هنري دو كاستر والمغرب: طبقة منسية من الاستعمار

هنري دو كاستر والمغرب: طبقة منسية من الاستعمار

02 يونيو 2017
(تفصيل من الخريطة التي وضعها دو كاستر)
+ الخط -

هل كان الاستعمار مجرّد خطوة عسكرية أخضعت بلدان شمال أفريقيا، أم أن علينا الحفر في طبقات أعمق كي نفهم ما جرى، فالسلاح ليس سوى الجزء الظاهر من شبكة من العناصر التي تساهم جميعها في احتواء بلد لآخر، بداية من الملاحظة بالعين المجرّدة وصولاً إلى اتفاقيات التسليم بالهزيمة أو ما يسمّيه المستعمرون "الحماية".

حتى نهاية أيلول/ سبتمبر المقبل، يتواصل في قاعة العرض في مؤسسة "الأرشيف الوطني" في الرباط معرض بعنوان "هنري دو كاستر والمغرب". معرض يعيد إضاءة التاريخ الكولونيالي للمغرب من أكثر من زاوية.

حين يعودون إلى القرن التاسع عشر، يعتبر المؤرّخون المغرب بلداً مغلقاً، فقد ظلّ عصياً على الغزو البرّي من قبل القوى الاستعمارية رغم جيرتها له (إسبانيا، البرتغال، فرنسا)، فظلّ مجتمعه في حواضره الداخلية خصوصاً؛ فاس ومكناس ومراكش، يتطوّر ضمن قوانينه الخاصة، كما أنه البلد الشمال الأفريقي الوحيد الذي لم تطاوله يد السلاطين العثمانيين. هذا الوضع يجعل كثيرين يتساءلون؛ ما السر في انتهاء هذه المقدرة على الصمود عند مشارف القرن العشرين، وأصبح المغرب كغيره من البلاد العربية، والشرقية عموماً، مهيّأً للغزو؟

لا يمكن تطوير الإجابة بالنظر إلى تاريخ المغرب وحده. وما يوثّقه معرض "هنري دو كاستر والمغرب" هو ربما الجزء الناقص من الصورة. فمادة المعرض هي وثائق ترتبط بشخصية لها علاقة وطيدة بنجاح خطّة الاستعمار، غير أنها باتت منسية بعض الشيء وراء أسماء أكثر شهرة مثل الجنرال توما روبير بوجو أو الرسّام أوجين دولاكروا أو الأنثروبولوجي جاك بيرك.

دو كاستر كان جغرافياً، وهؤلاء حظهم من الشهرة قليل، غير أنه قد يكون أعظم خطراً. ففي الوثائق المعروضة نجد رسوماته الأولى بعد رحلات إلى المغرب في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، وهي رسومات ذات أبعاد تخطيطية، حيث إنها كانت أولى لبنات وضع أقدم خريطة للمغرب، وهو مشروع اشتغل عليه دو كاستر بدعم قوي من قناصل الدول الأوروبية ذات الأطماع الاستعمارية في المغرب، ووجد سبيلاً إليه حين جرى تكليفه في 1887 بإنجاز هذه الخريطة، والتي تذكر إلى اليوم كأقدم خرائط المغرب مع التغافل عن نصفها المظلم بأنها كانت أحد عوامل إسقاط البلاد في يد الاستعمار الفرنسي بعد عقود قليلة.

هكذا يبدو معرض "هنري دو كاستر والمغرب" حمّالاً لظاهر وباطن؛ ظاهره هو تبيان العلاقات التي بناها المستشرقون مع مواضيعهم الشرقية، وباطنه إخراج اللامرئي من اشتغالاتهم إلى النور.

المساهمون