}

مهرجان "رؤى": مساهمة في إزاحة تهميش الفيلم القصير

وائل سعيد 24 أبريل 2019
للمرة الثانية على التوالي أتابع فعاليات مهرجان القاهرة للفيلم المصري القصير "رؤى"، حيث بدأت فعاليات دورته الثانية يوم 11 أبريل/ نيسان الحالي واستمرت على مدار أسبوع، على مسرح الفلكي في حرم الجامعة الأميركية في القاهرة - الراعي الرسمي للمهرجان. وشهدت قاعة الإيوارت التاريخية حفل الافتتاح بحضور المخرج المصري علي بدرخان، لتكريمه على مشواره الفني، فضلاً عن معرض مواز لأشهر أفيشات أفلامه، بداية من فيلم "الحب الذي كان" أول تجاربه الإخراجية.
استهل الدكتور مالك خوري، مؤسس ورئيس المهرجان، حديثه بالتأكيد على الاستمرار في العمل على أهداف مهرجان "رؤى" السينمائي الذي لا يهدف إلى الربح، ويركز في كل دورة على اختيار باقة من الأفلام المصرية لسينمائيين ناشئين بهدف إتاحة المجال لعرضها على محبي السينما في المدينة، مُشيرا إلى أن الدورة الجديدة في العام القادم ستشهد تحديات أخرى؛ إذ تتم دراسة إمكانية تحويل الجوائز إلى جوائز مادية، كما ستكون هناك مجموعة من الورش المتخصصة السينمائية تقام على مدار أيام المهرجان. وتوجه بالشكر في حفلتي الافتتاح والختام إلى الشباب المتطوعين من السينمائيين، فهم الركيزة الأساسية الداعمة للمهرجان.
وأعرب خوري عن رغبته في أن يظل المهرجان معنيا بالفيلم المصري القصير، رغم دعوات
بعض السينمائيين إلى التوسع في الدورات القادمة باستقطاب أفلام عربية وأجنبية للمشاركة، مؤكدًا أن الفيلم القصير في مصر لا يزال يعاني من التهميش والظلم أحيانا، داعيا كل محبي هذا النوع السينمائي إلى المساهمة في إزاحة ذلك التهميش.
وتوجه علي بدرخان بالشكر لإدارة المهرجان على التكريم، مشيراً إلى أن الفيلم القصير ليس خطوة للفيلم الطويل، فالفيلم القصير له طبيعته الخاصة المتميزة والتي يعتبرها أكثر سينمائية من الفيلم الروائي الطويل، حيث يعتمد الفيلم القصير على التكثيف والتركيز ويتشابه في ذلك مع القصة القصيرة؛ بكيفية الوصول لمعنى إنساني أو قيمة أو فكرة في أضيق حيز زمني ممكن، الأمر الذي يحتاج لبراعة وقدرة عالية من المخرج، مؤكدا على أنه يجب العمل على الفيلم القصير بمواصفاته الخاصة والتعمق في أصوله كي نستطيع أن نصل به لمصاف المهرجانات العالمية للفيلم القصير.
اقتصر حفل الافتتاح على عرض سبعة أفلام قصيرة من جيل الرواد، أو دفعة 67 كما أطلقوا عليهم، والتي لوحظ فيها عكس ما ورد في كلمة بدرخان؛ حيث بدأت التجارب الأولى لخمسة من هؤلاء المخرجين بأفلام قصيرة، وكانت هذه التجارب بشكل أو بآخر بمثابة خطوات أولى في رحلتهم مع الإخراج: شادي عبد السلام، خيري بشارة، داود عبد السيد، محمد خان، وعلي بدرخان، فيما واصل كل من المخرجين هاشم النحاس وسمير عوف مسيرتهم في الأفلام التسجيلية.

دفعة 67 – تجارب ورواد
في حديث جانبي مع أحد ضيوف حفل الافتتاح، المخرج أحمد فؤاد درويش، تداعت الذكريات عن "الدفعة 67" حيث أفرزت العديد من الأسماء السينمائية الهامة في كافة المجالات، ومن ضمنهم أسماء المكرمين السبعة بعرض أفلامهم الأولى القصيرة.
أشار درويش إلى الحالة السياسية التي هيمنت على الساحة الثقافية والفنية وكيف عاشت مصر على كافة المستويات تبعات هزيمة أو نكسة 67، الأمر الذي أسهم في تشكيل ما يشبه التوجه العام حينئذ فيما بين الإدانة للقوى العسكرية وانكسارات الحلم الناصري، وبين البحث عن مسببات هذه النكسة والعمل على تجاوزها.
ومن الملاحظ في هذه الأفلام السبعة أنها كانت جميعا من إنتاج الجهات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة، فيما نلاحظ بمقارنة بسيطة بينها وبين الأفلام الجديدة المعروضة في المهرجان والتي اعتمدت على جهات مستقلة أو جمعيات سينمائية دولية في الإنتاج، مدى الاهتمام من قبل الدولة- فيما مضى- في خلق الفرص للأصوات السينمائية الجديدة، الدور الذي تحرك بزاوية حادة واقتصرت المحاولات المطروحة على الإنتاج المستقل فيما عدا بعض التجارب القليلة جدا.
"شاطئ النخيل – علي بدرخان، 1981": إنتاج المركز القومي للسينما، ويعتبر صورة متكاملة عن بدو سيناء عقب حرب أكتوبر 73، كما يشير الفيلم إلى العلاقة الوثيقة بين النخلة وبين البدوي، وكيف أن النخل يورث في هذه المجتمعات بين القبائل والعائلات الكبيرة، بالإضافة إلى الدور الهام الذي يلعبه النخل في اقتصاديات الصحراء.
"الفلاح الفصيح – شادي عبد السلام، 1970": وفيه يبرز العشق الأول للتاريخ الفرعوني والذي استمر عبر رحلة عبد السلام القصيرة فيما بعد، متجليا في رائعته "المومياء"، وقد فاز فيلم "الفلاح الفصيح" بجائزة "السيدالك" في فينسيا في نفس عام عرضه، ويعتبر معالجة لبردية فرعونية قديمة بعنوان "شكاوى الفلاح الفصيح"، تحكي عن فلاح تعرض للسرقة من أحد نبلاء المدينة، فراح يشتكي للفرعون فيما يشبه التضرع أو الصلاة.
"القاهرة 1830– سمير عوف، 1969": يعتبر عوف من أبرز الأسماء في السينما التسجيلية، ويقدم من خلال فيلمه عرضًا متتاليًا لوصف مصر طبقًا للرسومات التي رسمها ديفيد روبرتس، يستعرض من خلالها تاريخ مصر خلال القرن التاسع عشر.
"طبيب في الأرياف – خيري بشارة، 1975": ويتناول فيه قضية من القضايا المجتمعية الهامة، وهي نقص المستلزمات الطبية ومعاناة أحد الأطباء في قرية نائية ومعزولة في التحايل

على الامكانيات الشحيحة المقدمة لأهل الريف.
"النيل أرزاق – هاشم النحاس، 1972": ويرصد عدة لوحات من دورة نهر النيل الحياتية المتشعبة بين الصيادين والعمال الذين يستخدمون مياهه في النقل وما إلى ذلك، وبين المستهلكين في النهاية من مُشتري السمك أو زبائن المطاعم والكازينوهات المترامية على طول النهر.
"وصية رجل حكيم في قضايا العلم والتعليم – داود عبد السيد، 1976": وتتجلى فيه النزعة الفلسفية التي تميز بها عبد السيد فيما بعد، حيث يرصد الصراع المجتمعي الأيديولوجي بين الأصولية الفكرية للثوابت والمعتقدات وبين نظرة التحديث والحداثة من خلال طرح مقولة عميد الأدب العربي طه حسين "التعليم كالماء والهواء".
حصل الفيلم على جائزة التحكيم الخاصة من مهرجان الأفلام المصرية التسجيلية والقصيرة لعام 1977، وجائزة اتحاد النقاد المصريين في نفس العام مناصفة مع فيلم زميل الدفعة خيري بشارة "طائر النورس".
"البطيخة – محمد خان، 1972": يعتمد خان في الفيلم كعادته على التفاصيل الصغيرة والكثيرة في نفس الوقت، من خلال تتبع الحياة اليومية لموظف يعاني في سبيل توفير مصاريف المعيشة لأسرته، والتي لا يٌحقق منها في نهاية الفيلم سوى شراء البطيخة التي تجتمع حولها أفراد الأسرة في سعادة لأكلها.

أرقام وتوجهات
لا شك أن دورة هذا العام اختلفت كثيراً عن العام الماضي الذي وضحت فيه بعض الإخفاقات، كما أنه من الصعب أن نضع مهرجان "رؤى" في وضع مقارنة مع المهرجانات الأخرى الدولية أو المحلية التي تقوم عليها وزارة الثقافة أو المؤسسات العامة، حيث يخضع إلى منهجية التطوع بالأساس، التي يشترك فيها شباب السينمائيين من طلبة معهد السينما أو قسم السينما بالجامعة الأميركية، وتعتبر هذه الخطوة هامة في عملية تمكين الشباب وإشراكهم في العمل الجمعي، حتى أن المدير الرسمي للمهرجان من هذه النماذج الشبابية، الطالبة دونا ماجد التي تدرس حاليا بقسم السينما بالجامعة الأميركية، وقد شغلت منصب منسق العلاقات العامة في الدورة الأولى.
وبمتابعة الأفلام المشاركة سنجد أن جميعها تحمل توقيعات لمخرجين شباب، منهم من يشارك لأول مرة بعمل من إخراجه، ومنهم من اشترك بمشروع تخرجه، فضلاً عن أن النسبة الغالبة على جمهور المهرجان هي من الشباب أيضاً، من طلبة السينما أو مُحبيها، ما يخلق بيئة حاضنة يُجرب فيها هؤلاء الشباب استعدادهم لخوض مهرجانات أكثر توسعاً أو عالمية، ويكسر الكثير من حواجز الخوف لديهم بالتدريج، كما يوفر فرصا حقيقية لتجارب صغيرة قد لا تملك المقومات التي تؤهلها لخوض المهرجانات السينمائية؛ لا سيما وقد اشتركت بعض التجارب

بهذه الإمكانيات كفيلم "عشرة جنيه لحسام محمود" والذي يتتبع فيه خطوات صرف عشرة جنيهات يمتلكها أحد الشباب، وذلك بكاميرا الموبايل وبالاعتماد على برامج المونتاج العادية المتاحة على الانترنت؛ الأمر الذي يدعو إلى التأمل في دعم مثل هذه التجارب المستقلة، حيث بات من الواضح أن المبادرات المستقلة البعيدة عن ربحية القطاع الخاص وجمود وزارة الثقافة هي الأمل الوحيد حتى الآن في تحريك المياه الراكدة على المستوى السينمائي أو غيره من الفنون.
على الجانب الآخر، انقسمت المسابقات التنافسية للمهرجان إلى مسابقة أفلام البانوراما "روائي وتسجيلي" ومسابقة أفلام التجربة الأولى، بالإضافة إلى التنافس على جائزة الجمهور، والتي تتم من خلال التصويت على تقييم الأفلام المعروضة في كل حفلة ببطاقات تحمل عنوان كل فيلم وتحته مربعات تدريجية من 5:1 يتم من خلالها الاقتراع على النتيجة النهائية.
بلغ عدد الأفلام المتقدمة للمهرجان في الدورة الماضية 100 فيلم، وتم تصفيتهم لأربعين، فيما شارك في الدورة الحالية 71 فيلما من أصل 173 فيلما تقدمت للمشاركة، كما تضاعفت أعداد حضور الجمهور داخل حفلات العرض ليتخطى الألف مشاهد بزيادة ثلاثة أضعاف عن أعداد الدورة الأولى.
إلا أننا نلمح تغيرا ملحوظا عن السينما التسجيلية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ على سبيل المثال جيل الرواد، وهذه السينما الجديدة مع الشباب؛ حيث غابت القضايا المجتمعية أو القومية وما إلى ذلك عن تناول الشباب، ليحل محلها ما هو آني ومعيشي وحالي، بالتركيز على الهم اللحظي للإنسان، في ظل السيولة الأيديولوجية الحديثة المهيمنة على العالم ككل، كما تأثرت بعض الأفلام بأجواء غربية في التناول على مستوى عنوان الفيلم نفسه كفيلم "The cute psycho" للمخرج خالد أمجد شلبي - أحد طلبة الجامعة الأميركية- أو على مستوى التكنيك واختيار زوايا التصوير والمشاهد، وما يمكن أن نطلق عليه الفذلكة في بعض التجارب المُقدمة!

خمسة أفلام.. وفيلم
بديهي أن الجوائز ليست حكماً أساسياً على جودة العمل. كما أنها لا تعتبر تقييماً باتاً على تميزه، حيث يوجد الكثير من الأعمال العظيمة عالميا لم تحصل على أية جوائز، وهو ما ينطبق بشكل كبير على الفيلم الروائي القصير "أبي لم يستطع أن ينقذ الطائرة الورقية"، من إخراج خالد مدحت معيط، الذي حاز على نصيب الأسد في جوائز المهرجان، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم روائي قصير وجائزة أفضل إخراج بالإضافة إلى جائزة الإنجاز في التصوير والتي حصل عليها يوسف محمد علي، مصور الفيلم.
وجاء في المركز الثاني - من حيث عدد الجوائز- الفيلم التسجيلي "الأخوة سحاب" للمخرجة منار سعد وحصلت عنه على جائزتي أفضل فيلم تسجيلي وجائزة الإنجاز في المونتاج، ويتناول رحلة نشأة عائلة المايسترو العالمي سليم سحاب وأخويه.
فيما حصلت نهى عادل على جائزة أفضل سيناريو عن فيلم "مارشيدير"، وحصد فيلم "عزف" جائزة أفضل تصميم شريط صوت لخالد عصام، أما جائزة أفضل تجربة أولى فقد ذهبت للمخرجة نفرتاري عن فيلمها التسجيلي "الفن شارعنا" والذي يتناول معاناة فناني مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية.
وذهبت جائزة الجمهور لفيلم المخرج أحمد نادر "ونس"، الذي يرصد حياة "نبيلة" المُسنة بعد رحيل "محمود" زوجها، وعيشتها بين الخيال والواقع لتجسدات الزوج المتوفي عبر حجرات الشقة للبحث عن هذا الونس المفقود.
ضمت لجنة تحكيم المهرجان أسماء من الشباب كالمخرج ماجد نادر، ومدير التصوير فيكتور كريدي، بمشاركة كل من الفنانة سلوى محمد علي، والناقد نجاتي سونميز، ورئاسة الناقد السينمائي مجدي الطيب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.