}

لنرسم الكبار ولو كانوا من معلمي جنوه

أسعد عرابي 16 سبتمبر 2017
 لماذا حجبت كنوز الرسم والتصوير في جنوه عن الجمهور طوال هذه العقود؟ وكأن إيطاليا مكرسة فقط لعصر النهضة المركزي في روما وفلورنسا ونجومه المعلمين الثلاثة: رفائيل – مايكيل أنجلو – ليوناردو دي فينشي وتلامذتهم ومعاونيهم وأساطيرهم ما بين الفاتيكان وبلاط فرانسوا الأول؟ ألا تثير هذه المركزية التاريخية العجب خصوصا أنها أثبتت اليوم خطأ أكاديمياً أقل ما يقال أنه يزور التاريخ الفني.

ثبت اليوم أن هناك مدرسة جنوه المتفوقة في الرسم وفي تعقيداته التقنية. وأبرز ما تحمل في خصائصها التقليدية أنها لا تفرق بين العناية باللوحة الزيتية أو الفريسك وبين رسوم الورق بالحبر وبقية المواد التي تعقدت في محترفات جنوه وذلك باستخدام مواد سائلة حافظة على المادة والنور لسنوات طويلة أشبه باختراع مواد التحنيط. لنستمع إلى الذريعة المتحفية البيرقراطية في هذا التبرير، بأن الجذب السياحي الكبير إلى هذه الثروات الخطية والأنكى من ذلك أن كمية الضوء التي هيأتها جغرافية المنطقة قادت إلى الخشية من تغيير هذه الشروط المناخية عندما تنقل إلى الإضاءات المصطنعة في متحفي اللوڨر ومدريد وروما حيث يوجد قسم كبير منها الآن. اليوم بعدما ارتفعت أسعارها بطريقة فلكية قررت إدارة متحف اللوڨر أن تمحو الغبار عن مستودعاتها رقم 11 لتفاجأ بأن عدد أوراقها الرحبة يتجاوز الأربعمئة وثلاث وستين رسماً لا تقدر بثمن.

اختير منها بعناية مئة تحفة علقت في رواق اللوڨر للمشاهدين الزوار، نموذجيته تعبر برأي مختصي اللوڨر عن البقية.

بالنتيجة إن أبرز تظاهرات ومعارض عاصمة التشكيل هي التي تعالج محوراً أو موضوعاً لم يطرق سابقاً أي المعارض التي تفتح نافذة طازجة لا تخلو من نية التجديد وتجنب الوصفات السياحية والإغراءات المكرورة (تدعى بالفرنسية الدارجة، تارت على كريم).

أثارنا منذ البداية عنوان معرض اللوڨر الطريف "لنرسم مع الكبار"! بما يعانق الجملة من مجاز تحريضي يدعو إلى النكوص إلى رسم عبقرية المعلمين القدامى، رغم أن تقليدهم ضرب من المستحيل من قبل الصغار الهواة، وهم الغالبية الغالبة اليوم التي تستبيح الحداثة والمعاصرة في الفن.

الواقع أن موضوع معرض اللوڨر لا يخلو من الإنجراف مع تيار موضة تنافس ورقيات الرسم لأقمشة اللوحات في المزادات والأسواق والعروض الكبرى والمبيعات. استجابة إلى موضة هذه الشعبية الحديثة نسبياً أو مجاملة لشعبية الموضة الأخيرة.

ما أن تنتقل إلى العنوان الممشوق القوام أفقياً حتى نتبين أن المحور هذه المرة نافذة إيطالية متفرعة من عصر النهضة، لا زالت كالصدفة المغلقة على أسرارها، لنتأمل بقية العنوان المسهب وما يحمله من معلومات:

رسوم جنوه في العهد الربيبليكي ما بين عامي 1528م و 1797م لأنها بعد هذا التاريخ ألحقت بالخارطة الإيطالية، في حين أنها ما بين هذين التاريخين كانت مستقلة. بسبب غنى تجارتها المتوسطية فهي مرفأ ثري أشبه بڨينيسيا، استطاعت عائلاتها الغنية أن تنعش الفنون بما توفر لها من فائض الغنى والكفاية، لدرجة أن ملكها وبسبب شدة إعجابه بمدرسة هؤلاء العباقرة فقد استدعى كل تلاميذ رفائيل إلى محترف شاسع في العاصمة مقابل الكنيسة ليمارسوا فنهم بحرية وبذخ ورخاء في أفضل الشروط على أن يتعلم منهم فنانو جنوه ما ينقصهم. وهكذا كان لسنوات طويلة.

كثيراً ما يشاع بأن العبقري فان دايك المعاصر لهؤلاء الكوكبة عمل معهم لفترة الدليل متحف برادو في مدريد حيث جمعت بعض لوحاته إلى جانبهم. والرواية أضعف بخصوص روبنز الذي توفي في النصف الثاني من القرن السابع عشر. نعرف بعض أسمائهم ولكنها ليست شائعة اكتشفت في معرض حديث أقيم في متحف اللوڨر عام 2010م ولم يكن يتجاوز عدد لوحات جنوه الخمس لكنها شدت انتباه الذائقة والنقاد أكثر من غيرها، يعانق المعرض ثمانون لوحة منتقاة بعناية ما بين متحف اللوڨر والمتاحف الإيطالية، ناهيك عن عدد من اللوحات الزيتية الكاملة وعدد من الاستامب المحفورات المعدنية، تقع هذه المجموعة بين اسمين بارزين هما: لوسيا كامبيازو وحتى ألكسندر مانياسكو.

ابتدأ العرض منذ منتصف حزيران/يونيو مستمراً حتى أواخر أيلول من العام الراهن 2017م وذلك في قاعة روتوندسوي.

لا شك أن الوضع الجغرافي المتوسط هو مرفأ شبه مستقل كبرزخ عن الجزمة الخرائطية الإيطالية يستقبل في عمقه أمواج البحر الأبيض المتوسط مع التأثيرات الحضارية خاصة القادمة من جزيرة تكريت. هو ما يفسر تمايز الأسلوب نسبياً عن قواعد عصر النهضة واستشراف جزء من خصائص المدرسة الفرنسية المتفوقة بأقلام الباستيل وعلى رأسها جورج دولاتور وڨاتو، لا شك أن للجيرة أيضاً قرابتها لنتذكر مالقا بيكاسو في الأندلس وڨالوريز الفرنسية القريبة منها، يضيق الرأس الذي يقع في وهم تطابق الخرائط الجغرافية مع الثقافية، ومعرض اليوم أكبر دليل على هذا التناقض.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.