الأدب الفلسطيني في إيطاليا: اهتمامٌ في حدود الاختصاص

الأدب الفلسطيني في إيطاليا: اهتمامٌ في حدود الاختصاص

05 سبتمبر 2019
(المترجم والأكاديمي الفلسطيني وسيم دهمش)
+ الخط -

رغم أنَّ عدد الترجمات من الأدب العربي ارتفع في السنوات الأخيرة في إيطاليا، خصوصاً في مجال الروايات المعاصرة، فإنَّ الثقافة العربية لا تزال مجهولةً عموماً، إذا استثنينا القليل من المتابعين المتخصّصين.

يُقال إنّ الترجمة جسرٌ يربط بين ثقافات الشعوب. ولكن حين نتكلّم عن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإيطالية وننظر إلى ما يحدث حول هذه الترجمة، نجد أن هناك عناصر أخرى علينا أن نأخذها بعين الاعتبار.

من المؤكّد أن الترجمة عملٌ سياسي مرتبط دائماً بظروف سياسية مرحلية، وبالرقابة؛ سواء المفروضة سياسياً أو ذاتياً. وقد لاحظ هذا الأمر بعض المثقّفين العرب، ونذكر هنا مقالاً نشره الكاتب المصري إبراهيم فرغلي في عام 2012 بعنوان "هل هناك أهمية لترجمة الأدب العربي إلى لغات أجنبية حقّاً؟"، يقول فيه: "هل ثمّةَ أهمية بالفعل لأنْ يُترجَم الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية؟ وهل تُؤدّي مثل تلك الجوائز حقاً إلى انتشار الأدب العربي في لغات أخرى؟ وأخشى أن إجابتي على السؤالين هي إجابة بالنفي، بـ "لا" قاطعة وبلا تردُّد".

وقد تحدثتُ عن هذا الموضوع مع الأستاذ الجامعي والمترجم الفلسطيني وسيم دهمش، الذي يُقيم في إيطاليا؛ حيث أسّس دار نشر باسم "إيديتسيونكو" (EdizioniQ) متخصّصة في إصدار ترجمات من الأدب الفلسطيني.

الكثير يعرف أنَّ القضية الفلسطينية حاضرةٌ في النقاش السياسي في إيطاليا، ولكن ليس هناك اهتمام كبير بالأدب الفلسطيني. سألتُ دهمش عن الجديد الذي ستقدّمه دار نشر مختصّة بنشر الأدب الفلسطيني، فكان ردّه أن الأدب العربي عموماً لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقّه، لا في أوروبا ولا في العالم العربي نفسه.

تكمن المشكلة، في رأي دهمش، في أنَّ دور النشر الإيطالية تقوم بإصدار أعمال لكتّاب أغلبهم حازوا شهرةً بعد ترجمة كتاباتهم إلى الفرنسية أو إلى الإنكليزية. وطبعاً قد يخضع اختيار الكِتاب لاعتبارات سياسية، كما حصل مع الأدب السوري مؤخّراً بعد عام 2011، حيث قامت بعض دور النشر التي تنشر بالإنكليزية والفرنسية بنشر عدد كبير من الكتب لكتّاب سوريّين أو قُدِّموا كسوريّين.

وجدير بالذكر أن دار "EdizioniQ" تنشر سلسة كتب عن الأدب الفلسطيني، من بينها أعمال فلسطينية تُترجم للمرّة الأولى إلى الإيطالية. ولا شك في أن الأدب أداة من أدوات مقاومة الاستعمار عموماً - بما في ذلك الاستعمار الإسرائيلي - الذي يعمل على طمس شخصية الشعب الفلسطيني وطمس ثقافته أيضاً.

وانطلاقاً من قراءتي للأدب الفلسطيني المعاصر، لاحظتُ أنّ الكاتبات والكتّاب الفلسطينيّين يتمكّنون من إنتاج أدب "ما بعد الاستعمار" رغم أنهم يعيشون تحت سيطرة الاستعمار الإسرائيلي. وهو شيء لم يتمكّن منه أيُّ شعب آخر من قبل. ويرجع ذلك، حسب دهمش، إلى كون الإنتاج الأدبي الفلسطيني ليس إلّا جزئية من المشهد الأدبي العربي الذي يشكّل بدوره جزءاً من الفسيفساء الأدبية العالمية، ويدلي فيهما بدلوه وبهما يحاول التأثير وبهما يتأثّر، وهذا ما جعل الكتّاب الفلسطينيّين يُنتجون أدباً يُمكن أن ينسب إلى أدبيات ما بعد الاستعمار.

من جهة أخرى، يرى دهمش أن النظريات الأدبية الغربية طغت على المنظور الأدبي العربي، فيظن الكثيرون من الأدباء العرب والفلسطينيّين أن لا علاقة للقصة القصيرة المعاصرة بـ "ألف ليلة وليلة" ولا استمرارية بين السيرة الذاتية وتراجم كتّاب العصر العباسي أو السيرة المحمدية، ولا رابط يربط الرواية العربية بروايات الإسراء والمعراج وإلى ما هنالك. وهذا في رأيه أحدث شروخاً جديدة في المنظور الأدبي وتفسُّخاً لا يسمح ببلورة نظرية أدبية عربية على غرار أميركا اللاتينية التي يناقش النقّاد فيها اليوم مفهوم الأدب المضاد للاستعمار.

ممّا سبق - وعكس ما يراه بعض المقللين من أهميتها - أعتقد أن هناك أهمية كبيرة لترجمة الأعمال العربية والفلسطينية خاصة. والأهم من كل ذلك يبقى على عاتق دور النشر في طريقة اختيارها للأعمال الأدبية العربية من أجل ترجمتها، سواء إلى الإيطالية أو إلى لغات أخرى.


* ناقدة ومترجمة إيطالية

المساهمون