}
عروض

"متمردة باب الفلامانية" للعروي: تمزقات بين عالمين

سعيد بن الهاني

14 نوفمبر 2017

فؤاد العروي، كاتب روائي مغربي (ومحلل) اختار أن يعيش في هولندا. له تكوين علمي ومهني في الهندسة واقتصادي، يزاول مهنة التدريس الجامعي في جامعة أمستردام، اختار أن يكتب باللغة الفرنسية، ويكتب الشعر باللغة الهولندية. في رصيده عدة أعمال توجت سنة 2013 بحصوله على جائزة غونكور الفرنسية في جنس القصة. يعتبر نفسه كاتباً ملتزماً من الجيل الثالث بكل تنوعه. في كتابه الأخير: l’insoumise de la poste de Flandre "متمردة باب الفلامانية" عن دار جوليار يحكي قصة شابة مغربية من Molenbeek مولنبيك اسمها فاطمة محجبة، موعودة للزواج برجل لا تحبه. طالبة مثقفة، تعمل كذلك بعيدا عن حيها في ملهى عراء في بروكسل (بلجيكا). حكاية دقيقة حول ألف ورقة محشوة لهوية ممزقة. لم تشعر فاطمة بأنها حقا في منزلها فيما كانت تسميه مع ذلك حيها، ومقاطعتها، في لباسها التقليدي (الجلابة) تختبئ، تشعر بالأحرى بمحيطها كـ"مكان للآخر المخصّص للرجال" تسمى المقاطعة مولنبيك. كانت فاطمة طالبة في الجامعة الحرة لبروكسل، لم تتلقّ أية ضغوط دينية من أسرتها، فقد اختارت مع ذلك أن ترتدي الحجاب. لماذا؟ "فقد كان بالإضافة إلى ذلك من غير المفهوم أنها لم تصل أبدا، وأن لا أحد تذكر أنه قد رآها في المسجد".

لقد جعل الكاتب فؤاد العروي من فاطمة في كتابه "متمردة باب الفلامانية" مثالا رائعا لشخصية مركبة. عندما تعبر القناة التي تفصل، كخندق، بين مغاربة Molenbeek وبلجيكيي بروكسل. تبطئ من خطوها، وتُسَرِّع تشويش المسارات (الخطوط): تبدل ملابسها عند إحدى صديقاتها، لتصبح امرأة شابة حداثية بمكياج تأتي به إلى ملهى الاستعراض النسائي حيث تقَدّم عرضها بواسطة جسدها أمام رجال مذهولين. إنها تسمى Dany داني، بجاذبية نجمة رصدها جوني Johnny بينما كانت تقرأ فرجينيا وولف في المقهى. لقد قبلت بسهولة اقتراح مشغلها الجديد، الذي لم يكن يفهم شيئا. "مغربية تقول نعم بكل سهولة، مغربية في مولنبيك؟ ومثقفة، تتحدث كثيرا وبشكل جيد، ليست بلهاء بل إنها تقرأ كتابا صعبا...". كل شيء يكمن في النظرة التي يحملها الآخرون حول الأقنعة وحقيقتها بعد إزالتها، وهي نظرة وضعت الرواية تحت عنوان التوتر، إذ إن مستقبل فوزي مشروط بالآمال التي عقدها على فاطمة، زوجته المستقبلية. لم يكن لديه شك في ذلك. يعتني بالحفاظ على طلب المعلومات والمراقبة لتجنب المفاجآت السيئة. أكيد، لفاطمة سمعة رائعة في الحي، لكن فوزي لم يكن على عجلة من أمره، ويأخذ وقته كاملا كي يفحص كل شيء. ما دام، على كل حال، لا يعقد الأمور ويفضل أن يكون بسيطا كي يقبل الاختلافات والفوارق الدقيقة، إنّها مسبقا زوجته. ولكي تستحق ذلك، لا يجب عليها إلا أن تطابق توقعاته. بينما لا أحد أكثر تطابقا من فاطمة، إنها لا تجهل الرجل الذي سيقيسها معياريا ويحكم عليها. إن إصرارها كامل: لن تكون له أبدا. ولا تعرف بالمقابل إلى أي مدى هي قادرة أن تقود هذيانها التملُّكي، السبب بالإضافة إلى ذلك أن الأمر يتعلق بسؤال التملك أكثر منه بسؤال الحب في هذه القصة. إنها فريسة لا ترضخ للأمر الواقع.

 بين عالمين

إذا كان هذا العمل يكتشف بما فيه الكفاية العلاقات الصراعية بين الثقافات، فإن حكاية "متمردة الباب الفلامانية" تعطي لفؤاد العروي فرصة جديدة لتعميق الأسئلة التي يطرحها، مثل ما طرحها في إحدى رواياته السابقة محن السجلماسي الأخير les tribulations du dernier sijilmassi، وصعوبة خلق شخصية تعيش بين عالمين حيث اللغة التي تحددهما تخلق شفرات مختلفة وهي في قلب الإشكال. تعتبر مشكلة فاطمة غير قابلة للمصالحة مع نفسها ما عدا تكسير المرآة التي تفصل بين مختلف الشخصيات. وفي مقابل ذلك، تولد مشكلة فوزي فيما يفترضه من مطلق الانسجام وضرورته، برفضه الثغرات وقراره بسدّها على طريقته.

إن العروي لا يعطي الأجوبة لأسئلته وقراءته هي مع ذلك تعتبر جزءا من الطريق الذي يجب أن نقطعه للوصول إلى حل التناقضات الظاهرة والعويصة.

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.