}

النحت العربي "فيه أمل".. جديد آدم حنين

هشام أصلان 20 أبريل 2017
يخطو النحات المصري آدم حنين باتجاه التسعين، تاركًا مع كل خطوة أثرا لفنان لا يتوقف ما يقدمه يوميًا من جمال إلى هذه الحياة، غير مشغول إلا بالفن كمقاوم للعبث. فقط الفن.

كانت السيول أغرقت كثيرا من بيوت مدينة أسوان، تزامنًا مع ختام السيمبوزيوم الدولي للنحت 2012، تقريبًا.

المُحافظ سيتصرف كموظف يعرف دور المسؤولين في هذه الظروف. تعويضات تقليدية للمتضررين، ووعود ببيوت غير البيوت التي أغرقها السيل. بعد حفل ختام السيمبوزيوم، سيطلب لقاء الصحافيين المتواجدين لتغطية الفاعلية الفنية الكبيرة. جلسنا حول طاولة في مطعم الفندق، وجاء آدم. استرسل المحافظ يشرح للصاحفيين ما ستفعله الحكومة لمتضرري السيول. كنا محرري فنون وثقافة، ولكن لا بأس. قام آدم مستأذنًا بجُمل ليست واضحة، معناها: "متعاطف جدًا مع الضحايا، لكن مضطر أمشي لأني مش مشغول باللي بتقولوه". ليس عدم اكتراث، لكنها ليست شغلته.




بناء يبدأ من الهدم

قبل نحو عشر سنوات، اضطر آدم حنين، إلى هدم منزله يأسًا من محاولات إصلاح ما أفسدته مياه جوفية اجتاحته ضمن عدة مبان في قرية الحرانية. كان شيدها المهندس رمسيس ويصا واصف منذ نصف قرن أو أكثر، على طريقة المعماري حسن فتحي. تصميمات معمارية تجمع بين الشكل الفريد واحترام البيئة المحيطة، وطريقة علمية تتعامل مع درجات الحرارة وضوء الشمس.

المباني تكونت من مركز عالمي لفنون السجاد، ومتحف للفنان حبيب جورجي، بالإضافة لمنزل آدم حنين، الذي ضم مجموعة كبيرة من أهم أعماله، أشهرها "سفينة آدم".

عاش آدم في غرفة مجهزة للمعيشة، كانت ملحقة بمكان عمله، أملا في استغلال مساحة المنزل في بناء متحف، تنتقل ملكيته للدولة في المستقبل.

بعد سنوات، سيستطيع مع عدد من المهتمين إنشاء مؤسسة، تحمل اسمه. أصبح لدينا متحف كبير، يليق باسم أهم نحاتي مصر، وأحد المعروفين عالميًا منذ ظهور محمود مختار. لكنه مع القائمين على إدارة المكان لن يكتفوا بأن يصير المتحف مكانًا أنيقًا لعرض أعمال آدم.



عباءته تفتح مجددًا


منذ أيام قليلة، اُفتتح معرض الأعمال الفائزة في الدورة الأولى لمسابقة "آدم حنين" للنحاتين دون الخامسة والثلاثين من مصر والعالم العربي، في مركز الهناجر للفنون.

"تأتي المسابقة ضمن حزمة أنشطة حرصت المؤسسة على تفعيلها إسهاماً منها في دعم الحراك الفني لدى الشباب، وتقديم أسماء جديدة إلى المشهد. تقدم لها خمسون فنانة وفناناً، تم اختيار عشرين لينتقلوا إلى المرحلة الثانية من التصفيات، ورصدت المؤسسة خمسين ألف جنيه كجائزة أولى، بينما تمثلت الجائزة الثانية في الإقامة لمدة أسبوعين والعمل في أتيليه الفنان آدم حنين وتحت إشرافه".


طيلة الوقت، يبدو على آدم اللامبالاة، لكن الأمر ليس هكذا بالضبط. منذ سنوات، وعندما زار اعتصام وزارة الثقافة، لم يهتم بالجلوس وسط مشاهير الأدب والفن والسياسة. ولم يحشر نفسه في الزحام المواجه لكاميرات التليفزيون. جلس على كرسي في أحد الأركان، بوجه برونزي مُحبب، وشعر لم يصفف بعناية، وعينين فيهما عمق الدنيا، ليتابع بفرحة طفولية ما يجري، قبل أن يذهب كل انتباهه إلى طفلة لم تتجاوز العشر سنوات تجلس بالقرب منه وفي يدها قلم وورقة، تحاول رسم شيء ما.


"اليوم أجد مصادر متعددة للسعادة. سعادة بهذا الحراك اللافت لفن النحت، واهتمام الشباب بالدخول إلى أعماقه. سعادة بخمسين فنانة وفناناً، بادروا بالتقدم للجائزة. وسعادة بأن الأعمال العشرين التي بلغت التصفيات الأخيرة، تتقاسم فيها المرأة مع الرجل هذه الإبداعات، وهو مؤشر يدل على أن الفن المصري، لا يمكن أن يمنعه أو يحده أي فكر أو تيار"، يقول في كلمة افتتاح معرض الفائزين بالجائزة في دورتها الأولى بمركز الهناجر للفنون، ولديه أمل في "أن يستمر دورها المأمول، لتكون شرياناً جديداً لشباب النحاتين، ودافعاً لهم ليستمروا في مسيرتهم".



فنان وليس مُناضلًا

لن تجد عند آدم حنين عملاً فنيًا يصور حالات النضال الوطني بشكل مباشر، لكنك سوف ترى هذا في تمثال فاتن لأم كلثوم، أو كرة غرانيتية متوسطة الحجم، بها عدة خطوط بسيطة، تدقق فيها لتعرف أنها رأس صلاح جاهين. ما فعله آدم حنين في فن النحت، يشبه ما فعلته فيروز في الغناء وصلاح جاهين في الشعر وسعاد حسني في التمثيل.

هو هذا النوع من الفنانين، الذي يصل لعدة مستويات من التلقي والبساطة، العمق صاحب السهل الممتنع.





كلمة لجنة التحكيم


الأساليب الفنية في الأعمال المقدمة للمسابقة تنوعت، وفقا لبيان لجنة التحكيم، بين "ما اهتم أصحابها بالمضمون، وبين ما اهتم أصحابها باللغة البصرية المجردة، رغم ذلك تقاربت المستويات الفنية بين كل الاتجاهات. من الواضح أنه أصبح هناك حراك إيجابي لحركة النحت المصري والعربي"، غير أن ارتباط الأمر باسم آدم يظل سببًا في جدية ما يحدث: "هو علامة هامة في تاريخ النحت المعاصر، ولذا فإن طرح جائزة في مجال النحت باسمه يستقطب التجارب الجادة الموجودة بين أوساط شباب النحاتين، للمشاركة في مثل هذا الحدث"، تقول اللجنة.

 

ليس جديدًا على العمل العام


ما يفعله آدم عبر المؤسسة التي تحمل اسمه، ليس بداية لاهتمامه بالعمل العام عبر الفن. المسألة بدأت قبل أكثر من عشرين عاماً، تحديدًا في 1996، عندما نفذت وزارة الثقافة المصرية، الدورة الأولى لسيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت. كان الفساد يملأ الجهاز الإداري للدولة، كما هو الحال حاليَا، لكن الأمر لم يخلُ من مشروع جيد بين وقت وآخر. جاءت وزارة الثقافة بآدم ليؤسس المشروع ويشرف عليه.


قال لي مرة، إن الهدف كان إعادة إحياء فن النحت المصري، بعدما انحدر مستواه منذ منتصف السبعينيات. الفكرة هي دعوة النحاتين من كل دول العالم، ليقضوا ثلاثة شهور في أسوان حيث وفرة في أحجار الجرانيت. يصنعون منها منحوتاتهم مختلطين بالنحاتين المصريين الشباب.

بعد أعوام، ازداد عدد الفنانين المصريين الذين تجددت معرفتهم واطّلعوا على ثقافات شديدة التنوع في مجالهم، كما أصبح لدينا العشرات، إن لم تكن المئات من تماثيل نحتها فنانون من مصر والعالم، عبر 20 سنة، تتكدس بين الساحة الخارجية للفندق، وبين وسع متحف مفتوح نسّقه الفنان الكبير صلاح مرعي أعلى ربوة.

المسؤول الحكومي لا يهتم أبدًا باستفادة قلب المجتمع من مشاريع كهذه. نجاحه يتجلى في "الشو" وإرضاء القيادة السياسية. من هنا ظل متحف أسوان المفتوح رهن إعجاب النخبة التي تتم دعوتها لمشاهدته مرة سنويًا، مع فعاليات ختام السيمبوزيوم الدولي.

يتحرك آدم وسط أعماله أو أعمال تلاميذه الكُثر، فيهيأ لك، كلما وقف بين بعضها، أنه هو نفسه تفصيل فني يشغل الفراغ بين قطعة وأخرى لتكمل الحالة. هو قطعة ذات بريق أصيل أينما وجدت، بسبب من خصوصية شديدة لا يفسدها الاتكاء على الجماهيري أو الشعبوي. رشاقة نادرة وتفاصيل تصنع الحياة.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.