}

"أهلاً بكم في بيروت".. في 2005 كما في 2020

أحمد محسن 6 يناير 2020
سينما "أهلاً بكم في بيروت".. في 2005 كما في 2020
قلة هم الذين يعرفون فؤاد الخوري عبر صور متحركة
من بين عشرات الصور التي وهبها فؤاد الخوري للعالم، قد نتذكر تلك الصورة الشهيرة على متن السفينة في «الوطن العائم». ياسر عرفات وهو يدير ظهره للمدينة ناظراً باتجاه البحر. كانت لحظة تاريخية، أي لحظة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. تلك الصورة لم تكن مجرد صورة. إنها واحدة من بين أرشيف الصور الطويل الذي يؤرخ لمرحلة وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، والتي تتجاوز وظيفة العرض إلى الموقف. كذلك، عندما يمرّ اسم فؤاد الخوري، فقد نذكر صور إعادة إعمار وسط بيروت، وهي إحدى ثيماته المفضّلة. كانت تلك الصور أيضاً موقفاً أكثر من كونها محاولة لتحويل الحاضر إلى ذاكرة، مثلما تفعل الصور عادةً.
 صورة ياسر عرفات وهو يدير ظهره للمدينة ناظراً باتجاه البحر. كانت لحظة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت تاريخية


















هناك وظيفة «سياسية» للصورة، تحضر دائماً بقوة في أعمال الخوري، وتجاور الجوانب الأخرى دائماً في أعماله، بحيث يلتقي العاملان التقني والسوسيولوجي في التمثيل النهائي للعمل الفني. وهذه مقدمة ضرورية، يجب أن تكون حاضرة في خلفية المشاهد الذي سيذهب لمشاهدة فيلم «أهلاً بكم في بيروت» (45 دقيقة، غاليري تانيت يستمر حتى 17 كانون الثاني/يناير).
قلة هم الذين يعرفون الخوري عبر صور متحركة. وليس هذا انتقاصاً من أهمية «الرحيل» أو «أيام هادئة في فلسطين»، وغيرها من أفلامه القليلة، لكن يصح الافتراض أنه معروف في الفوتوغرافيا. في دوران أعماله حول المدينة وتحولاتها. من هذه الزاوية، يمكن البدء في مشاهدة الفيلم، أي تلك العلاقة مع المدينة، عبر سيل من الصور الكثيفة التي تجتمع مع بعضها في تأن وعناية، ما يتيح للعابرين في الشريط أن يسجّلوا مواقفهم بلا تكلف.
هكذا، يمكن أن يبدأ الفيلم في أي نقطة منه، وأن ينتهي في أي نقطة، مع أن الضوء الذي ينتهي مع النهاية يجيز تحديد نقطة البداية والنهاية. لكن الفيلم يدور حول بيروت وتدور حوله. المشهد «المركزي» في الشريط، والذي تعود إليه جميع المشاهد – اليوميات الأخرى، هو مشهد الشرطي الذي يحاول التعامل مع الفوضى عند المستديرة. تدور السيارات حول نفسها، والشرطي يصرف وقته في الدوران معها، ثم يمرر الخوري تباعاً، وبحرفة شديدة، عينات عن «الشخصية اللبنانية» المعاصرة، والأهم أسئلة كثيرة تُطلق باسم هذه العينات.

 المفارقة أنه ورغم التحولات التي يعتقد اللبنانيون أنهم مرّوا بها، ما زال الفيلم راهنياً، تحديداً من الزاوية التي ينظر إلى بيروت


















ظهر الفيلم في عام 2005 لكن لقطاته أخذت قبل اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. لكن المفارقة أنه ورغم التحولات التي يعتقد اللبنانيون أنهم مرّوا بها، ما زال الفيلم راهنياً، تحديداً من الزاوية التي ينظر إلى بيروت. لم تختلف قيادة السيارات في بيروت عما كانت عليه، ودور الشرطي ما زال كما يظهر في الفيلم تماماً: مهرّج لطيف حول مجموعة كبيرة من المهرّجين. عند مصفف الشعر النسائي، لم تتغير الأسئلة كثيراً، ورغم تقدم الخطاب النسوي في لبنان والعالم العربي، إلا أن المرأة ما زالت ضحية التسليع، وضحية الاستجابة لخطاب ذكوري مهيمن، تحت عدة عناوين ربما يكون «الموضة» أبرزها، حتى وإن أخذ شكلاً عالمياً.

 البقال اللبناني ما زال على حاله أيضاً. الميزان القديم في دكانه، على الأرجح لم يعد دارجاً، لكن البقال يتحدث في السياسة وعن جورج بوش ولأنه لبناني، سيردد الكثير من الكلمات بالفرنسية، مع أن وظيفته لا تقتضي ذلك. وفي طريق العودة، حيث تتجول الكاميرا على الأوتوستراد، وتصادف المولات، يطرح الخوري أسئلة «مبكرة» لبنانياً عن عمليات التجميل، وعن إمكانية العيش مع الآخر، ومع الفوضى، لكنها أسئلة بلغة «فرنسية»، ومن طبقة وسطى ترنحت، وصارت تشعر بغربة عن الشوارع والضواحي البيروتية، لدرجة مجهولة حتى لهذه الشخصيات أنفسها.
بأسلوب يجيد المزج بين الجد والسخرية، يرحّب فؤاد الخوري بالجميع في بيروت، شرط أن يجهزوا أنفسهم للدوران حولها، ولأن تدور حولهم بدورها. تغيّر الكثير منذ 2005، لكن لم يتغيّر أي شيء أيضاً. يجب الاعتراف أن ظهور محمد سعيد الصحاف على التلفزيون في ذلك العام كان مفهوماً، لأنه بعد عامين على احتلال العراق. وربما تكون الشخصيات المصورة في «متحف الشمع» اللبناني مفهومة في ذلك الزمن وذلك الوقت بوصفها مشاهير حاضرة في الذاكرة. لكن ومنذ ذلك الوقت، ما انفك لبنان يتحول بأسره إلى متحف للشمع، بسياسيين «محنّطين». جاءت الانتفاضة لتزحزح كل شيء، وعلى الأرجح هذا هو السبب الذي دفع فؤاد الخوري لعرض الفيلم مجدداً: أهلاً بكم في بيروت.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.