}

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.. بين العودة والوداع

وائل سعيد 26 سبتمبر 2019
مسرح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.. بين العودة والوداع
الدورة الجديدة تضمنت 22 عرضاً مسرحيّاً لـ40 دولة

انتهت منذ أيام فعاليات الدورة الـ26 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، والذي استمر على مدى تسعة أيام من 10 إلى 19 سبتمبر/أيلول، حيث كان المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية على موعد مع احتفالية الانطلاق والختام.
انطلقت الدورة الأولى لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر عام 1988 باقتراح من الوزير الأسبق فاروق حسني، ولم تكن كلمة المعاصر قد أضيفت له بعد، ثم خرج المهرجان من التسابق إلى التنافس فتم إلغاء القيمة المادية لجوائز المهرجان والاكتفاء فقط بالمراكز المعنوية والتقديرية. كما تم وقفه لمدة خمس سنوات عقب ثورة 25 يناير المصرية في 2011 وحتى عام 2016، وبحسب تصريحات بعض المسرحيين القُدامى فإن فكرة المهرجان من البداية كانت مفاجئة للجميع؛ فقد وجدوا أنفسهم فجأة وعقب تخرجهم في الثمانينيات أمام مهرجان دولي مرة واحدة.
تضمنت الدورة الجديدة 22 عرضاً مسرحيّاً لـ40 دولة عربية وأجنبية أقيمت على 13 مسرحاً من مسارح القاهرة. وإثر الاضطرابات الأخيرة في جنوب أفريقيا، اعتذرت فرقة ندلوندلو عن تقديم عرض  WOZA ALBERT وفي نفس السياق انقطع التواصل بين فريق عرض  The Systemمن جنوب أفريقيا أيضاً وبين إدارة المهرجان حتى اللحظات الأخيرة من بدء الفعاليات .



البحث عن الإيقاع بين مصر وأميركا
يرتبط مفهوم الإيقاع بعلاقته الأثيرة مع الزمن تحديداً، وقد فسره الفارابي بأنه "تحديد أزمنة النغم بمقادير معينة ونسب محدودة"، لذلك فلكل شيء ايقاعه الخاص الذي يحافظ على المستوى الأمثل للتلقي، خاصة في الفن بجميع أنواعه.
وحين نستعرض عرضي الافتتاح والختام، نجد أن كليهما أُصيبا بالعوار الإيقاعي نفسه، من حيث الإطالة، إذ وصلت الرسالة كاملة تقريباً في منتصف كل عرض واضطر بعض المشاهدين إلى الاجترار حتى نهاية العرض، وانصرف البعض.
قدمت الفرقة الأميركية عرضا كلاسيكيّاً شهيراً بعنوان "الخياليون" The fantasticks وهو من أطول المسرحيات الغنائية في العالم، وقُدم العرض على مسارح عالمية لأكثر من 42 عاماً متواصلة، وحصل على جائزة توني لـ"تكريم التميز في المسرح" عام 1991.
ويحكي العرض عن قصة حب بين شاب وشابة يفصل بين مسكنيهما جدار واحد، وقد قررت والدتا كل من الفتاة والشاب أن يقوما بخداعهما، وتزعمان أن هناك خصومة بين الأسرتين، وأن المرور من هذا الجدار ممنوع. واختار المخرج أن يكون لون الولد أسود ولون الفتاة أبيض، فيما ظهرت أم الفتاة تحمل رشاش مياه وتسقي زرع حديقتها بينما والدة الشاب تظهر بمقص ذراعي يقص ما تزرعه الأولى.
لعب العرض على فكرة اختلاف اللون بين الحبيبين، وقد وفق إلى حد كبير في خلق وتطويع مفردات عادية للديكور المتغير طوال الوقت على خشبة المسرح، مع استغلال رهيف للإضاءة والتي حملت في كثير من الأحيان دواخل شعور الحبيبين والأهل، صانعاً حالة من توريط الجمهور المباشر بطلب توظيف خيالهم واتباع الراوي إلى عالم من الخيال والسحر. وكان للغناء الجماعي من الفرقة بمصاحبة السوبرانو العالمية كاترينا جالك بطلة العرض دور مهم للغاية.
أما عرض الختام فكان بعنوان "دموع حديد" وهو عرض راقص حركي من إخراج وليد عوني، وفيه اعتمد على التجربة الرائدة للفنانة المعمارية العالمية زُها حديد في محاولة لتحويل الفلسفة المعمارية التجريبية لحديد إلى حركات راقصة وايقاعية وتكوينات هندسية، على خلفية شاشة كبيرة بعرض المسرح تراقصت عليها تشكيلات هندسية رقمية أخذت في تكملة العرض الحركي أو في التعشيق معه في بعض الأحيان.
والمتأمل لتجربة حديد المعمارية ينتبه لمنهج حديد في القانون التجريبي الهندسي، يُحيلك إلى تجسيمات بيكاسو وخيالات دالي إلى حدٍ مخيف، متخطية حواجز المنظور الأحادي أو السطحي للمعمار، لتفسح المجال أكثر أمام الانحناءات والتفريعات والتشكيلات الهلامية.
غير أن العرض لم يحمل الكثير من هذا المفهوم سوى في اسم صاحبة التجربة، حيث حاول أن يشيئ تجربتها ويتناولها من منظور نثوي "كونها أنثى من أصول عربية" وكيف أن تلك التجربة يمكن أن تنتقل إلى تصميماتها المعمارية، التي لا أرى فيها أي إشارة نسوية أو جندرية يمكن العمل عليها.
أما على المستوى الفني، فقد جاءت الكثير من حركات المشاركين أشبه بحركات لاعبي السيرك التي تعتمد على الإبهار وجذب نظر الجمهور، ما عكس حالة من القصدية والتعمد تطغى على أدائهم كجماعة وعلى العرض ككل، كما جاء التنوع في الموسيقى بين الشرقي والغربي والفرعوني والأفريقي على نحو مجاني.

دورة الوداع
ترأس سامح مهران المهرجان لأربع دورات متتالية منذ عودته، الأمر الذي جعله يصرح في بداية هذه الدورة بأنها دورة الوداع، وذلك لإتاحة الفرصة أمام تجديد الدماء وأمام الكادرات الشبابية الجديدة التي عملت بشكل تطوعي من خلال دورات المهرجان المختلفة، وتستطيع الآن تحمل مسؤولية المهرجان بمفردها، حسبما أعلن مهران، وهو الأمر الذي أثار الكثير من ردود الفعل، منها مطالبات بالتراجع عن هذا القرار، فيما استنكر البعض الآخر ما نوته إدارة المهرجان، حيث أبدى الدكتور محمد سيف الناقد العراقي عدم موافقته على قرار مهران نظراً لأن هذه هي الدورة الرابعة للمهرجان بعد العودة، وأن الإدارة بدأت تؤسس للمهرجان بطريقة جديدة ومغايرة، معتقداً أنها بحاجة لعدة سنوات من أجل تطوير هذه التجربة.
على أي حال لن يُحسم هذا الجدال إلا في الدورة القادمة 2020، فإما أن يستمر مهران وفريقه استجابة لهذا الطلب، أو ينتصر لفكرة تجديد الدماء.
عمل مهران في العديد من الأماكن المسرحية كمدير مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة ورئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية. كما شغل منصب رئيس أكاديمية الفنون ورئاسة لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة ومهرجان المسرح المعاصر والتجريبي.



المسرح الأفريقي المعاصر
قد تكون فكرة التناسج الثقافي هي الفكرة الأهم في فعاليات مهرجان دولي يضم أكثر من ثقافة ومن ثَمَّ العديد من التجارب العالمية، ويقتصر هذا التفاعل الدولي تقريباً على المهرجان التجريبي ومهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي؛ حيث يستضيف المهرجانان العديد من الأسماء المسرحية ويتم استغلال وجودهم في مصر وقت المهرجان بإقامة ورش عمل ومحاضرات.
أقيمت خمس محاضرات متخصصة لشباب المسرحيين: في المسرح الغنائي، العلاقة بين الأسطورة والواقع، علاقة الممثل بالمخرج، عن التمثيل، والعرض المسرحي ومسرحة الزمان والمكان. كذلك أقيمت ست ورش بدعم من الهيئة العربية للمسرح التي تكفلت بنفقات انتقال وإقامة الضيوف الأجانب، والمكتب الثقافي بسفارة الولايات المتحدة وسفارة اليابان: التعبير الشعري للجسد - فرنسا، الدراماتورج - أستراليا، الفضاء والجسد - اليابان، مشروع كوكب للفنون - أوغندا، ومن أميركا إخراج المسرح الراقص وورشة في الإضاءة، وقد صاحبت جميع الورش ترجمات فورية للمشاركين.
فيما أقيمت ندوات من خلال الملتقي الفكري احتفاءً بالمسرح الأفريقي وبدعم من المعهد الدولي للمسرح ITI تناولت إشكاليات التعريف والتصنيف والنقد للمسرح الأفريقي، وتفاعلاته، وتقنيات المسرح والأداء في الدول الأفريقية ما بعد الاستعمار، واشترك في هذه المحاور متخصصون من مصر وأفريقيا وأوغندا.



ميداليات
يحرص المهرجان في كل دورة على تكريم عدد من الرموز المسرحية على المستوى العربي والعالمي، بالإضافة إلى منح "ميدالية التجريبي" وذهبت لسبعة أسماء بجانب التكريمات الشرفية.
سميرة عبد العزيز: ممثلة مصرية، بدأت مشوارها الفني في إذاعة الإسكندرية، حاصلة على بكالوريوس التجارة جامعة الإسكندرية ثم على بكالوريوس الفنون المسرحية من أكاديمية الفنون، مثلت في عروض الفرق الجامعية ونالت كأس التفوق في التمثيل من الرئيس جمال عبد الناصر، وعملت بفرقة الإسكندرية المسرحية إلى جانب المسرح الجامعي.
عبد الرازق حسين: ناقد مسرحي مصري، حاصل على بكالوريوس النقد والأدب المسرحي من المعهد العالي للفنون المسرحية، ودبلوم الدراسات العليا من النقد الفني، عمل بالصحافة في مؤسسة أخبار اليوم بمجلة آخر ساعة، وتدرج في المناصب ناقداً ورئيساً لقسم المسرح، ثم نائباً لرئيس التحرير، ثم مديراً لتحرير المجلة.
سيد رجب: ممثل مصري، بدأ مشواره الفني مسرحيّاً حيث عمل لسنوات طويلة في مجال المسرح التجريبي والحر وقدم عروضاً داخل مصر وخارجها، وهو عضو مؤسس لفرقة "الورشة" المسرحية.

أحمد كمال: ممثل مصري سينمائي ومسرحي كما يقوم بالإخراج وبتدريب التمثيل، شارك فى أعمال فرقة الورشة المسرحية المبكرة، وشارك بالتمثيل في الكثير من المسرحيات التي شاركت في المهرجان التجريبي منها "صلوات فرعونية، طفل الرمال، ناس النهر".
د. هناء عبد الفتاح: ممثل ومخرج مصري، وأستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية ،ولد في أول ديسمبر 1941  وتوفي في 19 أكتوبر 2012 وشارك بالتمثيل في أعمال تلفزيونية وسينمائية منذ صغره.
د. حازم شحاتة: كاتب وناقد مسرحي مصري، قام بتدريس النقد المسرحي وتاريخ المسرح العربي، كما قام بكتابة نصوص مسرحية وله بعض التجارب في مجال مسرح الطفل ومسرحة المناهج.
محمد أبو السعود: مخرج مسرحي مصري شاب، أحد رموز مخرجي المسرح المستقل، قدم الكثير من العروض المسرحية المهمة على مسرح مركز الهناجر الثقافي، وتوفي في مقتبل العام الجاري.


الخزانة المسرحية والإصدارات
إلى جانب النشرة اليومية للمهرجان، تم توقيع بروتوكول تعاون بين رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، وبين الكاتب إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، حول إنشاء مشروع خزانة الذاكرة الذي تتبناه الهيئة، وتهدف من خلاله إلى توثيق المهرجانات المهمة وتاريخ النشاط المسرحي في الوطن العربي.
وقال عبد الله: حتى نصل إلى هذا المشروع اليوم، بدأنا بتوثيق مهرجان الأردن المسرحي ثم مهرجان دمشق، كما انتهينا من توثيق أيام قرطاج المسرحي، ونعمل الآن على توثيق مهرجان الهواة الجزائري عبر 52 دورة سابقة، وآن الأوان لتوثيق تجربة المسرح المغربي منذ انطلاقه وحتى الآن، ونعمل على هذا المشروع منذ 6 أشهر.
يذكر أن هذه الدورة الأولى التي تشهد عودة إصدار مطبوعات المهرجان- "كتب"- بعد غياب طويل، حيث أصدرت خمسة عناوين مترجمة وعربية وهي: شعرية الجسد - تأليف جاك لوكوك، أرسطو أو مصاص دماء المسرح الغربي - تأليف فلورنس دوبون، محاضرات في الإخراج المسرحي - تأليف يفجيني فاختانجوف، المسرح الأفريقي المعاصر - تأليف د. أسماء يحيى الطاهر، مسرح المهمشين في الولايات المتحدة الأميركية - تأليف د. حاتم حافظ.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.