Deerhoof... مُستقبل مرسوم على جدران الكهوف

Deerhoof... مُستقبل مرسوم على جدران الكهوف

07 يونيو 2020
تعود الفرقة للتركيز على موسيقى الغيتارات الكهربائية والبيس (Getty)
+ الخط -
نهاية الشهر الماضي، أصدرت فرقة الإندي روك الأميركية، Deerhoof، ألبوماً جديداً حمل اسم "Future Teenage Cave Artists"؛ وهو الألبوم السادس عشر في مسيرة الفرقة التي بدأت منذ منتصف التسعينيات، والتي أمضت عقدين ونصفاً من الزمن وهي تبتكر قوالب موسيقية جديدة لأغنية الروك المستقلة الحديثة (الإندي روك)، وتحطم القوالب التي ابتكرتها، لتحاول من خلال ثورتها المستمرة على ذاتها أن تواكب كل التغيرات الكبرى والأهوال التي شهدتها أميركا والعالم في فترة نشاطها، بما في ذلك أحداث 11 سبتمبر وأتمتة العلاقات البشرية بوسائل التواصل الاجتماعي وحكم ترامب لأميركا.

يتكون ألبوم "Future Teenage Cave Artists" من إحدى عشرة أغنية، ترسم فيها فرقة Deerhoof تخيلاتها الخاصة والسوداوية عن المستقبل، على غرار ما يحدث بأفلام نهاية العالم. وفي المستقبل الذي رسمته Deerhoof يُجبر الناس على إخلاء المنازل لحماية ما تبقى من المراعي الخضراء، ويعود البشر للحياة في الطبيعة مع بعض أدواتهم التقنية التي اكتسبوها.

وفي الطبيعة، يزداد العنف البشري، فيصبح قتل البشر والحيوانات بلا معنى، ليكون البقاء على قيد الحياة هو امتياز وليس افتراضاً. ووسط هذه الفوضى، يظهر جيل جديد من المراهقين الذين يحاولون اكتشاف الفن وصناعته، ويختبرون مشاعر قديمة بقدم تاريخ البشر.

غلاف الألبوم، الذي قامت مغنية الفرقة الرئيسية، ماتسوزاكي، برسمه، هو عبارة عن إحدى لوحات الكهوف الجدارية التي سيقوم مراهقو المستقبل برسمها، والكتلة الرئيسية في اللوحة هي عبارة عن جهاز موبايل ممتزج بوحش غريب الشكل، يبعث بإشعاعات غريبة من عدسات كاميراته الخلفية نحو مراهق يتموضع بشكل غريب، بوضعية تبدو ذات دلالات جنسية، ربما اتخذها للاحتماء من الوحش السايبورغ. هذه اللوحة هي نموذج عن فن الكهوف المستقبلي الذي سيعيش ويخلد بعد فناء البشر، والذي يجسد مخاوف الإنسان في المستقبل الذي رسمت Deerhoof لها سيناريو مرعباً، ففي الطبيعة الأخيرة سيمتزج خوف الإنسان من الحيوانات المفترسة بالخوف من التكنولوجيا.

ثيمة الألبوم التي تبدو واضحة ومفهومة للغاية، هي العنصر الأكثر جاذبية فيه؛ ولا سيما أنه جاء بعد ألبومين ضبابيين قامت Deerhoof بإنتاجهما في عهد ترامب. أما موسيقياً، فإن تمرد الفرقة المستمر على ذاتها لم يخرجها من سياق ثقافة موسيقى الروك المستقلة، التي تتبنى مفهوم "Less is more" كمرجعية لها؛ فعلى الرغم من أن الفرقة بالسنوات الماضية تمكنت من كسر حدود أغنية الإندي روك من خلال تعاونها مع فرقة Del Niente الكلاسيكية، ووصلت إلى أعلى شطحاتها في الألبوم الماضي "Mountain Mountain"، الذي تعاونت فيه مع أوكوافينا لإقحام الراب في أغنية الإندي روك.

إلا أن الألبوم الجديد يبدو ارتداداً للخلف، وفيه تعود الفرقة للتركيز على موسيقى الغيتارات الكهربائية والبيس وضربات الدرامز العنيفة، وتناقضها مع صوت ماتسوزاكي الناعم وأدائها الأنثوي اللطيف، الذي يتسبب بتناقضه مع باقي عناصر الأغنية بخلق مستوى غريب من الضجيج الممتع.

وحدها النهاية تبدو مفاجئة، ففيها تتلاشى الموسيقى العنيفة، لترتد نحو موسيقى باخ الكلاسيكية وآلة البيانو التي تظهر بشكل مفاجئ؛ لتكون عنصر التخريب ضمن بنية موسيقية أكثر عنفاً؛ ناهيك بجمالية الارتداد نحو مقطوعة موسيقية من القرن الثامن عشر لإنهاء ألبوم ينتمي بموضوعاته وهواجسه للمستقبل.

وفي النهاية، تتجلى جماليات الألبوم الشعرية بأزهى صورها، حين تردد ماتسوزاكي: "عيوننا المتضررة تتأرجح في الشمس الزاهية الجميلة"؛ وكأن الشمس بدأت بامتصاص الأرض على أنغام موسيقى باخ التي جاءت لتنهي كل شيء.

المساهمون