شارل خوري: تحوّلات الشكل في الوعي الجمعي

شارل خوري: تحوّلات الشكل في الوعي الجمعي

06 نوفمبر 2019
(من المعرض)
+ الخط -

يستدعي شارل خوري في أعماله تاريخ الشكل البشري والحيواني منذ الرسومات التي نفّذها سكان الكهوف، وصولاً إلى ما يقوم به الإنسان في زمننا الحاضر، وبالأخص انعكاساته لدى العديد من الفنانين مثل بيكاسو وميرو وغيرهما، لكنه يصهر تلك المرجعيات ويعيد صياغتها في مقترحات جمالية جديدة.

لا يغفَل الفنان اللبناني (1966) عن بحثه البصري المتواصل في ذاكرة التشخيص، في ضبط لمسار تلك الخطوط والأشكال التي تحيل إلى منظومة هندسية طوّرها على امتداد تجربته ضمن أسلوبه الخاص، لتصوير تلك المشهدية بأبعادها البدائية والميثولوجية وصلتها الوثيقة بالطبيعة ومفرداتها.

في معرضه الجديد الذي افتتح بداية الشهر الجاري في "غاليري دار المشرق" في عمّان، ويتواصل حتى الثامن والعشرين منه، يستند إلى النقوش والرسومات الأولى في التاريخ التي انبثقت أساساً من رغبة كامنة في إعادة تجسيد العالم والتحرّر من قيوده في آن، في صراع أزلي لا يزال يحكم الوعي الجمعي الإنساني.

يقول خوري في تقديم المعرض إن "تأثري بالحرب، انعكس على أعمالي بكلّ مكوّناتها: البشر والحيوانات والنباتات. نجد دوماً أن البشر يطاردهم القلق من المجهول باستمرار، خاصة عندما يواجهون مصيرهم. كل هذه العناصر تترجم إلى ألوان حية دافئة وأحياناً صاخبة".

تلك المساحة القلقة هي مرتكز لوحات الفنان، وكأنها الحقيقة العارية أو الواضحة الوحيدة التي يواجهها الإنسان، غير أنه يستعيدها مؤخراً بألوان فاتحة ومشرقة خلافاً لمعارض سابقة، مثل الأحمر والأصفر والأزرق وتدرجاتها، كما أن كثافتها تبدو أقل في محاولة لالتقاط التخيّلات/ الصور للمجهول في لحظة معاصرة.

وهنا، تتقمّص كائناته القادمة من ذاكرة جمعية منذ ما قبل التاريخ، روح الزمن الحاضر في تقصد لإبراز تناقض يولّد الدهشة، حيث تتناوب الألوان الحارة والباردة، والعتمة والضوء، والواقعي والسوريالي، والقديم والجديد، في مغامرة لإدراك ذلك الحدّ بين الغموض والوضوح في تصوّرنا للعالم من حولنا.

في إحدى اللوحات المعروضة، يذهب خوري إلى مزيد من التبسيط والاختزال في تقديمه ثلاثة كائنات لا يميّز المتلقي ملامحها التي تفترض تكويناً بشرياً بإشارات وعناصر حيوانية، مع بقع ونقاط وخطوط غير منتظمة بعضها أحاط بالعينين بما يجعل نظراتها تنزع إلى الخوف أو الحيرة.

أعمال أخرى بدأ في تقديمها سابقاً، ويعتمد فيها على تشكيل حيوان من أجزاء كائنات متعدّدة ومتداخلة بزخارف وأشكال هجينة وتكوينات هندسية، ويقف على ظهره طائر ينظر إلى الخلف، أو لتلك الطيور التي تظهر جزءاً من نسيج لعالم فطري وسحري.

وتُعرض أيضاً لوحة لا تتخلّص في تكوينها من التعبيرية الجديدة التي انتهجها خوري في معظم أعماله، لكنها تستعير جوهر سوبرماتية الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش في الوصول إلى المطلق حين يتحرّر الفنان كلياً من مراجعه السابقة، ويخلق واقعاً جديداً متحرّراً في اللون والتكوين لتصل عند أقصى حدود تماهيها مع شكلها الأصلي في الطبيعة.

يُذكر أن شارل خوري تخرّج من "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة" (ألبا)، وشارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية في بلدان عدة كلبنان وسورية ومصر والكويت والأردن وساحل العاج وبنغلادش والصين وبريطانيا وفرنسا.

المساهمون