}

لويل توماس مصور الثورة العربية الكبرى وصانع لورانس العرب

هاني حوراني هاني حوراني 8 نوفمبر 2017


أصدر معهد الإعلام الأردني مؤخراً كتاباً بعنوان "الثورة العربية الكبرى في عيون العالم – مجموعة لويل توماس والصحافة الأمريكية"، يضم في ثناياه صوراً مختارة من أرشيف الصحافي الأميركي لويل توماس عن شخصيات وأحداث الثورة العربية الكبرى، بالإضافة إلى مجموعة من التقارير والمقالات التي ظهرت في الصحافة الأميركية، إبان تغطيتها لأحداث تلك الثورة.

وتكمن أهمية الكتاب في أنه أعاد تسليط الضوء على واحدة من أهم مجموعات الصور الفوتوغرافية التي التُقطت في المشرق العربي، ولا سيما في الحجاز وسورية الكبرى، مطلع القرن العشرين، وتحديداً إبان اندلاع ثورة الشريف حسين بن علي ضد العثمانيين، والتي ساهمت في دحر القوات العثمانية من الحجاز وبلاد الشام، على أمل استقلال العرب في دولة عربية، ونعني بها مجموعة الصور التي تعود لهذا الصحافي الأميركي، الذي رافق الضابط البريطاني توماس لورنس "لورنس العرب"، وساهم في صنع شهرته الأسطورية.





كاميرات التصوير ترافق ثورة العرب ضد الأتراك

يقول د. باسم طويسي عميد معهد الإعلام الأردني في تقديمه للكتاب، إن "رحلة الصحافي لويل توماس إلى البلاد العربية انطلقت من رغبة الولايات المتحدة في كسب تأييد الجمهور الأميركي لموقف الحلفاء في الحرب العالمية الأولى". وكانت وزارة الحربية البريطانية قد أرسلت فريقاً صحافياً إلى القاهرة، لتوثيق الصراع في المناطق العربية الساعية للتحرر من قبضة العثمانيين، المتحالفين مع ألمانيا. وقد اهتدت القيادة العسكرية البريطانية في القاهرة إلى فكرة إرسال مراسل ومصور صحافي إلى شبه الجزيرة العربية ليرافقا الجيوش العربية في تحركها ضد الأتراك، حيث كان الضابط البريطاني ت.أ. لورنس يرافق تلك الجيوش.

كان توماس لورنس قد اكتسب سمعة "البطل المحارب" و"الرجل الأسطوري" من خلال مرافقته الجنرال إدموند اللنبي خلال احتلاله للقدس، وعليه فقد أدرك الصحافي لويل توماس والمصور الفوتوغرافي هاري تشايز ما تنطوي عليه عمليات لورنس أثناء تقدم الجيوش العربية من الحجاز إلى شرقي الأردن وبلاد الشام، من أهمية إعلامية، فلازماه وتتبعا بالصورة والأشرطة الفيلمية تحركاته، فضلاً عن تتبع قادة الثورة العربية، من الأمراء الهاشميين والضباط الكبار شيوخ العشائر، في مختلف الأوضاع والمناسبات، ما خلَّف لنا أرشيفاً غنياً من الصور والأشرطة السينمائية عن وقائع الثورة العربية ما بين الأعوام 1916 و 1918.




صور وأشرطة فيلمية متحركة عن الاحتلال البريطاني للقدس و"لورنس العرب"

استثمر لويل توماس وهاري تشايز حصيلة الصور واللقطات الفيلمية التي التقطاها، إبان الحرب العالمية الأولى والثورة ضد الأتراك في البلاد العربية، وبدءا مطلع عام 1919 بعمل مونتاج لتلك المواد المصورة، حيث قدما سرداً شيقاً عن أحداث الحرب في الشرق الأوسط.

وفي الثاني من آذار/مارس 1919 قدم العرض الأول في مسرح سنشري في نيويورك، متناولاً أدوار كل من الجنرال البريطاني إدموند اللنبي وتوماس إدوارد لورنس. وقد انتقل العرض السينمائي إلى لندن، ليقدم في دار الأوبرا الملكية يوم 14 آب/أغسطس 1919. وقد أسهمت تلك العروض في تحويل اللنبي ولورانس إلى نجوم في عالم الإعلام الغربي وخلال عام واحد كان شاهد تلك العروض نحو أربعة ملايين مشاهد. وبطبيعة الحال فقد جنحت تلك العروض إلى المبالغة في الأدوار الفعلية التي قام بها لورانس فعلاً، إبان الثورة ضد الأتراك، وهو ما أثار انتقادات واسعة في الصحافة البريطانية.




أهمية أرشيف لويل توماس المصور

يقول د. باسم الطويسي إن مجموعة لويل توماس ذات أهمية بالغة للمنطقة العربية من النواحي العلمية والتاريخية والاجتماعية والثقافية، حيث شهدت هذه المنطقة تحولات سياسية واجتماعية وثقافية خلال تلك الحقبة. فمن الناحية العلمية تعتبر المجموعة مصدراً معاصراً للأحداث يمكن الوثوق به لإجراء الدراسات المختلفة، لأنها تحتوي على مواد مكتوبة وأخرى مرئية ومسموعة تغطي جوانب متعددة من حياة الإنسان العربي.

أما من الناحية التاريخية، يقول باسم طويسي إن "أهميتها كبيرة جداً، لأن مجموعة لويل توماس تزخر بالمواد التي تؤرخ لفترة كان العرب فيها يفتقدون معظم أدوات التوثيق، خصوصاً توثيق الأحداث المهمة والكبيرة التي جرت أثناء الثورة العربية الكبرى". ويضيف: "يكفي أن نعلم بأن الصور المتحركة في مجموعة لويل توماس هي الصور الأهم التي وثقت تحركات قوات الثورة العربية الكبرى في بعض المناطق، خصوصاً جنوب الأردن".

ويرى الطويسي أن المجموعة ترصد التباينات والاختلافات الثقافية والاجتماعية بين الناس، في البوادي والأرياف والمدن، في المنطقة العربية خلال الربع الأول من القرن العشرين، فقد زار توماس مصر، فلسطين، الأردن، الحجاز وسورية، كما أن مجموعته رصدت جانباً من الحياة الدينية، إذ ضمت صوراً للمسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس الشريف.




إرث لويل توماس المصور يتحول إلى مواد رقمية

هذا، وانتقلت مجموعة صور لويل توماس وأرشيفه الخاص إلى كلية ماريست الشهيرة في مجالي الفنون والعلوم، حيث تبرعت عائلة الصحافي الأميركي بهما عام 2006، وقد قامت الكلية المذكورة بتنظيم وحفظ مقتنيات توماس في مجموعات خمس، أولاها المواد المكتوبة، وتشمل المراسلات والمخطوطات ومواد عائلية أخرى. ويذكر أن هذه المجموعة تتناول أسفاره في المنطقة العربية ومرافقته للورنس إبان الثورة العربية الكبرى. وتضم المجموعة الثانية المواد التصويرية، مثل الصور المطبوعة والأفلام السالبة والشرائح والشفافيات والألبومات والبطاقات البريدية وغيرها من الرسوم والتخطيطات.

أما المجموعة الثالثة فتضم الأدوات والملابس ومعدات التصوير ومواد أخرى استخدمها لويل توماس في حياته المهنية. وتضم المجموعة الرابعة التسجيلات الصوتية التي تم تسجيلها له، أما المجموعة الخامسة فهي التسجيلات المرئية مثل أشرطة الفيديو، وأشرطة فيلمية (سينمائية) عن أسفار توماس ومقابلاته ومحاضراته.

ويذكر أن كلية ماريست Marist، قامت عام 1912 بتحويل مجموعة المواد المصورة الخاصة بتوماس إلى نسخة رقمية، حيث بلغ مجموع هذه المواد أربعين ألف مادة رقمية مصورة.


من هو لويل توماس؟

يوصف لويل جاكسون توماس بأنه كاتب ورحالة وصحافي ومذيع ومراسل حربي ومستكشف وصانع أفلام، ولد في إحدى بلدات ولاية أوهايو في السادس من نيسان/إبريل 1892.

بدأت أولى رحلاته الاستقصائية في السفر إلى ألاسكا عام 1914، ليعود إليها في العامين اللاحقين مزوداً بكاميرا للصور المتحركة وأخرى للصور الثابتة، حيث قام بتقديم عروض بصرية عن رحلاته تلك، وذلك في أوائل 1917. وفي نيسان/إبريل من ذات العام دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا، فطلبت الحكومة الأميركية من لويل توماس الاستعداد للسفر إلى جبهات الحرب في أوروبا، لإعداد مواد مصورة وعروض صحافية لكسب تأييد الشعب الأميركي لمشاركة بلادهم في الحرب. وقد نجح توماس في جمع الأموال للإنفاق على رحلته كما وقّع اتفاقيات مع عدة صحف ليكون مراسلاً حربياً لها.

غادر توماس برفقة هاري تشايز، وهو مصور فوتوغرافي وسينمائي، إلى فرنسا عام 1917، حيث زارا الجبهة الغربية ثم إيطاليا قبل أن ينتقلا إلى فلسطين لتغطية الحملة العسكرية التي كان يشنها الجنرال اللنبي لاحتلال فلسطين، والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. وفي القدس التقى لويل توماس مع الضابط لورنس في مكتب الحاكم العسكري للقدس يوم 28 شباط/فبراير 1928، حيث بدأت العلاقة بينهما، إذ رافقه خلال الأسابيع اللاحقة إلى الحجاز ثم إلى شرقي الأردن، متتبعاً العمليات العسكرية لقوات الثورة العربية الكبرى وإدوار لورنس فيها.

بعيد عودته إلى الولايات المتحدة، كان لويل توماس قد تحول إلى شخصية إعلامية لامعة، حيث عمل خلال العقود اللاحقة في تقديم برامج إذاعية وتلفزيونية، كما ألف عدة كتب لعل أبرزها "With Lawrance in Arabia"، وقد توفي في 29 آب/أغسطس 1981، وهو على مشارف التسعين من العمر.

 

يبقى أن نشير إلى أن كتاب معهد الإعلام الأردني، الذي أعاد التذكير بواحد من أهم مجموعات الصور والأشرطة الفيلمية المبكرة عن العالم العربي، يقع في 140 صفحة من القطع الكبير، وهو باللغتين العربية والإنكليزية. وقد خصص القسم الأكبر من صفحاته للصور الفوتوغرافية (88 صفحة) وتضمنت الصفحات الباقية نبذاً ومقتطفات من الصحف الأميركية، خلال تغطيتها أحداث الثورة العربية الكبرى وما بعدها.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.