}

ضياء العزاوي: الفن الطباعي ممارسة كرّست المواقف والخيال

سعد القصاب 13 سبتمبر 2017
تشكيل ضياء العزاوي: الفن الطباعي ممارسة كرّست المواقف والخيال
عمل للفنان العراقي ضياء العزاوي

كتــــــــب 

كانت تجربة جمالية فارقة، تلك التي تعيّنت مع نهايات العقد السادس حتى ثمانينيات القرن المنصرم، في الممارسة التشكيلية العربية، العراقية خاصة، والمتعلقة بحضور فنون التصميم الطباعي، بوصفها خطابا محرضا للتغيير السياسي وتعزيز المواقف الاجتماعية والثقافية. هذه الفنون التي ضمت الملصق الجداري(البوستر)، الفن الطباعي ( فن الحفر والطباعة على الشاشة الحريرية)، الإخراج الطباعي في مجال تصميم الكتاب والدوريات والمجلات والنشريات المتنوعة. وهو ما شكّل جهدا فنيا آزر وتضافر مع النص الإبداعي والخطاب العربي الثقافي، اللذين كانا محملان بتطلعات التغيير والثورة ومناقب النضال السياسي.

عقدا الستينيات والسبعينيات، سنوات ثورية بامتياز في الواقع والإبداع العربيين معا. بخلفية مساندة حركات التحرر في العالم "الثالث"، ونضالات القضية الفلسطينية بفصائلها المسلحة، وتطلعات الدولة العربية لما بعد الاستقلال. توجهات غدت مضامين وعناوين حاضرة بقوة في فن الملصق وفن الغرافيك والتجارب الطباعية للفنانين العرب. قراءة هذه التجربة التي امتدت ما يقارب العقدين من الزمن، ستغيب بعد زمن في مدونة النقد الفني العربي، إلا من بعض إشارات عابرة عنها، أثناء الحديث عن تجربة فنان عربي ما أو جماعة فنية أو ممارسة لنوع فني يماثلها.

كتاب المصممة والباحثة اللبنانية لينا الخطيب، " ضياء العزاوي، أتخاذ موقف: الفعالية عبر التصميم الغرافيكي"، والصادر حديثا بالعربية والإنكليزية عن منشورات "مكتبة التصميم العربي، أمستردام"، استثناء لا يخلو من الجدة يضاف الى مكتبة النقد الفني العربي، لجهة كونه جهدا بحثيا يستذكر ويستعيد أهمية فن التصميم الطباعي، ومن خلال مقاربة تاريخية ونقدية، لتجربة الفنان العراقي ضياء العزاوي" 1939"، وقراءة في التحولات التي شهدتها انشغالاته في مجال التصميم والفن الطباعي، منذ منتصف ستينيات القرن المنصرم حتى ثمانينياته. تلك التي شملت ممارسات فنية متنوعة ومتعددة، غزيرة في نتاجها، متمثلة بالإخراج الطباعي للكتاب والدورية، الملصق، الفن الطباعي، المبادرة بتنظيم المعارض والفعاليات ذات الطابع العربي والإقليمي الخاصة بفنون الطباعة "معرض الغرافيك للفنانين العرب 1978، بينالي العالم الثالث لفن الغرافيك 1980، مثالان".

تفترض الباحثة لينا الحكيم، من كون تعدد الممارسة التشكيلية للفنان العزاوي، في مجالات الرسم، الفنون الطباعية والتصميم الطباعي، متأتية بدافعية موقف هو بمثابة عتبة، ودعوة، للتغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي العربيين. الكتاب في فصوله الثلاثة يبين انتقالات العزاوي وتجاربه، في تعزيز وترويج الفنون الطباعية، مع مجايليه من فنانين عراقيين" رافع الناصري، صالح الجميعي، هاشم سمرجي"، وعبر معارض مشتركة لفن الغرافيك والملصق، اقيمت في بغداد في سبعينيات القرن الماضي. وبالتزامن مع فعاليات أدبية وثقافية، مثل مهرجان المربد الشعري. كما في اهتمامه بالعلاقة بين الممارسة التصويرية والنص الشعري، التي بدأت بتصميمه أغلفة العديد من دوواين الشعراء، ومرافقة نصوصهم الشعرية بتخطيطات فنية، كما في ديوان "أنتظريني عند تخوم البحر"، للشاعر يوسف الصائغ. ومن ثم أنتقالة العزاوي بتأصيل هذه التجربة من خلال دفاتر الرسم، ومنحها بعدا هوياتيا وثقافيا، باستلهامه وتوظيفه الأثر التراثي " مخطوطة يحيى بن محمود الواسطي المصورة" لمقامات الحريري، وحيث سيصار الى استخدام النصوص الأدبية لشعراء وروائيين في إنجاز دفاتر الرسم تلك.

التصميم فعل تواصلي

كانت بدايات انشغال العزاوي بفن التصميم، قد جاءت بدافع مهني، حينما تم تكليفه بالإشراف على العروض الآثارية في المتحف العراقي في بغداد، في نهاية ستينيات القرن المنصرم. عزز هذا الانشغال مع الكتاب المطبوع، لقاءات مع الشعراء والأدباء، تحققت عبر تخطيطات فنية لمجاميع شعرية، وبنصيحة من الأديب والروائي جبرا إبراهيم جبرا. كان ذلك الاهتمام هو بمثابة أداة تحريضية لتطوير الأداء التعبيري في الممارسة الفنية للعزاوي، التي بدأت من قبل في مجموعة رسوم مكرسة لملحمة  غلغامش والتي نشر بعضها في حينه بإحدى المجلات العراقية، ثم تبع ذلك مجموعة رسوم لنصوص شعرية للحلاج.

تذكر الباحثة الحكيم في الفصل الأول "العمل الثقافي والسياسي: الفنون الغرافيكية والمجلات والمعارض"، من كون العزاوي قد قدم الى فن التصميم برؤية رسام، كان منجزه التصميمي وقتئذ، الملصقات خاصة، تميل أكثر لمقاربة اللوحة منها لفن التصميم بقوانينه ووظائفيته. إلا أن ملاحظات المصمم والمصور الفوتوغرافي "ناظم رمزي"، أثراها بتزويده بالطريقة الصحيحة لفعل الأشياء. منذ تلك الممارسة سيكون لتجربة الفنون الطباعية، الملصق والنشر الفني والإخراج الطباعي، أن تحضر بوصفها نشاطا ثقافيا ومشاريع فنية عامرة، قائمة على المشاركة والحوار والتعاون مع المبدعين من جيله.

وجاء شغله لدرجة مستشار فني في المركز الثقافي العراقي في لندن " 1977-1980"، تتويجا لمسعى أتسع لتعريف الجمهور البريطاني بالنتاج الثقافي العراقي، بتراثه وتجاربه الفنية الحديثة إضافة للصناعة والمنجز التقليدي الوطني، مع استضافة لمعارض جماعية تمثلت كمساهمة فعالة لتقديم فهم أفضل لتجارب الفن العربي، خاصة، مع إصدار مجلة فنون عربية، التي شكلت انتقالة فارقة في المطبوع الفني المعني بجماليات الفنون العربية.

 

التصوير في أطار المرجعية الشعرية

يذكر الفنان العزاوي في المقابلة التي أجرتها الباحثة الحكيم معه، وضمنتها دراستها، أن "الشعر أقرب الى الرسم من جوانب متعددة. لاسيما القوة الإيحائية. والقصائد هي الركائز الأساسية في العملية التشكيلية". مثل هذا القول كان قد تجلى في تجربة العزاوي الطباعية عبر التعاطي مع تجارب شعرية قديمة وحديثة وتمثل أثرها الإبداعي، حينا على شكل تصميم لأغلفة لدواوين شعر، أو تخطيطات فنية داخلية مصاحبة للقصائد، أو أعمال طباعية مستقلة. وهي تجربة اقترحت علاقة أكثر عمقا بين الأدب والفن التصويري، عدا، عن كونها حملت قدرا من المضمون الثقافي الذي أطّر فضاءات هذه التجربة.

يثق الفنان العزاوي بأن الإحالة المتبادلة والقائمة ما بين اللغة والتجربة التصويرية، ممارسة ذات طابع أصيل في بنية النتاج الجمالي العربي الإسلامي، متمثلة بفنون الخط وفنون صناعة الكتاب والمخطوطة المصورة. إحدى نتاجاته الشديدة البلاغة التي تمثلت هذه العلاقة، انجازه "المعلقات السبع"، كمجموعة طباعية مستقلة، مستلهمة معلقات الشعراء الجاهليين السبع كمرجع جمالي لإحداث أثر تعبيري في تجربة فنية حديثة. والتي قدمها عبر نص حمل تصوره وتعليله الإبداعي عنها، منه:" تأتي حركة الشكل والكلمات المتناثرة الخالية من سياقها اللغوي، لتخلق تعبيرا يلغي التوازن ويكون هو البديل البصري المكون من عناصر المعلقة المرسومة ( الكلمات، الأشكال، الرموز) وهكذا يمكن للمعلقات أن تخلق حاضرها خارج ماضي القصيدة وتفاصيلها اللغوية، لتصبح إشارة بصرية معاصرة".

 

الهوية بوصفها بعدا جماليا

 في الفصل الثالث الذي حمل عنوان "تجليات للهوية: التراث، الملحمة، التراجيديا، وشهادة العيان". تعاين الباحثة تجربة الفنان العزاوي عناصر الهوية الجمالية في أعماله بالعلاقة مع طريقة تمثله لموضوعات وإعادة اكتشاف ممارسات تشكيلية فنية ذات صلة بالمرجعية التاريخية، الحضارية، عراقيا وعربيا، والتي تكاد تتمثل بكونها هوية مشتركة في منجزه الفني.

بدءا من تطويره للأطروحة الفنية لجيل الرواد" جواد سليم، فائق حسن"، ذك الشغف الفني القائم على ما هو محلي وفلكلوري، بذلك جاءت العديد من تجارب الفنان محملة بتشخيصية رمزية تحتفي بأشكال زخرفية وخطوط ذات طبيعة متقشفة وحساسية تعبيرية تنتمي بمرجعياتها الى فضاءات بيئية وفلكلورية محلية. ومن ثم تناوله لموضوعة الأسطورة والملحمة في أعماله، وتمثيلات ما هو تراجيدي في موضوعات حملت نماذج تعاين الصراع الإنساني ضد قوى التسلط، خاصة في شخصية الفدائي المقاوم، وموضوعات تتمثل أبعاد القضية الفلسطينية، كما في أعماله" شاهد على العصر" ، ومطبوعة " النشيد الجسدي".

في كلمتها، والتي جاءت على سبيل الشكر، تكتب الباحثة لينا الحكيم: "أن نتاج ضياء الغزير والخلاق، وروح المبادرة الموجودة لديه، واستعداده الدائم للتعاون المهني، وتوثيقه الحثيث لنتاج الفني والثقافي في العراق والمنطقة قد كانت جميعها حافزا وإلهاما لي من خلال قيامي بالإعداد لهذا المشروع. لقد كان فعلا من دواعي سروري أن أكون شاهدة على بلاغته الإبداعية والنقدية، وعلى ملكة التعبير لديه التي لا مواربة فيها، وعلى ضحكته الرائعة".

 

*فنان تشكيلي وباحث من العراق

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.