذي خصصه لفضح علاقة التبعية والتماهي التي تربط الأكاديميا الإسرائيلية بدولة إسرائيل وبسرديتها الرسمية، التي يتم توظيفها في تبرير وشرعنة قيامها، على حساب الفلسطينيين، كاشفًا قصورها العلمي وانحيازها الأعمى وافتقادها الحس الأخلاقي.

الكتاب من ترجمة محمد زيدان، وإصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان ومكتبة كل شيء في حيفا، 2015 وهو يتألف من 448 صفحة من القطع الكبير، قسمت إلى 12 فصلا، إضافة إلى المقدمة والخاتمة. وربما يجدر التنويه هنا أن بابيه اضطر لتقديم استقالته من جامعة حيفا بسبب مواقفه، وغادر البلد ليعمل في إحدى جامعات بريطانيا، في موقف سياسي وأخلاقي ينسجم مع ما يطرحه.

يعرض بابيه في كتابه تطور علاقة الوسط الثقافي وبالأخص الأكاديمي بدولة إسرائيل، التي يرى فيها علاقة تبعية ووظيفية، وتبريرية، مع محاولة إضفاء طابع علمي، ما أمكن، على الادعاءات الصهيونية، وضمنها الادعاءات التاريخية، أو المتعلقة بالطبيعة الخاصة للشعب اليهودي، وتاليا لذلك نشوء المخيال اليهودي عن الأرض والشعب والتاريخ، أو عن المكان والزمان والآخر، أو الأغيار (الفلسطينيين)، كما يعرض فيه لحظة ولادة افكار ما بعد الصهيونية، وظاهرة المؤرخين الجدد، وفكرة إسرائيل واليهود العرب.

فضح الادعاء بشأن "واحة الحداثة" 

ويفضح بابيه في الكتاب ادعاءات إسرائيل أنها دولة يهودية وديمقراطية وعلمانية، في ذات الوقت، وأنها بمثابة واحة للحداثة في المنطقة وامتداد للغرب المتقدم فيها، مبينًا كيفية تجنيدها لأكاديمييها وصحافييها وصانعي الأفلام فيها للترويج لهذه الخرافات والتلافيق وبيعها، طبعا مع جهاز التعليم والإعلام وكل مؤسسات الدولة.

وعند بابيه فإن فكرة إسرائيل تمثل لعدد متزايد من الناس كل ما هو متعلق "بالاضطهاد والتهجير والاستعمار والتطهير العرقي، وأنها ليست مجرد فكرة وإنما هي دولة في المقام الأول"، إذ "في حين تعتمد الدولة على الجيش والموارد الاقتصادية والقوة السياسية فإن الفكرة تحتاج إلى الدعم الأكاديمي...لإضفاء الشرعية على الدولة". ومثلا في فكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" استخدم التاريخ لإضفاء الشرعية على المشروع الأيديولوجي والسياسي حيث لم يجد المؤرخون الصهاينة "تناقضًا بين المهنية في عملهم وموقفهم الأيديولوجي...إذ السردية التاريخية التي يضعها الجهاز الأكاديمي تصبح الأداة الأساسية لبناء الذاكرة القومية الجمعية وترسيخها... وقد ولى المؤرخون وجهوهم نحو السجلات الأرشيفية السياسية كقبلة مقدسة للحقيقة ورأوا في أنفسهم سدنتها".

في الفصل الثاني يتوقف بابيه عند كيفية نظر المستوطنين الأوائل إلى الفلسطينيين باستعلاء، وبوصفهم مجرد إرهابيين، أو ككائنات غريبة مزعجة لا يجب أن تكون في البلد، والمشكلة أنهم غير راضين عن وجود المستوطنين، وعدائيون ازاءهم.

وقد خصص الفصل الثالث للحديث عن أساطير قيام إسرائيل أو "المعجزة"، بتعبيرات قادة إسرائيل، إذ يفنّد تلك الادعاءات بخصوص مواجهة داود لجوليات العربي، وأن إسرائيل دافعت عن نفسها ضد حرب الإبادة والجيوش العربية، إذ غلبت القلة الكثرة، مستعرضًا في ذلك الأعمال الأدبية والفنية والكتابات الصحافية التي تناولت ذلك انسجاما مع النظرة الاستعمارية العنصرية ضد المواطنين الأصليين، أي الفلسطينيين.

أما الفصل الرابع فعرض فيه بابيه لأوائل منتقدي الصهيونية من اليهود، مؤكدًا أنهم أثروا إيجابا في نشوء تيار "ما بعد الصهيونية"، في التسعينيات، إضافة إلى عوامل أخرى مثل الأفكار حول المعرفة والسلطة والتطورات السياسية والاقتصادية بعد حرب 1967، وحرب تشرين 1973. هكذا نتعرف على أسماء مثل ماكسيم غيلان أحد مناضلي مناهضة الصهيونية الأوائل (غادر إلى باريس عام 1967)، وبوعاز إيفرون من مؤسسي الأيديولوجية الكنعانية الذي شكك بأسطورة العودة، ويشعياهو ليبوفيتش، وأوريئيل تال، ورؤوبين أبيرجل، وإيلان هاليفي، وأوري ديفيس، وعكيفا أور، وميشيل وارشافسكي، وسامي سموحة، وشلومو سفيرسكي، وباروخ كيمرلينغ، ويونثان شابيرا، وغيرشون شافير. وكان لهؤلاء الثلاثة الأخيرين دور كبير في حركة المراجعة التاريخية في إسرائيل، بحسب بابيه، فهم رأوا أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية ليبرالية وهي لم ترع حقوق الأفراد والأقليات بالاستناد إلى دراسات الاستعمار الاستيطاني. كما يذكر أدوار جامعة حيفا ويوري أفنيري، وحركتي ماتزبن والفهود السود، ثم إسرائيل شاحاك الذي رأى أن إسرائيل إنما هي آلة حرب لا يصدر عنها سوى الشر والدمار، وأنها تقتات على العقيدية اليهودية والقومية الحديثة في آن معا، معتبرا شاحاك اول مؤرخ يقوم بمراجعة الرواية الإسرائيلية بخصوص نشأة الصهيونية الأولى وطريقة عملها.

والمثير في الفصل الخامس، المخصص للحديث عن المأساة الفلسطينية، ما ذكره بابيه أن الصحافي الإسرائيلي من حزب مابام سيمحا فلابان، والذي عده المبادر لـ"لتاريخ الجديد" في إسرائيل، كان تأثر بوليد الخالدي لدى لقائه به في جامعة هارفارد، ما مكنه من تفنيد الرواية الإسرائيلية الرسمية عن حرب 1948، بخصوص موافقة إسرائيل على قرار التقسيم وأن الفلسطينيين ضد السلام وأن الدول العربية ستفني إسرائيل، وأن الفلسطينيين تركوا بيوتهم وتشردوا طوعا وبحسب نصائح قادتهم وأن إسرائيل هي داود الذي انتصر على جوليات، وأن اسرائيل مدت يدها للسلام. وهنا يتحدث بابيه عن كتاباته في التاريخ الجديد وكتابات آفي شلايم وظهور مصطلح "المؤرخين الجدد"، ومنهم بني موريس الذي كتب عن ولادة مشكلة اللاجئين معريا الرواية الرسمية الإسرائيلية، ثم ارتد عن مواقفه بإحالة الطرد إلى مسؤولية العرب. ثمة في هذا الفصل أسماء من مثل توم سيغف صاحب كتاب: الإسرائيليون الأوائل"، الذي تلاقى مع استنتاجات المؤرخين الجدد، وميرون بنفنستي.

تداعيات الانتفاضة الأولى

يؤرخ بابيه، في الفصل السادس، لولادة تيار "ما بعد الصهيونية" في العام 1994، متأثرا بتداعيات الانتفاضة الأولى (1987ـ1993)، وبعقد اتفاق أوسلو (1993)، وفتح النقاش حول الصهيونية والكولونيالية والتمييز ضد العرب، في التسعينيات، حيث أخضعت فكرة إسرائيل بأكملها للاستجواب، في الأبحاث والكتب والتلفزيون والسينما وفي الفنون والتاريخ والفلسفة والعلوم السياسية والاجتماعية والنقد الادبي. وهو تيار كان يشتمل على مناهضين للصهيونية وصهاينة أيضا، وثمة من رأى فيه مجرد حوار محلي بخصوص إنتاج المعرفة في إسرائيل ودور الأكاديميا في ذلك، بينما رأى فيه آخرون مراجعة لأساس الصهيونية على أمل التأثير على هوية وشكل الدولة في المستقبل... ثمة من أخذ على عاتقه أيضا تحدي الصهيونية. ولا يخفي بابيه تأثر هذا التيار بكتابات إدوارد سعيد وحنه ارندت ونعوم تشومسكي، والنظرية التفكيكية ونظرية السلطة والمعرفة.

يقول بابيه: "كنا مجموعة من اليهود نمثل التنوع العرقي اليهودي في إسرائيل. معظمنا كان علمانيا كما كان من الممكن أن تجد بيننا بعض اليهود المتدينين... أكاديميين وصانعي أفلام وكتاب مسرح وصحافيين وفنانين ومعلمين وكتابا وشعراء ومؤرخين وعلماء اجتماع، نعارض بطريقة أو بأخرى المسلمات التي تقوم عليها الصهيونية وكلما كان ما نهاجمه أكثر قداسة ازداد اعتبارنا مناهضين للصهيونية سواء في نظرتنا إلى أنفسنا أو في نظر العالم إلينا". أما بخصوص ظاهرة "الما بعد" فهي عند بابيه تشير إلى "شيء من الحذر وشعور بعدم الاطمئنان بخصوص المشروع الذي خاض فيه هؤلاء المنشقون، فقد عمدوا إلى التعبير عن مواطن الشك والنقد لديهم بأسلوب بالغ في الحذر"، لكنه يعود ليقول إن هذه الظاهرة ماتت بعد العام 2000، أي مع الانتفاضة الثانية. ويعدد من أسماء هذا التيار كل من أوري رام وأمنون راز ـ كركوتسكين، وأوري بن اليعازر وهنري روزنفيلد وشولاميط كارمي وياعيل ليفي وتانيا رينهارت، ويؤكد أن جهد الأكاديميين لم ينصب فقط على جمع أدلة جديدة تفند الرواية الإسرائيلية الرسمية "وإنما كانوا معنيين بتفكيك الأدلة والمعارف الموجودة بهدف كشف ما يقبع خلف النظرة الإسرائيلية السائدة"

عن الهولوكوست وأثرها في الرواية التبريرية الإسرائيلية تحدث بابيه في الفصل السابع، فتوقف عند أثرها في تشكيل رؤية إسرائيل عن ذاتها، فضلا عن توظيفها ضد الفلسطينيين وفي سبيل ابتزاز أوروبا. ويبين هنا دور عديد من الشخصيات اليهودية والإسرائيلية التي هاجمت هذا التوظيف وتحدثت عن مخاطرها، مثل ناحوم غولدمان مؤسس ورئيس المجلس اليهودي العالمي في السبعينيات، ثم أبراهام بورغ رئيس الكنيست الأسبق الذي ألف كتابا عنوانه: "الهولوكوست انتهى فلننهض من بين رماده"، وإسرائيل شاحاك الذي تحدث عن تزوير الهولوكوست، وبوعاز إيفرون الذي كتب مقالة عنوانها: "الهولوكوست خطر على الأمة"، ويهودا إلكانا في مقالته: "الحاجة إلى النسيان"، ثم نورمن فنكلشتين في كتابه: "صناعة الهولوكوست استغلال المعاناة اليهودية". كذلك توم سيغف، المؤرخ لمختص بالتاريخ الألماني، في كتابه: "المليون السابع: الإسرائيليون والهولوكوست".

تنسيق المصالح مع النازية الألمانية

وفي هذا الفصل السابع عديد من الوقائع التي تبين أن قادة الصهيونية كانوا وقتها يركزون اهتمامهم ليس على إنقاذ اليهود في ألمانيا وإنما على الهجرة إلى فلسطين، حتى لو أدى ذلك بهم إلى تنسيق المصالح مع الحكومة النازية الألمانية.

في هذا الإطار ينقل بابيه عن بن غوريون قوله: "لو خيرت بين إنقاذ جميع أطفال ألمانيا (اليهود) عبر نقلهم إلى إنجلترا أو إنقاذ نصفهم عبر نقلهم إلى فلسطين لاخترت نقلهم إلى فلسطين، ذلك لأن مسؤوليتنا تجاه الشعب اليهودي بأكمله أكبر من مسؤوليتنا تجاه هؤلاء الأطفال" (ص 213). بل إن بابيه يوضح أن الصهيونية ثم إسرائيل استخدمت الهولوكوست لأغراض سياسية إذ "تمكنت من استيعاب اليهود الذي قضوا في الهولوكوست ولم تحسن القيام بذلك مع الناجين". وبحسب حنا يابلنكا "هناك نظرة صهيونية ترى أن الذين نجوا من الإبادة مذنبون وذنبهم انهم بقوا على قيد الحياة ويمثلون ماضيا كان الإسرائيليون يرغبون في نسيانه". أي أن إسرائيل كان تنظر بطريقة فوقية رافضة ومحرجة لهؤلاء اليهود الناجين، والسبب حسب تعبير سيغف أنها "قامت على مبدأ اليهودي الجديد الصلب الذي يفتخر بعبريته التي يتحدث بها ويعمل في الأرض معتدا بنفسه ومعتمدا عليها، أما ضحايا الهولوكوست فقد سلموا أنفسهم للجزارين، وذلك هو اليهودي القديم ابن المدينة الذي يتحدث الييديشية في المنفى ويعتمد على التجارة" (ص 221)

وفي إطار توظيف الهولوكوست لم تتورع إسرائيل عن وصم المعادين لها بالنازية مثل جمال عبد الناصر وأمين الحسيني إذ كتبت عن الأخير في "الموسوعة الإسرائيلية ـ الأميركية للهولوكوست مادة هي الأطول لأي شخص باستثناء هتلر، لاستغلال ذكرى الهولوكوست للتأثير على الرأي العام الأميركي لصالحهم بما يتعلق بالصراع مع العالم العربي". وكل ذلك للترويج أن إسرائيل هي الضحية وأنها محاطة بأعداء يريدون القضاء عليها.

نأتي إلى الفصل الثامن المخصص لبحث فكرة إسرائيل واليهود العرب ("المزراحيون")، ويعرض هنا لوقضيتهم والنظرة الاستعلائية لهم، وهل هم عرب أم إسرائيليون، ويتحدث عن ظهور علماء اجتماع يبحثون في هذا الظاهرة، التي أخذتهم إلى نقد الصهيونية وسياسات الهوية، وبالاعتماد على نقد الاستعمار والعنصرية، وباعتبار ذلك جزءا من التمييز ضد الأغيار (العرب) والمرأة الخ. هنا يعرض أسماء مثل يهودا شنهاف الذين فضحوا عملية "عزرا ونحميا" لترحيل يهود العراق إلى فلسطين وإيلا شوحط التي تحدثت عن إخفاء اليهود العرب، وأرييلا ازولاي وسامي سموحة وسامي شالوم شطريت وشلومو سفيرسكي.

في الفصول الأخرى من التاسع حتى الحادي عشر عرض بابيه لتمثلات ما بعد الصهيونية في الفنون والثقافة والموسيقى والمسرح والسينما والإعلام (مع ذكر أسماء مثل جدعون ليفي وعميرة هس)، ثم يختم (في الفصل الحادي عشر) بالإقرار بانتصار "النيو صهيونية"، بعد العام 2000 رغم أن شلومو ساند لا يوافقه في ذلك.

ويتحدث في هذا الفصل عن الصعوبات والقيود التي فرضتها المؤسسة الرسمية على تيار "ما بعد الصهيونية"، وضمن ذلك إصدار مجلد عنوانه: "رد على زميل ما بعد صهيوني"، حيث تم إظهارهم كأشخاص ينكرون الهولوكوست ولاساميين وكارهين لذاتهم، وأنهم يشتغلون على تقويض شرعية إسرائيل. وقد تضافر ذلك مع فشل عملية أوسلو، واغتيال رابين والانتفاضة الثانية.

عموما هذا كتاب مبهر، وعلى غاية في الأهمية للباحثين في الشأن الإسرائيلي، وللسياسيين المهتمين بمصائر إسرائيل، ومعرفة التناقضات التي تعتورها وروايتها عن ذاتها. ومن المثير حقا هنا أن يتحدث الكاتب ايلان بابيه عن تأثير فلسطينيين مثل إدوارد سعيد ووليد الخالدي على الجدل الداخلي الإسرائيلي، وهو تأثير ظهر أنه أكبر بكثير من تأثير قيادات فلسطينية، كما حديثه عن أثر الانتفاضة الأولى، الذي كان أبلغ من تأثير الفصائل الفلسطينية المسلحة، ناهيك عن التأثير السلبي للانتفاضة الثانية، التي أسكتت الجدل الإسرائيلي وأعادته إلى نقطة الإجماع بضغط الأمن والعمليات التفجيرية والخطر الوجودي.

وليت بابيه أفادنا في الكتاب بمدى تأثير النخب الثقافية لفلسطينيي 48 على هذا التيار، وضمن ذلك مثلا عزمي بشارة، الذي صعد في الفترة ذاتها، وقدم أطروحات جديدة ولافتة بخصوص رؤية إسرائيل والعمل الوطني الفلسطيني.

هذا الكتاب يبين أيضًا مدى جهلنا بأسئلة الإسرائيليين، وتخلف قدرة الحركة الوطنية الفلسطينية عن مخاطبة المجتمع الإسرائيلي، والاستثمار في تناقضاته، وإيجاد المشتركات مع القوى المناهضة للاستعمار والعنصرية والمتعاطفة مع الحق الفلسطيني فيه. مع ذلك فإنني لا أوافق بابيه على أن تيار ما بعد الصهيونية او المناهض للصهيونية انتهى، بدليل استمراره هو وكثيرون غيره على هذا النهج، وعموما هو أدرى مني في هذا الأمر، فتحية تقدير له.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.