}

معرض هرجيسا للكتاب: أين الكتاب؟

صهيب عبد الرحمن 6 أغسطس 2017

 

اختتم مؤخراً في هرجيسا عاصمة صومالاند معرض هرجيسا الدولي للكتاب في نسخته  العاشرة، وحملت شعار "التواصل" بينما حلّت جنوب أفريقيا الدولة الضيفة في هذه الدورة وسط مشاركة العديد من الكتاب الصوماليين المقيمين في الداخل والخارج، إلى جانب نحو 40 كاتبا أجنبيا قاموا بإلقاء محاضرات وندوات وتقديم كتب وورش وغيرها من الأنشطة، ورغم الاحتفاء الواسع الذي يصاحب كل عام تظاهرة المعرض إلا أن الزائر يصدم بأن المعرض لا يوفر كثيراً من الكتب التي قد يرغب أيّ قارئ مفترض في اقتنائها، كما أن القائمين عليه لا يكترثون كثيراً لذلك، بل يمكن القول إن تظاهرة المعرض لا تتعدى كونها "برستيج" للثقافة، في ضوء غياب أي خطة لترويج الكتاب واستقطاب الناشرين من الخارج.

واقع الكتاب العربي

 تقول الرسامة نجاح سليمان عن زيارتها المعرض: "ذهبتُ إلى المعرض في الصباح الباكر من اليوم الأول متحمسة لاقتناء بعض الكتب، واحتفظت ببعض المال من أجل ذلك. ولكنني فوجئت بما هو موجود في المعرض"، تصف نجاح واقع الكتاب بالسيئ جدا، وتقول إنها لم ترجع من المعرض سوى بثلاثة كتب فقط، تواصل نقدها للمعرض قائلة إنه "وكحال كل عام تتحول المناسبة إلى مكان للاحتفال والتقاط الصور فقط، أشك بوجود هدف أبعد من ذلك".

وعن سبب صعوبة اقتناء كتب معروفة لكتاب عالميين، تقول نجاح "إن المؤسسة المشتغلة على المعرض لا ترعى أي اهتمام لتوفير كتب جيدة، وهم يستجيبون فقط لذائقة المجتمع التي تعاني من ترسّبات سحيقة تربطه بالشفاهة والشعر، لا يرون ضرورة لغير ذلك بتاتاً".

 ويقتصر وجود الكتاب العربي على المجال الديني فقط، الذي انتشر بشكل مرضيّ في العقدين الأخيرين في ظل الإهمال الرسمي للثقافة من قبل الدولة لأسباب كثيرة معروفة، وأيضا في ظل صعود الخطاب الديني الوهابي الذي ينظر للثقافة والأدب دائما بعين من الازدراء، ويشدّد بدلاً من ذلك على مسألة "العلوم الشرعية"، وهي نفسها ليست "علوماً" حقيقية أو متقدمة، بل تتسم بالقِدم والبساطة، فمألوف أن تشاهد مكتبات صومالية تبيع كُتباً من قبيل "الأصول الثلاثة" و"شرح العقيدة الواسطية" بآلاف النسخ، بينما لا وجود لكتاب فكري أو رواية مشهورة.

ولمزاحمة المكتبات الدينية يشتغل الطالب في الدراسات العليا عبد اللطيف إسماعيل على توفير الكتب الثقافية في مدينة هرجيسا، في مشروع يقول عنه إنه سينتقل بالتدريج إلى مدن أخرى في صومالاند والصومال، ويرى إسماعيل أن هذا المشروع الذي بدأ بالعمل به في بداية هذا العام برفقة عدد من أصدقائه، يستهدف توفير الكتب بسعر رخيص في الداخل في ظل عزوف الناشرين العرب عن دخول هذا السوق خشية أن تكون الأرباح فيه قليلة.

ما وراء الشفاهة

صحيح أنه ليست للغة الصومالية تقاليد كتابية راسخة، بل عمر تدوينها لا يصل إلى نصف قرن، لكن ماذا عن الحكايات، القصص، الأمثال، الحكم، الأحاجي، الهجاء، المديح، الغزل، نصائح الحكماء، كلّ هذه الأنواع كانت بالتأكيد رائجة سابقا، لكن لم تكن هناك مرايا تعكس أساليب العيش وتصرفات الحياة اليومية في مشهد مسرحي متكامل عن طريق الصوت أو الكتابة.

 وبسبب ذلك يرى الكاتب زبير حرسي أن "تناول المثقف الصومالي مع الأدب شفاهي مبني على المسوغات السمعية أكثر من الكتابية مما أدى إلى هامشية الرواية في المخيلة الاجتماعية للصوماليين، فالسرد بمعناه الفضفاض مقتصر على الحكاية او الأدب الشعبي التقليدي، حتى صياغة ترجمة مصطلح "الرواية" تلفيقية ومبهمة الدلالة في اللغة الصومالية، مما أدّى إلى خلل في الشكل الروائي وفقر في إمكانية تنويع التقنيات السردية، وبدائية المواضيع التي تعالجها الرواية والحشو التاريخي الذي تتميز به".

أما عدد الروايات المكتوبة فهو قليل مقارنة مع الشعر التقليدي الذي يعتلي هرم الثقافة الصومالية، كم عدد الروايات الصومالية؟ والمجموعات القصصية؟ وما هي الأسباب العميقة لهذه القلة؟ أهي بسبب الجامعة حديثة العهد عندنا، ثم هناك الأدب الصومالي المكتوب باللغات الأجنبية والأدب المكتوب بالصومالية وكلاهما يدير ظهره للآخر، قراء اللغات الأجنبية يجهلون بصفة مطلقة ما يكتب بالصومالية، وقراء الصومالية يتجاهلون ما يكتب باللغات الأجنبية.

عن ذلك يعلق حرسي "أظن أن كتاب الروايات مرتهنون بالذائقة التقليدية في بلد يعاني نقص التدوين وندرة النشر وإهمال المشهد الثقافي أو انعدامه، إضافة إلى أن الرقابة الاجتماعية المتسمة بالمحافظة تقلل من أثر الخروج من السائد إن وجد أصلاً، واقتناع العقل الجمعي بحالة إبداعية جديدة يتطلب جهوداً خارقة للمثقف الذي هو الآن نسخة كربونية من ذائقة وتزمت الأميّ".

الاستلاب للماضي

مثل هندي يقول "إن آلهة المعرفة لا تبتسم لمن يهمل القدماء"، هل يعني هذا أنه يجب تكرارهم؟ يلاحظ متابع المشهد الثقافي الصومالي أنه مريض بالاستلاب للأصل وملتصق بفكرة تكرارية عن الماضي، وفي هذا الصدد يؤكد حرسي "أن المشهد الثقافي ماضوي في ثقافة تقليدية، نقلية، من هذا المنظور الذي لا معنى معه لتعاقب الزمن في الحركة الدائرية التي تحيل التعاقب إلى تتابع أبدي، وذلك في مدى الدلالة التي يتوقف بها وفيها الزمن خارج المدار المغلق للتكرار، وبقدر ما يسقط معنى السبق في الوجود والرتبة ظلاله على علاقة اللاحق بالسابق، في مدى القيمة المثبتة أو المنفية، وأنساق ثبتت وجمدت حتى في مضمون وشكل الشعر".

أحادية اللغة بوصفها انغلاقاً

العيش في كنف لغة واحدة هو في نهاية المطاف أن تكون محمياً بهذه اللغة وبهذا الأدب، وبنظام من القيم ومجموعة من التصورات عن الحياة والوجود، وفجأة يتخلخل كل شيء لما نكتشف الآخر. ولهذا وجد الصومالي نفسه مرغما على تعلم لغات أخرى ومعرفة آداب مختلفة في فترة بعد الاستقلال وولوج الحداثة المنقوص، ولكن عدم احتكاك الثقافة الصومالية بأخرى "وتحاشيها للمنتوج التراكمي الثقافي البشري أدى إلى أدب محلي يتسم بالبساطة والانغلاق"، كما يؤكد ذلك حرسي، ويضيف "أن الشلل التام في حركة الترجمة وأحادية اللغة التي نادى بها أصحاب القومية اللغوية ردحا من الزمن يؤديان إلى أدب محلي غير قابل للترجمة هو الآخر".


في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات فترة طبعها الإلحاح على الثقافة الوطنية، وأصبح اعتماد الصومالية في الكتابة واجبًا وطنيًا، صحيح أن بعض الكتاب مالوا إلى الإنكليزية وبعضهم إلى الإيطالية لأسباب تاريخية معروفة، في مقدمتها التدريس المعتمد وقتئذ، بعد تدوين اللغة الصومالية تعمق الإلحاح على إنتاج ثقافة وطنية، وأصبح خطابا سائدا، وعلى الأرجح فإن التمسك باللغة الصومالية قد وفّر أرضية عدائية للثقافات الأجنبية.

يتحدث عبدالفتاح كيليطو في إحدى حكاياته، عن مجموعة تعمد إلى الفرار كلما رأت غريبا، فلم يستطع أحد الاقتراب منها، وكل ما شوهد بوجودها عظام متناثرة، رماد، أدوات، آثار تخلفها وراءها أثناء هروبها، لكن إلى متى يستمر الفرار وقد صارت الأرض صغيرة؟

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.