}
عروض

أيام جديدة

صدر عن دار نشر كراس المتوحد كتاب يجمع بين الشعر وفن التصوير"أيام جديدة"، للشاعر والفنان الفرنسي المقيم في المغرب منذ ما يزيد عن العقدين، بول كاستيلا. ولد كاستيلا عام 1948، كتب العديد من الدراسات في مجال علم النفس والهجرة والتفاعل الثقافي، نشر بعضها ضمن مؤلف صدر له في فرنسا تحت عنوان: "الاختلاف زيادة"، وصدرت له هذه السنة رواية تحت عنوان: "صعاليك أشرار".

أما كتابه "أيام جديدة" (ترجمة المبارك الغروسي)، فيحوي نظرتين للعالم متشابكتين: ينفتح الشعر على فن التصوير. يدعونا الفنان، من خلال تمازج لغتين فنيتين، كي نكتشف لغة تعبيرية جديدة، أطلق عليها اسم بويتوغرافيا Poétographie. يتماهى الخطاب البصري بالخطاب اللغوي، فتتشكل صور قصائد، يندمج البعدان ويتوحدان داخل فضاء واحد. البويتوغرافيا عمل فني مركب: تتداخل الأبعاد وتمتزج الأجناس، فتنتج بعدًا تعبيريًا جديدًا. تساهم القصيدة إلى جانب الصورة في إنتاج المعنى. يعد كل واحد منهما امتدادا للآخر، يستمدان من بعضهما المادة والجوهر. ينصهران داخل كتلة واحدة. يتكاملان مثل وجهي العملة الواحدة.

تقدم هذه الأعمال منظورًا فنيًا خاصًا: تتلاشى الحدود بين الصورة الفوتوغرافية والومضة الشعرية. يدرك القارئ المعنى الكلي للعمل من خلال فعل المشاهدة وكذلك القراءة. لا تقوم الدلالة الكلية للعمل بالوقوف على عنصر دون الآخر.

تدخل البويتوغرافيا، انطلاقًا من هذا الجانب، في باب الفن المفاهيمي، الذي يعتمد تقنية الكولاج. تصف القصيدة المشهد بعفوية، بعيدًا عن كل زخرف لغوي. ويخضع النص الشعري هنا للخصائص الفنية المتعارف عليها في شعر الهايكو، نقصد تحديدًا طابع الكثافة والبساطة. تتشكل القصيدة من بيت شعري واحد، موزع على ثلاثة أسطر. يكتمل مدلول الصورة إذن داخل القصيدة. يكشف الشعر أسرار الصورة. تتميز هذه النصوص بكثافتها الدلالية وإيحاءاتها المتداخلة. تكشف الصورة بدورها جوانب منسية من الحياة. يطوع الفنان هنا مجموعة من الوسائل والتقنيات حتى يصل للصيغة المبتغاة، ويعبر عن رؤيته للعالم. منح ذلكم التمازج الحيوي للعمل إمكانات عدة لكشف ما تستره الأشياء.


وتضمن الكتاب أيضًا حوارًا مطولاً مع الفنان تحت عنوان "طريقة للعيش"، قلما تحمل هم الغد والآتي. حول سؤال اختيار البويتوغرافيا باعتبارها وسيلة تعبير، وهو جنس لم يدرج بعد في التصنيفات الأكاديمية؟ ما البويتوغرافيا؟ أجاب الفنان: "القصائد القصيرة تشترك مع التصوير الفوتوغرافي في كونها تبرز في لحظة نوعًا من الوجدان المكثف. جعلت لبضع سنوات صوري مرفقة بنصوص قصيرة. ثم فكرت لاحقًا في دمج النص نفسه في الصورة بفضل الوسائل الرقمية. "البويتوغرافيا" هي في البدء صورة فوتوغرافية، أضم إليها قصيدة قصيرة ترتبط من جانب المعنى بالصورة ومن جانب الخط والرسم بالألوان المهيمنة. يمكن القول بشكل من الأشكال أن النص هو الصدى المتردد في الكلمات للانفعال الوجداني في اللقطة المصورة".

وعن علاقة الشعر بفن التصوير، يقول كاستيلا: "يعكس الشعر العلاقة بين اللغة والواقع. هذا هو ما يسميه اللساني رومان جاكوبسون (الوظيفة الشعرية) للغة. لا تحيل الكلمات والأصوات ضمن قصيدة إلى العالم الحقيقي، بغية نقل خبر إلى المستمع أو القارئ، بل إنها تسرب إلى داخله عواطف وانفعالات توجه نظرته وإدراكه نحو عالم متخيل. بالنسبة إلي الأمر نفسه ينطبق على التصوير الفوتوغرافي، فأنا لا أستخدمه لنقل صور واقعية، بل لإنتاج لوحات شعرية انطلاقًا من حالات حدس. صوري هي بشكل من الأشكال (إشراقات)، في المعنى الذي يذهب إليه الشاعر آرثر رامبو. أما النص المرافق فينسج الرابط بين الصورة واللغة".


وعن سبب اختيار عنوان "أيام جديدة"، يقول: "هذا العنوان يأتي في الواقع بعد أضمومة صور مصحوبة بنصوص، كانت على شكل يشبه مذكرات، وكنت وسمتها (مجرى الأيام). قادتني أحداث حياتي بالإضافة إلى اقتنائي لأدوات جديدة إلى إنتاج هذه البويتوغرافات. يلعب فيها الضوء دورًا أساسيًا، بما أنه هو ما يدفعني غالب الأحيان لالتقاط صورة في بلد مثل المغرب. ولكن الضوء يدخل في حوار مع الظل. فالزمن الذي يجري يتبع طريقًا تمتلئ بالأشواك والجثث. يتداخل الفرح والحزن".

وعن تصنيف النقاد له بكونه مصورًا رحالة، يقول: "اخترت أن أسافر لوحدي؛ أولاً لتجنب الخلاف حول الوجهة التي يجب اتباعها، وأيضًا لأن السفر في مجموعات، مهما قل عددها، يقوم أكثر على تجوال أسر في فضاء أكثر من الذوبان فيه لاكتشاف أسراره. أنا أحب أن أحس بالحاجة للقاء الناس. وفي الأساس يمكنني أن أصنف الدول اعتبارًا لدرجة السهولة والصعوبة التي منحتني في التعرف إلى الناس. كانت رحلاتي في غالب الأحيان ممتعة، نسبيًا لأن إمكانيات إيجاد وسائل النقل بأسعار منخفضة كانت متاحة لي، ولكن أيضًا ارتباطًا بالمهام ذات الصلة بالأنشطة الأكاديمية التي كنت أقوم بها. الصور التي التقطتها خلالها تشهد على دهشتي، على حد سواء أمام مناظر مدهشة بالنسبة إلي، كما السهوب المنغولية والصحراء المغربية ووديان جبال الهمالايا العالية، وأيضا أمام سلوكيات الناس وخاصة في المدن".

وعن علاقة البويتوغرافيا بالموسيقى، يقول: "أنا عصامي في عزف الجاز. ويمكن القول بالقدر نفسه إنني أرتجل على شاكلة أطباق طائرة غريبة في الموسيقى. بشكل عام، هذا النشاط هو بالنسبة لي للترويح عن النفس وتسليتها، أعزف لنفسي فقط. ولكن العواطف والانفعالات التي يثيرها في نفسي الإيقاع والألحان تماثل تلك التي تنتابني وأنا أزاوج بين الصور والقصائد".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.