سالي روني.. تلويحةٌ إيرلندية إلى فلسطين

سالي روني.. تلويحةٌ إيرلندية إلى فلسطين

18 أكتوبر 2021
سالي روني خلال مهرجان بلدة هاي للأدب والفنون في ويلز، 2017 (Getty)
+ الخط -

هل يمكن لسؤالٍ يطرحه كتابٌ ما أن يجد إجابته في سلوك مؤلّفه وفي القرارات والمواقف التي يتّخذها؟ هذا على الأقلّ ما قامت به الكاتبة الإيرلندية سالي روني مع كتابها الأخير "أيها العالم الجميل، أين أنت؟"، الذي رفضت قبل أيام بيع حقوق ترجمته إلى دار نشر إسرائيلية كانت ترغب بنقله إلى اللغة العِبرية، وكأنّ روني تُجيب عن عنوانها: لا، لا يمكن للعالم الجميل أن يجد مكاناً له في بقعةٍ اسمها "إسرائيل".

قد يبدو الأمر صدفةً محضة؛ فالرواية التي صدرت بالإنكليزية في السابع من أيلول/ سبتمبر الماضي لا تتمحور من قريب أو بعيد حول الكيان الصهيوني، ولا تطرح سؤالها على حال عالمنا السياسي وصمته حيال الظلم واغتصاب الأرض اللذين يعيشهما الشعب الفلسطيني، بل تحكي حياةً مشتركة تجمع بين أربعة شباب إيرلنديين، فتاتين وصبيّين، يعيشون تفاصيلَ تُراوح بين الحب والصداقة والرغبة والمقاساة الاجتماعية والاقتصادية. وقد تكون الكاتبة انتبهت إلى هذا الأمر، أو قد لا تكون. لكنّ من الصدفة - هذا إن كان الأمر كذلك - ما ينطوي على الكثير من الضرورة والمنطق.

الصورة
أيها العالم الجميل - القسم الثقافي
(غلاف الرواية)

منطقٌ تأتي الكاتبة نفسها لتؤكّده حين تعلّل قرارها بمساندتها لحركة مقاطعة دولة الاحتلال، وبعدم رغبتها في نشر كتابها لدى مؤسّسةٍ "لا تُعلن صراحةً نأْيَها بنفسها عن نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) ولا تدعم حقوق الشعب الفلسطيني التي تنصّ عليها (قرارات) الأمم المتّحدة"، كما نقلت عنها صحيفة "ذي آيرش تايمز". وتضيف الكاتبة بلا مواربة، موضحةً موقفها من قضية الشعب الفلسطيني: "أودّ مرّة أخرى أن أعبّر عن تضامني مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرّية والعدالة والمساواة".

في هذا الموقف وفي هذه الكلمات ما يجعل من رفض سالي روني نشر كتابها الأخير في "إسرائيل" أكثر من مجرّد صدفة، بل إن الأمر استمرارٌ منطقيّ في موقف كاتبة شابّة (1991) وقّعت في أيار/ مايو الماضي، إلى جانب آلاف الكتّاب والفنانين، بياناً يدين الاحتلال الصهيوني على سياساته الاستيطانية ويطالب بعزله دولياً. صحوتُها هذه تثبت، في مكان آخر، أن هبّة الشعب الفلسطيني في الربيع المنصرم لم تذهب سدىً، وأنها نجحت في جلب مناصرين جدد للقضيّة الفلسطينية، وهو تماماً ما نشهده لدى سالي روني التي سبق لاثنين من كتبها أن ظهرا بالعبرية قبل هذه الهبّة.

أودُّ، مرّةً أُخرى، أن أُعبّر عن تضامني مع الشعب الفلسطيني في نضاله

بموقفها هذا، تنضمّ صاحبة "أحاديث مع الأصدقاء" - واسعة الشهرة في العالم الأنكلوساكسوني، حيث حازت جوائز عدّة وجرى نقل روايتها "ناسٌ عاديّون" إلى شاشة التلفزيون - إلى قائمة من الكتّاب والفنانين المعروفين الذين أعلنوا صراحةً وعلانيةً إدانتهم لسياسات الدولة الاستيطانية ودعمهم للشعب الفلسطيني وحقوقه.

كما أنها، برفضها نشر ترجمة لكتابها في "إسرائيل"، تلتحق بأسماء أُخرى سبقتها إلى الخطوة نفسها، مثل الكاتبة الأميركية البارزة، الحائزة جائزة "بوليتزر"، أليس ووكر. الفرق الذي يدعو للتفاؤل هنا هو أن سالي روني تقوم بخطوتها وهي ما تزال في مقتبل العمر، في إشارة تدعو إلى التفاؤل بأن نضال الشعب الفلسطيني يجد آذاناً صاغية لدى الجيل الجديد الذي تفعل "إسرائيل" كلّ ما في وسعها لبيعه تاريخاً عنها يختلف عن تاريخها الحقيقي.

المساهمون