}

الريادة والتنوع والاختلاف في مسرح عشتار الفلسطيني

صونيا خضر 11 ديسمبر 2019
مسرح الريادة والتنوع والاختلاف في مسرح عشتار الفلسطيني
لقطة من عرض "حب عالرف"
إنجازات وتحديات وصمود
تأسس مسرح عشتار في مدينة القدس عام 1991، قبل أن ينتقل ويستقر في مدينة رام الله، لأسباب تتعلق بأجندة الاحتلال الرامية إلى تفريغ المدينة المقدسة من المحتوى الثقافي والحراك الفنيّ الهادف لتطوير وتعزيز حرية التعبير ومواكبة الحركة الفنية العالمية.
عشتار لإنتاج وتدريب المسرح مؤسسة غير ربحية، وواحدة من أهم المؤسسات الفنية والثقافية في فلسطين، والتي لا تكتفي بمجرد إنتاج وإخراج أعمالها المسرحية، بل تجول بعروضها في أنحاء العالم، وتستضيف عدداً من الفرق المسرحية العالمية إلى فلسطين، في مسرحها الصغير، متحدية التعتيم الإعلاميّ، والتهميش المتعمّد، لفلسطين، قضية ومعنى وإبداعاً.
قام بتأسيس وتطوير مؤسسة عشتار لإنتاج وتدريب المسرح الفنانان إيمان عون وإدوارد معلم، وهما إثنان من رواد المسرح الفلسطينيّ المختصين والقائمين على إنتاج وتدريب واحد من أهم أنواع المسرح الحديث، وهو مسرح المضطهدين الذي يندرج تحته مسرح المنبر، أو المسرح التفاعلي، لمؤسسه البرازيلي أوغوستو بوال، الذي انتدب الفنان إدوارد معلم، ليكون مسؤولاً عن تدريب هذا النوع من المسرح في الشرق الأوسط، وليقيم المهرجان الدولي لمسرح المضطهدين في فلسطين في خمس دورات بين عامي 2007 و2015، بمشاركة فرق مسرحية عدة من جنوب أفريقيا، والبرازيل، وألمانيا، والبرتغال، وفرنسا، وبلجيكا، والبوسنه والهرسك، والسويد، والنرويج، والولايات المتحدة.
في جانب آخر، وبالتوازي مع أهمية مسرح المضطهدين، أطلق مسرح عشتار "مونولوجات غزة" عطفاً على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، وهي مونولوجات تروي يوميات وتجارب حقيقية كتبها أطفال من قطاع غزة ممن عاشوا وشهدوا على مأساة ذلك العدوان، وقام بأدائها طلاب المسرح، بداية في رام الله، قبل انطلاق العمل عالمياً، وبلغات مختلفة على مسارح 36 دولة في العالم، وصولاً إلى قاعات الأمم المتحدة في نيويورك عام 2010، لتستمر تلك العروض لغاية الآن.
هذا إلى جانب أنواع مسرحية عدة تخصص فيها مسرح عشتار، مثل مسرح المكان، وهو توظيف المكان كوحدة أساسية من وحدات العرض المسرحي، مع استبعاد الزمان في تقنية خاصة، يتنقل فيها الحضور بين الأمكنة المختلفة للمشهد ذاته، لعرض ما يحدث بالتوازي في زمن محدد، ومن زوايا عدة.
إذاً، فقد تخصص مسرح عشتار في أنواع عدة من المسرح، إضافة الى العروض المأخوذة عن الأعمال الأدبية المحلية والعالمية، والعروض المسرحية الفردية "المونولوج"، كما وعني بتدريب وتخريج أفواج من المخرجين، والمسرحيين، وكتاب السيناريو، من طلاب المؤسسة، واستمر في تحدي الظروف القهرية للأزمات المالية، والصمود في وجه احتمالات إغلاقه.


مسرحية "حب عالرف"
في الردهة المجاورة للمسرح الصغير، الواقع في مدينة رام الله ، يتجمع حضور مسرح عشتار في ألفة لا تعهدها المسارح العالمية، تتنقل الممثلة والمخرجة المسرحية إيمان عون بينهم، للاستقبال والترحيب، مخالفة لقواعد وطقوس الإحماء التي يتطلبها العمل المسرحي، لكنها تسمح لنفسها بذلك، كونها تعيش تلك الطقوس خلال يومياتها العادية، فالمسرح هو بيتها الأول، وخشبته هي ملعبها الاحترافيّ، في تمام الساعة الخامسة وخمس وخمسين دقيقة، تصعد إيمان إلى الدرجة الثالثة من السلم الخشبي الصغير، وتعلن بصوتها الجهوري اللطيف عن اقتراب موعد العرض، وفتح باب المسرح، لاستقبال الحضور، مع تذكير ضمني بالانفصال عن العالم الخارجي، وإغلاق الهواتف النقالة.
فور ولوج باب المسرح، يتفاجأ الحضور بتوزيعهم على المقاعد المحيطة والمتخللة والمتوسطة للقاعة الصغيرة التي تخلو من مسرح، لكن الفنانة عون تؤكد لهم أن ذلك أحد متطلبات العرض، وتساعدهم في انتقاء مقاعدهم، قبل اختفائها خلف الستارة التي تظلل الكواليس، وكأنها تظلل نافذة فحسب، يظهر الممثلون بين مقاعد الحضور، كل في زاويته ودوره، وفور جلوس الجميع، يبدأ العمل بالإضاءة على الفنان إدوارد معلم، متوسطاً الكراسي الخلفية للمكان، ومطالباً الفنانة بيان شبيب التي تقوم بدور هادية، ببعض البطاطا المقلية.
الفنان إدوارد معلم الذي يقوم بدور الكاتب المسنّ المصاب بأمراض الشيخوخة، يقوم بغالبية الحركة في هذا العرض، من دون أن يبرح مكانه، مستنهضاً الأدوار الحركية لبقية أبطال العرض، بعبارات مفتاحية يحرك فيها المشهد من زاوية إلى زاوية أخرى، من دون العبث بمركزية الفكرة التي تدور حول فتاة تبحث عن زواج قبل أن يفوتها القطار، يكشف، ومن خلال حوارات عفوية بينه وبين هادية، التي تقوم بدورها الفنانة بيان شبيب، عن الأبعاد النفسية والعاطفية للمتطلعات للزواج، والضغوطات المجتمعية والعائلية التي تتعرض إليها الإناث اللاتي يقتربن من نهاية السنّ المحدد للزواج في المنطقة العربية عامة، والفلسطينية خاصة، كما يشير من خلال تلك الحوارات، وبشكل هامشيّ، إلى الوحدة التي يعاني منها الإنسان في شيخوخته، من أبنائه، ومن محيطه، مهما بلغ قدره ثقافياً واجتماعياً.
الفنانة بيان شبيب التي تقوم بدور هادية، الممرضة البيتية للكاتب المسن، والفتاة التي تتعرض لضغوطات من عائلتها للزواج، فيما تريد لنفسها زوجاً من اختيارها، تتنقل بين الحضور ونقاط المشاهد المختلفة بحركات مسرحية متنوعة ومستمرة، وخفة تدفع الملل بعيداً عن عرض مدته ساعة ونصف الساعة، يكاد الحضور فيه أن لا يلتقطوا أنفاسهم لفرط ما يشبه لغة اليوميات العادية.
الفنان محمد عيد، الذي يقوم بدور جاسر، الشاب المخبري الخجول المرتبك، يؤدي لغة الجسد والوجه باحتراف شديد، ليقنع المشاهد بتداعيات خضوعه لسيطرة الأم التي هُدمت لأجلها شخصيته، وانسحقت لغيابها تماماً.
أما الفنانة إيمان عون، فتحبك زوايا المشاهد المختلفة، وتجعل منه نسيجاً متكاملاً عن طريق أدائها لستة أدوار مختلفة لشخصيات مختلفة، ليصبح عدد أبطال العرض عشرة عوضاً عن أربعة، ستة منها تؤديها عون، ويوظفها العرض للكشف عن الجوانب المختلفة لشخصية جاسر المرتبكة، هذه الشخصيات الست هي صاحبة محل عطارة، ومعالجة نفسية، وبائعة ثياب داخلية، ومذيعة لبرنامج إذاعيّ يعنى بالمشاكل العاطفية، ونادل في مقهى، وسائق سيارة عمومي، وتنقلت عون بين هذه الأدوار المختلفة، بأزياء مختلفة، ومشهدية عالية، استطاعت من خلالها تشريح اهتزاز شخصية جاسر وتعريتها.
"حب عالرف" هو آخر أعمال مسرح عشتار، مأخوذ عن مسرحية "منتجات مصرية" للكاتبة المصرية ليلى سليمان، من إخراج إميل سابا، وبطولة إيمان عون، وإدوارد معلم، وبيان شبيب، ومحمد عيد.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.