}

"خوش بوش" لمسرح عكا: الكوميديا بين التجريبي والتفاعلي

يوسف الشايب 16 نوفمبر 2018
مسرح "خوش بوش" لمسرح عكا: الكوميديا بين التجريبي والتفاعلي
مشهد من عرض "خوش بوش" برام الله

ظللت الكوميديا عرض مسرحية "خوش بوش" لمسرح عكا، في اليوم الخامس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، الذي نظمته وزارة الثقافة الفلسطينية والهيئة العربية للمسرح في الشارقة، على خشبتي المسرح البلدي بدار بلدية رام الله ومسرح قصر رام الله الثقافي، حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وهو العرض الذي اقتحم عوالم المقيمين في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، وتعالت معه على مدار ما يزيد عن الساعة بدقائق القهقهات، كما سادت هزات الرؤوس إعجابًا.

العمل تجريبي بامتياز، حيث قدم أفكارًا جريئة تختلف عن الأنماط التقليدية المتعارف عليها في العروض المسرحية، ولم  يقتصر على تناول أفكار معينة، بل تعمق في انعكاسات قضايا سياسية وفكرية وحتى دينية، عبر اقتحام عالم "المجانين" في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، حيث قدم ميسرة مصري معد ومخرج العمل عبر نزلاء المستشفى صورًا من الحياة والصراعات الاجتماعية والسيكولوجية عن الحب، والأمل، والتيه، ببعد فلسفي وتنظيري ذاب في كوميديا راقية، جسدها على الخشبة كل من كامل روبي، وإيهاب خاسكية، وعلي علي، وفؤاد عابد، ورامي زيدان، وعلي أسدي، وصفاء حتحوت.

وهذا يتعزز إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن من أهم أسس هذا المسرح، أي التجريبي، الرغبة بالخروج من المسرح في قالبه التقليدي وعلى مستويات عدة، لذا فالعمل نجح في تحقيق ذلك باقتدار، واستطاع باقتدار أيضًا تحقيق المتعة، لكنه لم يقحم نفسه في دائرة الارتجال، لذا بقي في منطقة وسط ما بين المسرحي التجريبي، والمسرح التفاعلي.

لم يغب التفاعل بمفهومه الواسع عن الانطلاقة المغايرة لمسرحية "خوش بوش"، حيث تجول اثنان من الممثلين بلباسهما داخل المسرحية (البيجامة)، ما بين الجمهور الذي ينتظر الدخول إلى صالة العرض، هناك في باحة قصر رام الله الثقافي، ومارسا دورهما كأعضاء في جمعية المختلين عقليًا، فأخذا يناغشان هذا، ويجذبان شعر ذاك، ويجلسان بجوار تلك، يطلب منها أحدهما أن توقع له ورقة تخوله الخروج من المستشفى، وهي التي بقي يحلم بها حتى نهاية المطاف، قبل أن يتجه العرض، قبيل انطلاقه الفعلي على خشبة المسرح، باتجاه حالة تفاعلية أخرى تجسدت بالتعريف بشخصيات المسرحية عبر فيديو مبتكر عرض في شاشة ثبتت في باحة القصر أيضًا، فانطلق الجمهور إلى العرض باندفاع وحافزية وتوقعات كثيرة، باعتقادي لم يخيب فريق العمل ظنهم فيها، أو في غالبيتها.

وتحتمل تأويلات عنوان المسرحية "خوش بوش" معاني عدة، كالحديث بصراحة ودون مواربة، أو الكلام الهراء، وبالدارجة "الحكي الفاضي"، أو حتى الكلام غير المفهوم أو مجهول الهوية، إن جاز التعبير، وكل هذه التأويلات وجدت نفسها في المسرحية التي راوحت في إطار كوميدي ساخر جلله السواد ما بين إبداعات حركة الممثلين على المسرح، وما رافقها من غناء حي، ورقصات، وموسيقى، لتشكل تكوينًا مسرحيًا مغايرًا بلا شك.

وعلاوة على ما تضمنته مسرحية "خوش بوش" من مشاهد بل لوحات كوميدية، كانت هناك الأغنيات أو المشاهد الغنائية التي ركبت بعض كلماتها بشكل ساخر على أغنيات شهيرة كـ"ع الندّا" للشحرورة صباح، قدمت بطريقة جميلة وساحرة، أضافت لأداء الممثلين الذين من الصعب التصديق بأنهم مجموعة من الهواة، ذلك الأداء الذي قدم بصورة عفوية بعيدة عن الاستسهال، والاستهتار بالمتلقي، وهو ما جعل العمل راقيًا رغم بساطة الفكرة والنص، ليقتحم الممثلون كما الجمهور أسوار المستشفى في إحالة رمزية إلى أسوار عكا التي قدمت منها الفرقة إلى رام الله للمشاركة في منافسات العروض المسرحية للمهرجان الذي جمع الكل الفلسطيني في دورته الأولى.

نسخة 2018

نسخة "خوش بوش" للعام 2018 فيها تجديد عن النسخة الأولى للعمل الذي حمل الاسم ذاته، وكانت انطلاقته في العام 2012، ففي السابق كان العمل يقوم على مجموعة "سكتشات" مسرحية، وبينهما روابط كانت بمثابة جسور للعبور من لوحة إلى أخرى، أو مشهد لآخر، لكن ما باتت عليه المسرحية وفق رؤية المخرج ميسرة مصري شكلت "نقلة نوعية" بالنسبة للمسرحية نفسها، والعاملين فيها، وقدمت شكلًا مغايرًا في المسرح الفلسطيني ربما.

وكان واضحًا أن ثمة مساحة للارتجال في العمل داخل تكوينات "خوش بوش" الجديدة، أتاحتها طبيعة الشخصيات التي هي "مختلة عقليًا" داخل "مستشفى للمجانين"، ولكن دون استهتار، وهي لعبة صعبة أجادها الممثلون الذين انطلقوا سويًا كهواة في العام 1995 من داخل مخزن في أحد أزقة عكا، قبل أن ينطلقوا إلى الحارات، ومن ثم هواة على خشبة المسرح، إلى أن قدموا عملًا أبهر جمهور مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الأولى، لهذه المجموعة التي تفرقت وأعادت لم شملها في العام 2010.

وأختم بظهور الممثلين بـ"البيجامات"، ففي هذا الظهور تأويلات عدة، من بينها دخولهم في حالة تأهب دائم للنوم، أو ربما للاستيقاظ، أو أنه مجرد لباس موحد بعيدًا عن التأويلات، ليخرج هذا العمل المحمل برسائل مهمة، وقضايا شائكة، ورؤى، وأفكار، حملها معه الجمهور، بعد أن عثر عليها حيث كان تتخفى في منطقة ما وراء الكوميديا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.