}

السينمائية العُمانية مزنة المسافر: الفنون وسيلتنا لاكتشاف العالم

ختام السيد 20 ديسمبر 2016

مُزنة المُسافر من السينمائيات الخليجيات القليلات، اللّاتي خرجن عن مألوف الصُّورة والتّابوهات الجاهزة في الذّهنيّة الخليجية - على وجه التخصيص- إلى فضاءات البحث عن الكينونة انطلاقا من الواقع.

والواقع، هُنا، ومن منظور هذه المخرجة العُمانية الشَّابة صاحبة الأفلام الأربعة (نقاب، بشك، تشيلو، عنزات دانة) يتقاطع مع المجتمع ومع رغبتها وفهمها لحدود حريتها، التي استقتها من والدها الذي كانت هوايته الرَّسم وحبّ التصوير، ووالدتها، التي علمتها كيف تتخيّل الحكاية.

شغف مبكّر بالسينما

تقول مزنة إنَّ شغفها بالسينما بدأ منذ وقتٍ مبكر: "كانت الطريق مُعبدة. أبي تشكيلي ومصور، وأمّي حكاءة من طراز خاص. أخذت من والدي متعة اللّعب. كنت أرسم البيت والدُّمية والغابة، أؤثثها وألونها جميعًا كيفما أشاء، ومتى أشاء. والدتي منحتني الإصرار على إكمال الحكاية، وهذا خلق لدي التفكير الدائم بأنَّ لا شيء يمرّ هكذا.. وهذا هو سر السينما ولذتها ومغامرتها".

كانت تلك اللبنات التأسيسية الأولى التي حددت خُطى مزنة، للولوج إلى عالم الإخراج السينمائي، بعدما عززتها بدراسة الاتصال الجماھیري والعلوم السیاسیة في جامعة الكویت في عام 2010م، ثم التحاقها بمنحة تدريبية في السينما في جامعة استوكهولم السويدية في العام التالي، لتبدأ مشوارها الإبداعي كأول سينمائية عُمانية.

البدايات صعبة ومرهقة

عن البدايات تؤكد المسافر بأنها كانت قبل الذهاب إلى السويد. فقد شاركت بالفيلم القصير "نقاب" في نفس عام التَّخرج. وحصل الفيلم على جائزة الطلبة في مھرجان الخلیج السینمائي- 2010م- والذي جاء بمثابة الإشهار عن حضورها السينمائي. إلا أنَّها ورغم النجاح لم تتخيّل أنَّ شغفها بالسينما سيحولها إلى مخرجة بدلًا من هاوية أو ممثلة، وبخاصة أنها أدت أدوارًا ناجحة في أفلام روائية قصيرة.

وتؤكد مزنة أنّ فيلم "نقاب" تجربة أولى اختبرت فيها قناعاتها، ونقلت من خلال كتابتها للنص بعضًا من تمردها الدَّاخلي، والرّافض للكثير من مظاهرالإقصاء والتهميش للمرأة.

لقد اختارت مزنة عين الكاميرا لتكون الشّاهدة والكاشفة عورات مجتمعات تختبىء وراء المحافظة للهروب من مواجهة واقعها.

بالعودة إلى فيلم "نقاب"، وضمن قصة الفيلم الذي يحكي عن امرأة مُنَقبة، واجهت مزنة عاصفةً من النقد المجتمعي تجلى عبر استخدام وسائل الاتصال الإجتماعي كتغريدات تتهم المخرجة بأنها تمثّل الصوت النَّشاز في المجتمع الخليجي والعُماني، وبأنها تشوّه صورة المرأة، وتنقلب على التقاليد.

 وفي معرض سؤالها عما إذا كانت مخرجتنا تدرك ما قد تواجهه من نقد، بعد فيلم يقترب من  تابوهات العرف الاجتماعي؟ أجابت:

"في توضيح أولي وبسيط، ماذا نقصد بالسينما؟

لماذا ننتج ونخرج أفلاماً؟

ما الغاية من الفنون، إذا لم تكن وسيلتنا الكاشفة لتناقضاتنا؟

من خلال الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة، انطلقتُ في مشواري السينمائي. لم أكترث للصيغ الجاهزة، والأفكار المُعلبة، لم تغرني لعبة الجمهور، ولا الجماهيرية والشهرة التي سوف أُحققها، إذا ما مشيت مع التّيار.

في فيلم "نقاب" قُلتُ ما أُحبّ قوله، نقلت أحاسيس امرأة- مُنقبة - وَقفتْ أمام المرآة تتحسس مفاتن روحها الخبيئة تحت نقابٍ فُرض عليها، ولم يكن يومًا من اختيارها. والنّقابُ، هُنا، يشكّل ساترًا أو جدارًا منيعًا لتشيُّئها ومنعها من أن تكون ما تريده هي، لا ما يطلبه منها المجتمع. لقد ألقيت الضوء على لحظات خاصة وحميمة لتلك المرأة المنقبة، جعلتها ترقص وتفكر وتتأمل وتحلم".

 وتضيف المُسافر بأنها لا تكترث للتقسيمات المجتمعية، والتي باتت واضحة للعين، في فرز إقصائي لكل من يخالف الآخرين في الرؤية والتصور. وتؤكد أنَّ فنَّها لن يكون يومًا لصالح التوفيقية بين ما تريد قوله وما ينتظرهُ منها المجتمع. وهي بذلك تكشف عن توجه عميق وحقيقي، لدى جيل من السينمائيين والسينمائيات (الشباب)، على مستوى دول الخليج ومن ضمنها عُمان، إلى معالجة قضايا ذاتية، إنسانيةّ، وبعيدًا عما هو مُستهلك من مواضيع.

وفي سؤالٍ آخر عن طبيعة المشهد السينمائي العُماني، وهل تشكّلت حالة سينمائية بالفعل أم أن الحِراك لا يزال في بداياته؟ وهل كَوّن المخرجون العمانيون "الشباب" حالة سينمائية يُعتدُ بها؟ أجابت بالقول:

"لدينا مشكلة كبيرة في التعامل مع فهم أهمية الفنّ السينمائي، ما زالت العقلية الثقافيّة محصورة بدعم أنواع محددة من الفنون كالشعر والرواية والقصة القصيرة. وهناك مشكلة الدَّعم والتَّدريب على الصّناعة السينمائية، ومشكلة تراكم الخبرات. لكن ورغم ذلك هُناك حِراك سينمائي يتخذ صفة الفردية. ويمكنني الجزم بأن أفق مسيرة سينمائية باتت تتشكل. فلدينا تجارب ومحاولات تتشكل لتنتج خبرة تراكميّة، قد تُصبح منافسة بعد سنوات في حجز مقعد لها بين أفضل الأفلام في السينما الخليجية والعربية. فالعملية برأيي تراكمية  تحتاج إلى صبر ووقت والتزام، وأن لا يكون شغف السينمائي لحظيا، ولأجل أن يتجاوز المُحبطات عليه أن يخرج ليبحث بنفسه عن تجربة، وقنوات دعم تؤمن بأفكاره ورؤاه". نسألها عن السينما السعودية التي تشهد نقلة نوعية في الفيلم الروائي، وكيف ستسهم في التأثير على السينما الخليجية بشكل عام، فتجيب:

 أن تكون جزءًا من تجربة خليجية، هذا مهم، خصوصًا أنّ السينما السعودية لها متذوقون، وباتت تشكل وجهًا آخر للحوار السعودي الدّاخلي، ولها قاعدة جماهيرية عريضة. ولا ننسى أنّ المملكة العربية السعودية أكبر من باقي دول الخليج، والأرقام في السينما مهمة لخلق جمهور متفرج.

كما تؤكد أن السينما في الامارات وقطر قفزت إلى العالمية بفضل الدعم والمهرجانات الدولية، وبأن تلك الاستراتيجية تؤسس صناعة سينمائية محترفة، وبالتالي وجهت الاهتمام إلى أهميّة السينما الخليجية، والتي كان لها الدور الأبرز في نقل صورة مغايرة لما كان مألوفًا عن الشخصية الخليجية، والتي تم توظيفها – غالبًا – بشكل درامي سلبي في الأفلام العربية وحتى العالمية. الموجة السينمائية الخليجية الحالية، تأتي لتوقف التنميط للشخصية الخليجية وكشفت  عن حياة يومية مُعاشة بكل تمثلاتها الوجودية والوجدانية.

تنميط الحياة الخليجية

تؤكد المسافر أنَّ الكثير من المخرجين العرب استسهلوا تقديم الحياة الخليجية ضمن تابوهات لا تخرج عن إطار الثراء الفاحش، وصيّد اللّذة الآنيّة. وكأن المطلوب من الخليجي أن يظل رهين التنميط السّلبي، مُتناسين حياته اليومية التي يتصارع فيها مع قيوده الذاتية، وسطوة المجتمع، وتحصيل لقمة العيش.

وهي تؤكد أنَّ ما تُريدُ قوله يتلخص بما يلي "نحن بشر ولدينا همومنا الذّاتيّة، وفينا ما يكفي من الجمال الإنساني والتراثي والتاريخي، ما يجعلنا قادرين على إنتاج سينما عُمانية وخليجية منافسة".

نسألها عن فيلمها الثاني "تشيلو"، الذي نال جائزة أفضل سیناریو في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة لمهرجان أبوظبي السينمائي، ضمن فئة أصوات خليجية لعام 2014، وعُرض لاحقًا في مھرجان دبي السینمائي، وعن الجديد الذي قَدمته فيه، فتجيب: 
 "تشيلو"، حكاية دراميّة لعائلة عُمانية، تقطعت بها السبل ليعيش أحد أولادها في "زنجبار" ويحمل بشرة داكنة، نتجت عن زواج للأب في تلك البلاد، حيث اختلطت عروقه بالدماء الأفريقية، وكيف تحدث المصادفة بأن يلتقي بأخيه عبد الله صاحب البشرة الفاتحة والقادم من عُمان بصحبة والدهما. لقد التقى الفتى ناصر بأخيه عبد الله، ولكل منهما لون بشرة مختلف عن الآخر، بكل محبة، ودون استرجاع لترسبات عرقيّة لونيّة ومجتمعية، واستطاعا أن يكسرا هذا الحاجز الطَّبقي، ويحلقا بنا إلى أجواء رصدّ الحياة في زنجبار الفاتنة. وهذا في رأيي كان القيمة الأكبر التي أحلم بأن تعمم على مجتمعنا العُماني متنوع الأعراق.

إعادة اكتشاف العالم

سؤال: السينما هي المعادل الطبيعي للبحث والاكتشاف، وأنت طبّقتِ هذه النظرية بحساسية مرهفة في فيلمك الثالث "بشك"، وقلت من خلال الصورة السينمائية ما معناه أنّه يوجد الكثير من التفاصيل في الأشياء الصغيرة، وأنَّ هناك حياة في البعيد المُختلف. إلى أيّ مدى استطاع فيلم "بشك" نقل هذه الحساسية إلى المتفرج؟

جواب: دائمًا ما أذهب إلى فهمٍ دقيق للسينما بأنها إعادة اكتشاف العالم. والبطلة في "بشك" امرأة بلوشية في نهايات الخمسين من العمر، تعيش في حيّ من أحياء مسقط، وتنسج حياتها عبر حياكتها للثوب البلوشي، والذي تصرُّ على ارتدائه وحياكته للأخريات. وكأنها بذلك تنقل لنا تصالحها مع ذاتها ومع عرقها ومع كوكبة الأَلوان الزّاهية التي تتميز بها أثواب "البشك" البلوشية.

لقد جاءت فكرة الفيلم من إمكانية سرد قصصنا البسيطة، والشخصيّة تمامًا، وأظهرت قدرتنا على التعبير كنساء في محيطنا المجتمعي الذي غالبًا ما يُغيّب قصص النساء لصالح مجتمع الذكور.

وتضيف مزنة بأنها في "بشك" ابتعدت عن مجمل القضايا التي تم طرحها من قبل المخرجات العربيات، كالصراعات العائلية، وقضايا غلاء المهور، والعنوسة، والحب، والخيانة إلى ما هنالك من قضايا ومشكلات تخص المرأة، وبالقطع، يمكن تعميمها على مجتمعاتنا العربية من المحيط إلى الخليج.

وتؤكد ذلك بقولها إنها تحب دائمًا النَّبش في التفاصيل، وفي استنطاق شخصياتها السينمائية، ذات القيمة الرّمزية العاليّة. وهذا النوع من الطرح هو ما حدا بها إلى التوجه للمشاركة في ورش العمل السينمائية في أمستردام والقناة الخامسة الفرنسية ومشروع (المعمل 612 للأفكار) من الأردن، وبالشراكة مع مؤسسة (كونتاكت) المركز الدنماركي لبحوث النوع الاجتماعي والمرأة، حيث أنتجت فيلميها "بشك" و"عنزات دانة" ضمن مشروع "القصص بتحكي"، وتساعد هذه المؤسسات النّساء العربيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على إمكانية سرد قصصهن الشخصية عبر الأفلام، إضافةً إلى مساعدتهنَّ على التعبير عن ذواتهنَّ كنساء فاعلات في مجتمعاتهنَّ الصغيرة.

*****

ربما من المُبكر الحديث عن سينما عُمانية احترافيّة ومنافسة، ولكنَّ هذا لا يذهب إلى سياقات اعتبار أن لا سينما في عُمان، وأنَّ الإنتاجات السينمائية وعلى مدار العقود الثلاثة الأخيرة انحصرت بإنتاج فيلم "ألبوم" الروائي الطويل، وسلسلة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية.

ويبدو جليًّا لكل مراقبٍ للحراك الثَّقافي والسينمائي في السلطنة، أنَّ هُنّاك توجها بدأ يتشكل نحو الأخذ بأهمية حضور السينما في المجتمع العُماني، ولا سيما بين قطاعات واسعة من الشباب الذي سافر واختبر الحياة، وعاد ليساهم في صنع أشكالٍ وموجاتٍ جديدة من الصورة البصرية، والتي تميل إلى النبش في الإنساني والذّاتي. وليس أدلَّ على ذلك من حضور مزنة المسافر كمخرجة وسينمائية عُمانية، حظيت أفلامها بالإشادة في أهم المهرجانات التي احتفت بالمخرجات العربيات.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.