"مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية": الاستبداد والتحوّلات الاجتماعية

"مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية": الاستبداد والتحوّلات الاجتماعية

الدوحة

فوزي باكير

avata
فوزي باكير
12 مارس 2016
+ الخط -

على قِصرِها، تبدو استراحة القهوة في بعض المؤتمرات فرصةً لحديث غير رسمي مع المحاضرين، خصوصاً إذا كان مفكّراً وباحثاً مثل فهمي جدعان (1940)، الذي افتتح اليوم "المؤتمر الخامس للعلوم الاجتماعية والإنسانية" الذي ينظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة.

سنعرف منه أنه يحضّر لعملٍ جديد يصدر قريباً، بعنوان "المرافعة"، يتناول فيه بعضاً ممّا ورد في ورقته التأسيسية في المؤتمر، "أسئلة الحرية: هنا.. الآن"، إلى جانب قراءة سياسية واجتماعية للراهن العربي.

جاءت ورقة صاحب "تحرير الإسلام" ضمن المحور الأول الذي اقترحه المركز موضوعاً لمؤتمره، وهو "سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر"، فيما يناقش المحور الثاني "المدينة العربية: تحدّيات التمدين في مجتمعات متحوّلة".

خمسة أسئلة رئيسية تنطوي عليها ورقة جدعان، أفرد لكلّ واحد منها قراءةً خاصّة. أوّل الأسئلة، هو الاستبداد، الذي يرى فيه الباحث "إرثاً تاريخياً بيّناً، حملته وقائع التاريخ وحقائقه، وسوّغته الثقافة العربية - الإسلامية والتنشئة التربوية والنفسية التي شكّلتها العصبيات القبلية والعسكرية والدينية والسياسية والاقتصادية".

هكذا، ينبثق عن سؤال الاستبداد ثاني الأسئلة، وهو الحرية والعدالة؛ إذ يجد في الأولى "ليست قرينةً بالديمقراطية وحسب، وإنما بمبدأ العدل ككلّ"، ليناقش، بعدها، موضوع الحرية الدينية، بوصف الحرية والدين "سؤالاً ملحمياً، قَتلَ سُقراط في أثينا، وزَنْدَق المعتزلة والرافضة في الإسلام".

يواصل جدعان، في ورقته، مع حريّة التعبير، والحرية والتعدّدية والاعتراف، مُشيراً إلى ضرورة توجيه أنظار المفكّرين العرب و"رجال الدولة الحقيقيين" إلى خطورة هذا السؤال وأهميته القصوى.

بعد هذه المحاضرة الافتتاحية، انقسمت ندوات المؤتمر إلى شقّين، الأوّل تضمّن جلسات محور سؤال الحرية، وعددها أربع، والثاني تضمّن جلسات محور المدينة، بالعدد نفسه أيضاً، بواقع ثلاثة باحثين لكل جلسة.

في محور المدينة، تطرّق معظم الباحثين إلى مسألة التخطيط التحتي والعمراني للمدن العربية، والمعطيات السوسيولوجية والمناخية وتأثيراتها على سلوك الإنسان في المدينة وعلاقته بها؛ حيث أن كل مدينة تتضمّن ثلاث بنى: تحتية، وبشرية، وثقافية.

افتُتحت الجلسات مع الباحث المغربي إدريس مقبول بورقة عنوانها: "المدينة العربية الحديثة: قراءة سوسيو-لسانية في أعراض مرض التمدّن". ركّز مقبول في ورقته، بعكس عنوانها، على الجانب السوسيولوجي، من دون أن يعطي أمثلةً على المسألة اللسانية؛ ما لفت انتباه أستاذ علم الاجتماع الفلسطيني إيليا زريق، الذي أشار في مداخلته إلى ما يفعله الاستعمار في فلسطين من تغيير لأسماء الأمكنة والشوارع.

في أولى جلسات سؤال الحرية، ناقش الباحث علي الصالح مُولَى "الحرية في كتابات راشد الغنّوشي: بحث في النسق والأصالة". تطرح الورقة سؤالين: "ما الذي تتميّز به مقاربة الغنّوشي عن سائر المقاربات الإسلاموية؟ وهل تُعدّ مقاربته مسألةَ الحرية في الإسلام تجاوزاً فعلياً للمنتوج الإسلاموي المتداوَل وتأسيساً لتحوّلٍ نوعي فيه؟".

يخلص مولى إلى أنه لاحظ من خلال التدقيق في كتابات الغنّوشي ومقارنتها بغيرها ووضعها في سياقاتها المختلفة، أن الأخير "أقام أطروحتَه في الحرية على مقدّمات نظرية حول أصل الخَلق ووظيفة العمران ومسؤولية الإنسان في الإسلام في إطار فكرة كلاسيكية تنهض على مبدأ التعارض مع فلسفات الغرب ومبادئه، وصاغ في ضوء هذا التناقض المحدّداتِ الهُوويّةَ للحرية في كلٍّ من الإسلام والغرب. وهو بذلك يَقطع كلّيًا مع العقل الإصلاحي، ويُنشئ في إطار المَسلك الأصولي عامّة والإخواني بخاصّة، رؤيته للحرية".

بينما جاءت الجلسة التالية في هذا المحور بعنوان "الحرية في الإنتاج الفكري والفلسفي المعاصر"؛ إذ تطرّق فيها الباحثون إلى "حرية المفهوم الفلسفي في الفكر العربي المعاصر: بحث في شروط إمكان العقل الحر"، و"ماذا يعني أن نفكّر عربياً في الحرية؟" و"الحريات الفردية في عالم متغيّر: الفرد ضد المجتمع"، تناولت الجلسة الثانية من محور المدينة العربية "التغيّرات المورفولوجية في المدينة العربية المعاصرة".

ناقشت الجلسات الثلاث واقع المدن في المغرب العربي. أوّلها، كانت دراسة سوسيو-أنثروبولوجية للعلاقات الاجتماعية بين الجيران في حي الهضاب بمدينة أرزيو في وهران، قدّمتها نورية سوالمية.

بدَت الورقة مُغرقة في محليّتها كونها تتناول حيّاً في المدينة الجزائرية؛ إذ حاولت الباحثة أن تتقصّى كيفية نسج الروابط الاجتماعية بين الجيران في مجتمع حضري محلي متميّز، وعلاقتها بنسيجه العمراني وتركيبته السكّانية.

من جهته، ذهب الباحث المغربي، الكبير عطوف، إلى مدينة الدار البيضاء، ليتناول التمدين والهجرة والتحوّلات الاجتماعية في ظلّ تحديات الماضي والحاضر. وأشار في ورقته إلى أثر الاستعمار على المدينة، اجتماعيّاً وعمرانياً؛ حيث أفرز مناطق تتناقض في طبيعتها، "فبينما تظهر بعض المناطق كأنّ من يسكنها انتفع من الاستعمار ليحظى بمنطقةٍ تبدو ميسورة، غرق آخرون في مناطق هزيلة عمرانياً، ما انعكس على مجتمعاتها التي ظلّت تُوصَم بالفقر والجهل".

هكذا، تواصلت جلسات اليوم الأوّل، لتظلّ منهمكةً في نقاش محورَي المؤتمر، الذي يواصل أعماله يوم غد، مع جلساتٍ جديدة، يفتتحها المفكّر العربي عزمي بشارة بمحاضرة تأسيسية، ثمّ تنطلق الجلسات، أوّلها بعنوان "الحرية الدينية وحرية المعتقد"، وتسير معها بالتوازي "المدينة العربية والتحولات الاجتماعية - الاقتصادية".



اقرأ أيضاً: "مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية": أسئلة الحرية والمدينة العربية

المساهمون