محمد بن عزوز حكيم.. الأندلس تفقد مؤرخها

محمد بن عزوز حكيم.. الأندلس تفقد مؤرخها

03 سبتمبر 2014
+ الخط -
شُيّع في مدينة تطوان بشمال المغرب أمس، جثمان المؤرخ المغربي الراحل محمد بن عزوز حكيم الذي وافته المنية مساء الإثنين الماضي عن 90 عاماً. ويعتبر الراحل عميد المؤرخين المغاربة وأهم مؤرخ متخصّص في تاريخ المنطقة الشمالية المغربية وتاريخ العلاقات بين المغرب وإسبانيا، والفترة الأندلسية.

ولد بن عزوز حكيم في تطوان يوم 24 أيلول/ سبتمبر 1924 ودرس في "المدرسة الإسبانية" للمدينة التي كانت خاضعة آنذاك لـ"الحماية" الإسبانية. أكمل تعليمه في جامعة مدريد وعُيّن لاحقاً في مناصب إدارية مختلفة في مؤسسات "الحماية" الإسبانية، ما جعله يطّلع على أرشيف غني من الوثائق والمستندات عزّز من ممارسته البحث التاريخي.

بن عزوز حكيم، المؤرخ، دخل التاريخ بدوره بشكل طريف، إذ يعتبر أول مغربي نشر كتاباً باللغة الإسبانية. وحدث ذلك عام 1940 في إحدى دور النشر في مدريد، ولم يكن قد تجاوز الـ 18 عاماً. أما الكتاب فيحمل عنوان "رحلة في الأندلس".

إلى جانب إتقانه خمس لغات على الأقل، من بينها الإسبانية والإيطالية والإنجليزية، خلّف بن عزوز الحكيم وراءه منجزاً هائلاً من البحوث والدراسات والتحقيقات التي تراكمت على مدى سبعين عاماً وبلغت 320 كتاباً باللغتين العربية والإسبانية، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من التحقيقات والمقالات المنشورة في الدوريات المتخصصة. كما جاب العالم أجمع محاضراً في التاريخ المغربي والإسباني، ما جعله مرجعاً دولياً في مجال تخصّصه.

قبل خمس سنوات، أثار المؤرّخ ضجة حين دعا إلى إعادة كتابة تاريخ المأساة الأندلسية، معلناً أثناء محاضرة علمية في مدينة الرباط أنه يملك وثائق ثمينة هي عبارة عن عشرات الصكوك تعود إلى الفترة الأندلسية، حصل عليها من خلال نحّات إسباني. وأضاف إنها "وثائق دامغة تكذّب الرواية الرسمية وتدين الفاتيكان وتظهر أن نكبة الأندلس كان أساسها الخونة الذين كانوا يحيطون بالملك ابن الأحمر" المتّهم ببيع غرناطة للإسبان. وفي هذا السياق، طالب بن عزوز حكيم الملك الإسباني خوان كارلوس بالاعتذار عمّا اقترفه أسلافه بحق مسلمي الأندلس الذين تعرضوا إلى تهجير وتطهير عرقي، مذكّراً إياه بأنه اعتذر لليهود عام 1992 ولم يقدّم الاعتذار ذاته لمسلمي الأندلس. 

ولع بن عزوز حكيم بتاريخ الأندلس يعود أيضاً إلى جرح شخصي غائر، له جذور عائلية. فهو ينحدر من عائلة أندلسية هربت إلى شمال المغرب بعد سقوط غرناطة عام 1492 وقيام القوات الإسبانية بالتنكيل بالعرب ودفعهم إما إلى الهرب إلى المغرب أو إلى اعتناق المسيحية.

وقد خصص بن عزوز حكيم عدة مؤلفات لنكبة الأندلس، آخرها موسوعة جامعة أصدرها بمناسبة مرور 400 عام على سقوط غرناطة بعنوان "موسوعة مأساة الأندلس من سنة 1483 إلى سنة 1609"، ووثق فيها تفاصيل سقوط الأندلس وعمليات التطهير الديني والتهجير القسري التي ذهب ضحيتها مئات آلاف الأندلسيين. وحرص المؤرّخ على إدراج رسمٍ لملك غرناطة ابن الأحمر، تظهر على رقبته سلسلة من حديد تعكس الإذلال الذي تعرض له الأندلسيون.

اشتهر بن عزوز حكيم أيضاً بامتلاكه أرشيفاً ضخماً من الوثائق النفيسة حول تاريخ المغرب. ويتساءل بعضهم الآن عن مآل هذه الثروة الوثائقية النادرة، خاصةً وأن الراحل كان يتمسك بها بقوة ويرفض الكشف عن محتوياتها أو إعارتها للمؤسسات والمتاحف المتخصصة.

المساهمون