في الوقت الحالي لم يعد ثمة تعريف أو مفهوم واحد للفن، بالرغم من تداول الكلمة واستخدامها لوصف شيء جميل أو مهارة تؤدي إلى نتيجة جمالية. قد يكون الفن نوعا من التفكير الإبداعي لإنتاج شيء جميل، لكن حتى فكرة الجمال تثير أسئلة حول تفسير الجمال لكل شخص، لذا يمكن اعتبار الفن مجموعة من التخصصات المختلفة مثل: الفنون الجميلة، الفنون البصرية، الفنون الزخرفية، الفنون التطبيقية، التصميم، الحرف اليدوية، الفنون الحركية، الفنون المسرحية، بالإضافة إلى الأشكال الفنية الجديدة التي ظهرت خلال القرن العشرين مثل التجميع، المفاهيمية، الكولاج، فنون الفيديو.
ويمكن أن يختلف تعريف الفن تبعا للعصر والثقافة التي يوجد فيهما، ولا يمكن مقارنة الجداريات التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ مع الفن الإفريقي، أو مع فنون عصر النهضة، أو مقارنة الفن الغربي مع الفن الصيني مثلا، ولهذا يتجدد ويتغير مفهوم الفن بشكل مستمر.

تعريفات مختلفة للفن
يعتبر المعنى الكلاسيكي للفن هو المعنى المشتق من الكلمة اللاتينية (ars) بمعنى المهارة أو

الحرفة، ويمكن اعتباره نتاج مجموعة من المعارف، باستخدام مجموعة من المهارات، وهكذا كان ينظر إلى النحاتين والرسامين في عصر النهضة على أنهم حرفيون ذوو مهارة عالية. وفي ما بعد عصر النهضة، وبعد المجهود الكبير الذي بذله كل من ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو من أجل الارتقاء بمكانة الفنانين، ظهرت الأكاديميات الفنية الأوروبية، وتغيرت النظرة إلى الفن والفنانين، كما ساهمت فروع الفلسفة الجديدة وعلم الجمال في تغيير مفهوم الفن. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر لم تعد المهارات الفنية وحدها كافية للفن، ولكن وجب أن تلازمها فلسفة فنية وإحساس جمالي برؤية ذاتية وأسلوب شخصي. في الوقت نفسه ظهر مفهوم الفنون الوظيفية أو النفعية ليميز الفنون الجميلة مثل الرسم أو النحت عن الفنون التطبيقية مثل الزخرفة والديكور وتصميم المنسوجات.
في أوائل القرن العشرين ظهرت التكعيبية التي هزت الأفكار الأساسية للفنون الجميلة، ليس فقط لأن بيكاسو قدم فرعا غير معروف للرسم، بل أيضاً لأنه حطم أفكار النهضة التي توحد الفن بالعالم من حوله، وكانت التكعيبية محفزاً لظهور مجموعة من الحركات الجديدة التي وسعت مفهوم الفن مثل: السوريالية والدادئية، والمفاهيمية، الأمر الذي أدى إلى ظهور أساليب وتقنيات فنية جديدة، وتلاشي جميع القواعد المرتبطة بعصر النهضة مثل المنظور والمحتوى والتكوين، وأصبح عنصر الذاتية من أهم عناصر الفن الحديث، ووجد الفنانون أنفسهم يتمتعون بحرية أكبر، وأصبح مفهوم الفن أكثر اتساعا وقبولا للأفكار الجديدة.


معنى الفن بعد الحرب العالمية الثانية
أدت الحرب العالمية الثانية إلى زوال باريس كعاصمة للفن العالمي، وتحولت نيويورك وأصبحت هي العاصمة الجديدة، وأصبح الفن منتجاً أكثر تجارية. تضاءلت المفاهيم الجمالية الكلاسيكية أكثر وأكثر وظهرت أساليب واتجاهات فنية مثل: التعبيرية التجريدية، والبوب أرت، وأصبح الفن أكثر شعبوية ودنيوية حتى ظهرت فنون ما بعد الحداثة.
تمت إعادة تعريف الفن خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، عن طريق فلاسفة ومنظري ما بعد الحداثة، وتحول التركيز في المهارة الفنية إلى المعنى والفكرة من وراء العمل الفني، بالإضافة إلى ذلك أصبحت العملية الفنية نفسها ذات أهمية بقدر النتيجة النهائية.
بسبب تغير وتطور معنى وجوهر الفن، أصبح هناك تساؤل عن المنتج الفني: ماذا لو أنتج أحد الفنانين شيئا ما يتوافق مع الآراء الجماهيرية بأنه فن، لكن لم تتقبله مؤسسة الفنون على هذا النحو، نظرا لعدم وجود توافق في الآراء بين الجميع حول معنى الفن؟. مثلا لا يمكن أن يتوافق معنى الفن بين شخص تلقى تعليمه تبعا لقيم وفنون عصر النهضة، وبين شخص آخر يفضل فنون وتركيبات ما بعد الحداثة، وبالمثل الشخص الذي يفضل التلفاز والفنون المرئية، يمكن أن يعتبر المتاحف مكانا مملا وغير جذاب، لذلك تختلف وتتغير القيم الفنية المعاصرة بشكل كبير.

الفن التجريدي
حتى أواخر القرن التاسع عشر التزمت معظم اللوحات والمنحوتات بالمبادئ التقليدية، ثم غيرت الانطباعية كل شيء، من خلال تقديم أنظمة ألوان غير طبيعية وغير معتادة، ثم جاءت التكعيبية لترفض فكرة العمق والمنظور في الرسم. بعد ذلك فتح الباب أمام المزيد من التجريب التجريد، ونظرا لأن الفن التجريدي يحتوي على عدد قليل من العناصر الطبيعية، لم يتم تقديره على الفور مثل لوحة كلاسيكية أو منظر طبيعي، لكن تميل اللوحات التجريدية لأن تحتوي على رسالة ضمنية أو نظرية فنية معينة، وهذا قد يجعلها أقل إمتاعا أو جمالا لبعض الناس، لكن هذا لا يعني أنها ليست أعمالا فنية ولها فلسفتها الخاصة.
هناك العديد من الأفكار النظرية وراء الفن التجريدي، ففي حين أن البعض أخذ فكرة الفن من أجل الفن، بمعنى أن يكون الفن خالصا بدون أغراض نفعية، اقترح آخرون أن يكون الفن مثل الموسيقى، حيث أن الموسيقى هي أنماط من الصوت، وتأثيرات الفن يجب أن تحدث بواسطة أنماط من الشكل واللون والخط. الفكرة في الأساس مستمدة من الفيلسوف القديم أفلاطون، وهي أن أعلى أشكال الجمال لا تكمن في أشكال العالم الواقعي، بل في الهندسة أو في التمثيلات الروحية ما وراء العالم المادي.

فنون الفيديو
فنون الفيديو هي نوع جديد من الفن المعاصر، تم تطويره ليصبح فنا مستقلا من فنانين تجريبيين مثل آندي وارهول ووولف فوستيل وجون بيك. وبسبب التطورات التقنية الحديثة في التكنولوجيا الرقمية، تمكن الفنانون من تحرير ومعالجة الصور والأفلام.
تظهر فنون الفيديو عادة في صنفين أساسيين، وهما عرض مقطع فيديو مصور بالكامل أو عرضه كسلسلة واحدة من الصور. يمكن مزج الصور أو الفيديو مع فنون الأداء والموسيقى لعمل عروض بصرية كاملة تتداخل فيها أنواع مختلفة من الفنون، خاصة مع تداخل الأنواع الفنية معا بشكل كبير في الفنون المعاصرة.
بالرغم من أن الصورة تبدو هي جوهر أعمال فنون الفيديو، لكن يجب التركيز على أن الجانب الأساسي للفيديو ليس الصورة إنما الحركة، وهو أمر يكمن في وجود الحركة في الوقت الراهن، والتغيرات التي تطرأ عليها في اللحظة التالية، لذلك يعتبر الفيديو حالياً وسيلة صالحة للإبداع بأشكال مختلفة ومتنوعة، بدءاً من العروض والمنحوتات التي تتضمن أجهزة التفزيون أو ملحقات الكمبيوتر، لكن لا يجب الخلط بينه وبين المسرح أو العروض التجريبية، بالرغم من أن الوسائط قد تظهر قابلة للتبادل أحيانا، إلا أن أصولها المختلفة تجعل مؤرخي الفن يميزونها عن بعضها البعض.
استخدم بعض الفنانين الفيديو لفتح نقاشات واسعة بشكل يتجنب القوالب المعروفة للسرد التقليدي، أو عن طريق عرض الموضوعات الشخصية والمحرمات بشكل مكثف على الشاشة كأعمال فنية. ونظرا لأن الفيديو كان جديدا بشكل جذري في وقته، فقد شعر بعض الفنانين المنزعجين من قيود المجتمع أن الفيديو فن مثالي لأعمالهم، ويمكن ملاحظة ذلك في الفنون النسوية التي اختارت فيها العديد من الفنانات عرض قضاياهن عن طريق الفيديو، بالإضافة إلى استثمار فنون الفيديو بشكل سياسي لعرض وجهات نظر الفنانين التي غالبا ما تكون على يسار السلطة.