}

أوكتاجون: المدينة بعيون الفن

سارة عابدين 10 سبتمبر 2018
تشكيل أوكتاجون: المدينة بعيون الفن
لوحة للفنان عمرو الكفرواي

لم تعتد المعارض الجماعية على وجود فلسفة ما تجمع بين لوحات المعرض، كما يقول محمد طلعت مدير غاليري مصر.  معرض أوكتاغون القائم حاليا بغاليري مصر وحتى  9 سبتمبر/أيلول الجاري، يجمع ثماني فنانين من أجيال واتجاهات فنية مختلفة، ويقدم كل منهم أعمالا فنية جديدة لم تعرض من قبل، بعكس الشائع في المعارض الجماعية للفترة الصيفية. يضم المعرض أعمال لكل من الفنانين: عمرو الكفراوي، حازم المستكاوي، إبراهيم الدسوقي، إسلام زاهر، محمد عبلة، محمد رضوان، نجيب معين، صلاح المر.

ربما بسبب رغبة شخصية، حاولت خلق رابط بين الأعمال التي تختلف بين الرسم والتصوير والنحت، لأجدها في نهاية الأمر نظرات مختلفة على مدينة ما، أو يمكن إعادة ترتيب الأعمال لبناء كولاج سحري لمدينة هائمة،  في أطوارها وأوقاتها  المختلفة وتواريخها المختلفة، مدينة يحمل سكانها وحشية وبدائية ألوان وخطوط صلاح المر، صاحب الشخوص البسيطة المجردة ، والألوان القوية  ذات المساحات الواسعة، التي لا تخلو من الوحشية والبدائية التي تشبه وحشية السودان الأصيلة.

يقول المُر، إن اللوحات المعروضة ليست ضمن أي مشروع أكبر، لكنهن لوحات منفردات، وكل لوحة منفصلة عن الأخرى. اختار المُر أن يكون للوحاته عناوين؛ لأن العناوين تُسهل معرفة اللوحة، أو تذكرها في حالة غيابها، ولأن غالبا ما يكون خلف اللوحة حدث أو موضوع ما، ليس من الضروري أن يُشرك به المتلقي، لكن العنوان يمثل إشارة لذلك الحدث.

يصنف المُر أعماله على أنها (فيغر أبستراكت)، بالرغم من وجود شخوص بلوحاته إلا أن تلك الشخوص غير حقيقية، ولا تقترب حتى من النسب ولا التفاصيل الحقيقية، لكنها تحمل السمة التجريدية الخاصة بالمُر؛ تلك السمة التى سعى إليها، من خلال بحث دوؤب  في الفيغر واللون، والمساحات والتضاد والتناغم، وكيفية إقامة علاقة تشكيلية بين كل تلك المعطيات.

نظرة إلى لوحات الفنان التشكيلي إبراهيم الدسوقي، تسافر بنا إلى رحلة على أطراف المجرة، بدرجات الأزرق والأسود، التفاوت في درجات اللون وقدرة الدسوقي على الإنتقال بين درجات الإظلام والإضاءة، والتكثيف الشديد للواقع، في لوحات تدعو المشاهد إلى التأمل ببطء. وبالرغم من وضوح المشهد المرسوم تماما، لكنه يبدو في نهاية الأمر غريبا وغير حقيقيا. ربما يعتقد بعض المتفرجين، أن الدسوقي يتناول المنظر المستهدف بنظرة موضوعية، لكنه في حقيقة الأمر، كعادته يتناول ماهو واقعي، بنظرة ذاتية للغاية، تجعل اللوحات أشبه بمشاهد مقتطعة من الأحلام.

اختار الدسوقي منذ بداية الأمر الواقعية، والبعد التام عن التجريد، في الوقت الذي تنامى في الاهتمام بالتجريد، وأصبح هناك من ينظر إليه على أنه الممثل الأوحد للفن الحديث والمعاصر، استمر الدسوقي في حفر طريقه الخاص في التجسيد والتشخيص، ليذكرنا بلوسيان فرويد الذي اختار التجسيد في ظروف اجتماعية وتاريخية تشبه، الوقت الحالي من حيث بداية سيطرة التجريد، على الأجواء التشكيلية. 

مدينة الفنان عمرو الكفراوي يمكن أن تكون المدينة المعاكسة  لمدينة الدسوقي. نجد في لوحات الكفراوي مسحة تراجيدية  وظلامية، إذ تبدو المدينة  سوداء يطغى عليها الدخان. مدينة خالية من البشر الذين تركوا آثارهم عليها ثم غادروها لوجهة جديدة، وخراب جديد.

يقول الكفراوي إن اللوحات ليست جزء من مجموعة أكبر، لكنها تمثل المشروع الذي يعمل عليه حاليا بشكل عام، وهي مجموعة صغيرة من اللوحات المتراصة بشكل منتظم، والتي تمثل منطقة منشية ناصر بالقاهرة، التي لا يتعامل معها الكفراوي كمنطقة عشوائية أو فقيرة، لكنه ينظر إليها بشكل بصري تماما.

يعمل الكفراوي على فكرة المدينة، منذ سنوات وينظر للمشاهد والطرق والشوارع، نظرة كلاسيكية تماما، ويحاول ضبط التكوين واتباع القواعد الكلاسيكية الصحيحة، ليكون مشهد شعري منعزل، وهو في كل مدينة يذهب إليها يجد ما يشده بها.

يعمل الكفراوي بتقنية تجمع بين الفوتوغرافيا والطباعة والرسم، وفي اللوحات الحالية، كان هو صاحب تجربة التصوير، بعكس مرات أخرى كان يستعين فيها بفوتوغرافيا من مصادر مختلفة، وطباعة الليزر على الورق الخشن الذي اختاره الكفراوي تجعل هناك فرصة للإضافة أو الحذف، بعد الطباعة، بأقلام الفحم، أو الأحبار السائلة، ليصل في النهاية إلى حالة أقرب إلى الرسم من وجهة نظره. فهو يؤكد أن الرسم ليس فقط بالأقلام ولكن يمكن إطلاق مصطلح (رسم) على كل عمل فني يعطي تأثير الرسم، أيا كانت الخامات المستعملة.

اختار الكفراوي استعمال البراويز البيضاء، ليضفي على العمل الشكل التوثيقي، كأنها صور متحفية، توثق لمنطقة وحالة ما، بالرغم من المحتوى الفني للأعمال، ليقوم العمل في المجمل بمراوحة غامضة بين التوثيقي والفني في عيون المشاهد.

المدينة الأخرى اللافتة في واجهة المعرض هي مدينة محمد عبلة الملونة، التي تعيدنا إلى القاهرة في المساءات الصيفية الاحتفالية، بكل ما تحمله من صخب لوني محبب. اللوحة تبدو كأنها بحر كبير من اللون الأزرق، بزغت منه المباني والقوارب والأضواء، بألوان صريحة تراوح بين الأحمر والأصفر والبنفسجي والأخضر والبرتقالي، لتشبه اللوحة في النهاية كرنفالا للألوان.

تتقاطع في اللوحة المساحات الرأسية مع المساحات الأفقية، ما يجعل عين المتلقي تدور دون ملل داخل اللوحة، في إطار من التناسق الذي يمنح المباني القدرة على الرسوخ بداخل اللوحة، ويضفى جوا شاعريا لامعا على محيط اللوحة بالكامل.

اللوحتين الأخرتين لعبلة في المعرض، تختلفان عن اللقطة الملونة من حيث الشكل وزواية الرؤية، حيث قرر فيهما عبلة أن ينظر إلى المباني من أعلى ليصور الجانب الآخر للصخب والبهجة، يصور أسطح المباني المهملة، المتشابهة، الساكنة المعزولة تماما عن الصخب السابق، بدرجات لونية محايدة وألوان ترابية تراوح في أحد اللوحات بين درجات اللون الرمادي، وضربات من البرتقالي والأصفر والأزرق الباهتين، وفي اللوحة الأخرى يغلب عليها اللون الأحمر الذي يشبه لون طوب البناء الخام، ليعيدنا بذلك اللون إلى المناطق العشوائية المزدحمة الخانقة، بالقاهرة التي تفتقر إلى أي نوع من التنظيم أو الجمال، لكن في نهاية الأمر يجد عبلة طريقة لاختيار لقطة تحول تلك الفوضى إلى جمال. 

في أعمال الفنان حازم المستكاوي المعروضة بمعرض أوكتاجون، يمكن القول أن المستكاوي قام بتكثيف المدينة بالكامل وتحويلها وحدات نحتية مختلفة يمكن لكل شخص تأويلها بحكاية ما، أو برؤية بصرية ما. في أعمال المستكاوي التي يلتحم فيها النحت بالعمارة والخط العربي، ليكون ما يشبه جسرا بين حداثة الخطوط وانطلاقها وبين تراثية الخط العربي وتصميماته الإسلامية، بالإضافة إلى استخدامه لأوراق الجرائد لتغطية العمل النحتي  المصنوع من الكرتون المقوى بشكل كامل.

المتفرج بحاجة إلى الدوران دورة كاملة حول كل عمل من أعمال المستكاوي، حتى يمكنه التعرف على القطعة الفنية بالكامل، بعض الأعمال تحمل الطابع السيمتري، والبعض الآخر يختلف في كل جانب من جوانبه،  بين الخطوط المستقيمة والمنحنيات. لم يستخدم المستكاوي أوراق الجرائد لتوصيل رسالة معينة عن طريق الكلمات المكتوبة، لكن استخدمها بشكل بصري تماما، لتوصيل حالة خاصة الترابط العضوي بين الخطوط المستقيمة، والكلمات السوداء الصغيرة المتناثرة على سطح العمل النحتي المفاهيمي القائم على العلاقة بين الأشكال الهندسية، الناتجة عن تواشج التركيبات المعمارية المصغرة، ليسبغ عمق فلسفي روحاني، عن طريق مزج التجربة الروحانية بالتجربة الفنية، عن طريق خلق منحوتات مصغرة، أكثر ديمومة من المدن الدنيوية الزائلة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.