}

تكريم محمد ملص في المهرجان الدولي للسينما الآسيوية

مناهل السهوي 24 فبراير 2018
سينما تكريم محمد ملص في المهرجان الدولي للسينما الآسيوية
تكريم المخرج محمد ملص في فيزول

 

في اللقاء الذي جمعني مع المخرج السينمائي محمد ملص في مقهى "الروضة" بدمشق بعد عودته من فرنسا، أثار اهتمامي ما يرويه عن مشاركته في الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الدولي للسينما الآسيوية في "فيزول" الفرنسية كعضو في لجنة التحكيم الدولية، حيث تمّ تكريمه ومنحه شعار المهرجان "Cyclo d’or"، وعن المهرجان وقيمته السينمائية والفنية وعن تكريم ملص كان لضفة ثالثة التحقيق التالي:

بدأ ملص حديثه باستذكار تحضيرات ما قبل المهرجان: "أصارحكِ بأني في الحقيقة لم أكن أعرف أي شيء عن هذا المهرجان من قبل، وأن المتابعة التفصيلية من جهة المنظمين لكلّ صغيرة وكبيرة خلال المراسلات على مدى حوالي تسعة شهور وضعتني في البداية في حال من الملل والتردد، لكن الحضور والمعايشة اليومية خلال المهرجان الذي انعقد ما بين الثلاثين من كانون الثاني والسادس من شباط/ فبراير 2018 بينا لي الأهمية السينمائية لهذا المهرجان وخصوصيته وخاصة الانطباعات الطيبة التي تشكلت لديّ حول جمهور المهرجان".

منذ اللحظة الأولى لوصول القطار بضيوف المهرجان إلى فيزول القريبة من الحدود السويسرية فوجئ مخرجنا بالطعم الخاص والحميم لهذا الاستقبال، في محطة القطار فقد كانت السيدة الجليلة مارتين تيروان رئيسة المهرجان، وزوجها جان مارك تيروان مدير المهرجان على رأس المستقبلين، يتابع: "كان لديّ لحظتها فضول كبير لأتعرف وجها لوجه إلى السيد باستيان ميريسون المدير الفني الذي أنهكني في مراسلاته وتدقيقه وتساؤلاته ومشاوراته لكلّ فيلم من الأفلام الخاصة بي والذي ما أن تأكد من وجودي بين الضيوف حتى فتح يديه ليستقبلني بالعناق مما أشعرني بشيء من الحميمية الخاصة، والتي رافقتني لاحقاً في كلّ تفصيل من التفاصيل اليومية خلال أيام المهرجان كلها، ومما أكد هذا الانطباع الأولي، أنه وفي الساعات القليلة القادمة التي كانت تفصل وصولنا إلى حفل الافتتاح وجدنا أنفسنا جميعاً مدعوين إلى استقبال شخصيّ في منزل السيدة الجليلة وزوجها حيث كانت بعدها السيارات التطوعية لسيدات فيزول، المطلية بشعار المهرجان والمصطفة عند المخرج من المحطة جاهزة لنقلنا".

المنزل الصغير لرئيسة المهرجان ومديره، والذي غصّ بالكتب والأفلام والملصقات العديدة وصور ضيوف الدورات العديدة، قد غصّ كذلك مع حديقته بالضيوف والمدعوين وبصخب التعارف والطعام والشراب والموسيقى، ما أضفى طعماً أسرويّاً أليفاً، يقول: "بدا لي أني في هذه المدينة الصغيرة أمام احتفال أهليّ ذي مذاق ذاتي وشخصي بعيداً عن أي تصنيع، ولم يكن يتبين لأيّ منا من هو رئيس البلدية ومن هو السائق الذي أتى بنا". لينتقلوا بعدها سيراً على الأقدام إلى الصالة الكبرى لبلدية فيزول لحضور حفل الافتتاح الرسمي مما أتاح الفرصة لمزيد من التعارف بين السينمائيين الضيوف والمدعوين من سكان هذه المدينة.

أما عمّا تضمنه المهرجان فهو اثنان وعشرون بلداً أسيوياً، وخمسون ضيفاً، بالإضافة إلى مئات الأفلام، إنها السينما المرجعية الوحيدة خلال ما يقرب من ربع قرن في فيزول، بالإضافة إلى عروض أفلام المسابقة الدولية كان هناك أفلام "كلام النساء"، واستعادة لأفلام المخرج الصيني وانغ سياو شواي وأفلام المخرج السوري محمد ملص وتظاهرة السينما المنغولية "منغوليا الماضي والحاضر" بالإضافة إلى تظاهرة السينما الوثائقية وتظاهرة "ما قبل العرض الأول".

بعدها جرت دعوة لجان التحكيم الخاصة بالمسابقات العديدة والمسابقة الدولية، التي تضم في عضويتها بالإضافة للمخرج محمد ملص المخرج الصيني وانغ سياو شواي الذي يعتبر أحد السينمائيين المهمين في السينما الصينية المعاصرة، كما ضمّت اللجنة المخرجة الفلسطينية المعروفة مي المصري صاحبة العديد من الأفلام الفلسطينية، وكذلك الممثلة الفيليبينية ليزا دينو المتعددة النشاطات والأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية، والحائزة على لقب أفضل ممثلة، والتي ترأس اليوم مجلس تطوير السينما الفيليبينية.

بعد تقديمه للجمهور قام رئيس البلدية ورئيسة المهرجان بتقليد محمد ملص والمخرج الصيني وانغ سياوشواي درع الـ " سيكلو" الذهبي تكريماً لمجمل ما حققاه سينمائياً.

أما بما يخص المهرجان من عروض ونشاطات وفعاليات فقد أقيمت في مجمع "الماجستيك" حيث كُرِست صالاته السينمائية العشر لعروض الأفلام والتظاهرات المتعددة من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساء، أما قاعة "جاك بريل" في فندق ابيس المجاور فقد كُرّست للمؤتمرات والمقابلات الصحفية، يتابع ملص: "هكذا غدا الماجستيك المكان الذي قضينا أيام المهرجان في أرجائه، لننتقل بين صالة عرض وأخرى، وبين أروقته ومقهاه ومطعمه، نتلاقى ونشاهد ونستقبل ونتحاور مع الزحف المدهش للجمهور الذي لا يتوقف، بينما بدا وكأن السيدة رئيسة المهرجان ومديره ومنظميه لا يغادرون الصالات، وهم يتنقلون لتقديم العروض ومخرجي الأفلام وإدارة النقاشات بعد العرض".

 

الشجاعةٌ في تقديم المجتمع السوري

جاء تكريم المخرج محمد ملص عن مجمل أعماله السينمائية التي أنجزها خلال ما يقارب ثلاثة عقود، فعرض المهرجان تسعة أفلام من أفلامه الروائية والوثائقية، بالإضافة إلى الفيلمين اللذين كان قد حققهما مع صديقيه عمر أميرالاي وأسامة محمد وهما "نور وظلال" و" مدرّس". يقول محمد ملص: "ما أسعدني كثيراً، في عروض أفلامي هو شعوري بأني أستعيد نفسي، وأعيد ترميم الطاقة الوجدانية التي مزّقتها السنوات السبع التي عشناها في البلاد وأحزنني كثيراً أن أُستقبل بكلّ هذه الحفاوة والتقدير في هذا المهرجان، والذي لم يقابله في بلدي إلا الإقصاء المتعمد عن أي وجود سينمائي والتهميش لأي نشاط أو فعالية".

كما قدم ملص عرض أفلامه كلها في عرضها الأول (كل فيلم في المهرجان عُرِض مرتين) ولكن لم يُتح له بحكم عضويته في لجنة التحكيم المشاركة في الحوارات العديدة التي أقيمت بعد العروض. أما عن ردود أفعال الجمهور الفرنسي فيقول ملص: "في ممرات الماجستيك وعلى أعتابه وبين تنقلاتي في أرجائه (خاصة أنه من حسن حظ المهرجان، كان طقس المدينة جميلاً بينما كانت باريس تغرق في الثلج) كنت أرى في عيون الخارجين من عروض الأفلام، فأحس بالدلالات الجميلة والانطباعات الطيبة لما شاهدوه، بالإضافة إلى العبارات التي كان ينثرها العابرون من أمامي، فحاولت أن أحصي عدد المرات التي قيلت لي عبارة "كم هي شجاعة في الرؤية" أو عبارة مثل" ما هذا العمق والفرادة في التعبير عن المجتمع السوري".

 

من السينما المنغولية إلى السينما الصينية

تضمن الاحتفاء الخاص بالسينما المنغولية تعريفاً تاريخياً بنشأتها وتطورها خلال المرحلة السوفييتية، وأهم ما وصلت إليه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، مما أتاح لملص فرصة التعرف على عددٍ من مؤسسي هذه السينما وصانعيها اليوم، يقول حول أهمية هذا الاحتفاء: "أعتقد أن هذا كان ضربة معلم في التصور السينمائي لهذه الدورة فاختيار هذه السينما كان اختياراً ذكياً، فأدهش الحضور التعريف للمرة الأولى ببلد وبسينما لا تحظى بالاهتمام الضروري، أو حتى التعريف بها في العديد من الأوساط السينمائية في العالم. خاصة أن هذه السينما كما شاهدتُ، تضمّنت عدداً من الأفلام الكلاسيكية والروائية المأخوذة عن أعمال روائي كبير كـتشينكيز  ايتماتوف".

كما أن التظاهرة الخاصة بالتحية للمخرج الصيني وانغ سياو شواي والذي حقق العديد من الأفلام عن الحياة في المجتمع الصيني ونال العديد من الجوائز في كان وبرلين وروتردام منذ فيلمه الأول 1993 وحتى ثلاثيته عن الثورة الثقافية المستوحاة من ذاكرته الخاصة والتي بدأها بفيلمه "أحلام شنغهاي" الذي نال جائزة التحكيم في كان 2005.

 

كلام النساء واهتمام استثنائي

يلفت النظر أيضا التظاهرة التي حملت عنوان " كلام النساء" التي تمّ من خلالها عرض عددٍ من الأفلام الآسيوية التي انجزتها مخرجات من آسيا ومنها الفيلم الفلسطيني (3000 ليلة) لمي المصري، و"سيدة من سايغون" للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب.

كما أقيمت للتظاهرات الخاصة بالسينما المنغولية والصينية والسورية، سهرات موسيقية خاصة بها تبدأ في أروقة "الماجستيك" قبيل العرض المسائي وتستمر لما بعد منتصف الليل على شرف سينما البلد أو الضيف المحتفى به، يعقب على ذلك: "وقد فاجأتني الدقة في التخطيط حين أقيمت الأمسية السورية على عتبات عرض فيلم "باب المقام" مع ظهور المغنية السورية ندى موسى يرافقها على العود السوري معاوية عبد المجيد لتصدح بالموشحات والأغاني وسط حشود المتفرجين في أروقة الماجستيك ليستكملا ذلك بعد العرض في الخيمة الكبرى في حفل خاص بسورية".

يبدو أن مهرجان السينما في فيزول هو العيد الأكثر اهتماماً لدى أهالي هذه المدينة الصغيرة حيث يتجه الجميع إلى الماجستيك للاحتفاء ولحضور العروض المقامة، فقد وصل عدد المشاهدين للأفلام في هذه الدورة إلى 32500 متفرج كما تجلى ذلك أيضاً بتلك الروح التطوعية التي يقدمها السكان تعبيراً عن احتفالهم بهذا المهرجان، ليس فقط في عروض الأفلام بل المشاركة في دعم المهرجان، يعلق مخرجنا على ذلك: "تحسّ بأن الجميع يريد أن يستضيفك في أي شيء، وأن ينقل لك إحساسه بك، ورأيه بما شاهده والكثيرون يخبئون إجازاتهم السنوية في العمل لأيام المهرجان ليقدموا أنفسهم وسياراتهم لخدمة المهرجان مقابل المشاركة بالمهرجان وحضور العروض وحفلاته".

أما عن عضويته في لجنة التحكيم الدولية فقال: "كان أمامنا تسعة أفلام من بلدان أسيوية مختلفة تمتد من اليابان إلى إيران وأفغانستان وعلينا أن نمنح أحدها الـ " السيكلو الذهبي" وأن نمنح فيلمين آخرين جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة لجنة التحكيم ولم نتوقف طويلاً لمنح الفيلم الفيليبيني أمتعة –BAGAGE من إخراج Zig Dulay  "السيكلو الذهبي".

ومنح الفيلم الياباني "وداعاً جدتي" الفيلم الأول للمخرج الشاب موريجاكي ياكيهرو الجائزة الخاصة للجنة التحكيم والفيلم الصيني "طعم زهرة الأرز" للمخرج بينغفيل كما منح الفيلم الأفغاني "رسالة إلى الرئيس" للمخرجة رويا سادات تنويها خاصاً.

ينهي المخرج السوري حديثه بقوله: "لقد كانت رحلة ممتعة قضيتها هانئاً ومعززاً وأُتيح لي أن أشاهد العديد من الأفلام فبالإضافة لأفلام المسابقة الدولية فإني أخص أيضاً التعرف على المخرج الصيني وانغ والعديد من أفلامه ذات السوية العالية في التعبير عن الحياة والمجتمع الصيني اليوم"، كما نوه مخرجنا بالسوية التقنية والسينمائية للفيلم الأفغاني "رسالة إلى الرئيس" المنجز في أفغانستان والذي بدا له تقنياً وفنياً بأن السينما في أفغانستان قد تطورت وخطت بما يمكن القول بانها قد تجاوزت السينما السورية لسنوات عديدة في لغتها وفي إمكانية التعبير بصدق عن الواقع الذي تعيشه تلك البلاد مما يدعو للشعور بالحزن لأحوال السينما في سورية اليوم.

في النهاية وبعد أن روى ملص هذه المشاهدات والانطباعات أتساءل بشيء من الوجع والحيرة عن حالنا وعن التقدير الذي تتلقاه الطاقات المبدعة في بلدنا من الآخرين بينما لا نقوم نحن إلا بتهميشها وإقصائها؟!

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.