أصدقاء لغتنا: مع أنطونيو مارتينيز كاسترو

أصدقاء لغتنا: مع أنطونيو مارتينيز كاسترو

13 مايو 2020
(أنطونيو مارتينيز كاسترو، أمام قبّة الصخرة بالقدس المحتلة)
+ الخط -
 
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "الأدب العربي هو الجسر المتين الذي نعبره بكل ثقة" يقول المترجم الإسباني في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
بدأت علاقتي باللغة العربية أثناء دراستي لها في جامعة الأوتونوما في مدريد أواخر التسعينيات. كذلك زرت الجزائر والمغرب بفضل مشاركتي في بعض المهرجانات مع الفرقة الجامعيّة المسرحيّة "أرابوام" المؤلفة من طلبة اللغة العربية، علاوة على اتّباعي دورة صيفيّة مكثّفة في تونس لتعلّم اللغة العربية. غير أنني، حقيقةً، لم أختبر الانغماس اللغوي بشكلٍ كامل إلا بعد سفري إلى لبنان بموجب منحة دراسيّة لتعلّم اللغة العربية وآدابها. لا مناص من القول إنّ الواقع اللغوي الموجود في الجامعات الإسبانيّة يختلف جذرياً عمّا نجده في الدّول العربيّة. لنقل كانت لدي فكرة عامّة عن اللغة العربية تبلورت بعد إقامتي في المنطقة العربية لمدّة تقارب السبع سنوات.


■ ما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟

- تكمن وراء أوّل كتاب ترجمته قصّة لا بدّ من سردها، لا سيّما أنه لم يكن مترجماً من العربية، بل من الفرنسية. كان ذلك في عام 2002 بُعيد تخرجي من الجامعة، حينها كنت قد انتسبت إلى "لجنة التضامن مع القضية العربية" في مدريد وطُلب مني ترجمة "أربع ساعات في شاتيلا" لجان جينيه لإحياء ذكرى مرور عشرين عاماً على مجازر صبرا وشاتيلا، وذلك دعماً لحملة مقاضاة الإرهابي إريل شارون بتهمة جريمة ضد الإنسانية. قام حينها الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، والذي تربطه صلة وثيقة بالعالم العربي، بكتابة خاتمة تحدّث فيها عن علاقة جينيه بالفلسطينيين. نال الكتاب انتشاراً واسعاً وطُبع عدة مرات. وأنا سعيد لإنجاز ترجمة ذلك الكتاب أيضاً لأن أستاذي بيدرو م. مونتابيث كتب له مقدمة ندّد فيها بجرائم الاحتلال الإسرائيلي.

أما أوّل كتاب ترجمته مباشرة من اللغة العربية، والذي صدر عن منشورات الشرق والمتوسط الإسبانية، فهو رواية "طيور أيلول" للكاتبة اللبنانية إملي نصرالله. أُتيحت لي فرصة التعرّف إلى الكاتبة وزيارة منزلها الطفولي في قرية الكفير حيث تدور أحداث الرواية. علّمتني هذه التجربة أنّه، من ناحية الترجمة، وبصرف النظر عن الجوانب اللغويّة البحتة، من المهم جداً التعرّف إلى الثقافة والطبيعة اللتين تحيطان بأيّ عمل أدبيٍّ.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك المقبل؟

- آخر إصداراتي المترجمة من العربية هو ديوان "أول الجسد، آخر البحر" للشاعر أدونيس، وهو صادر عن دار باسو روتو (2020)، وقمت بترجمته بالتعاون مع جعفر العلوني. حالياً انتهيت من مشروعين سيصدران قريباً، الأول هو رواية "علي، قصة رجل مستقيم" للكاتب الفلسطيني حسين ياسين؛ والثاني، ترجمة "رسالتان في الجبر" للعالِم عمر الخيام: "رسالة في قسمة ربع دائرة" و"رسالة في الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما".


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟

- أعتقد أن أكبر عقبة أواجهها كمترجم من العربية إلى الإسبانية هي إمكانية خلق نص في اللغة المنقول إليها أقل ما يمكن القول عنه إنّه نص غير مترجم، وإنما مكتوب، أصلاً، في اللغة الإسبانية. وهذا، حقيقةً، صعب جداً، لا سيّما أنه عليك كمترجم أن تراعي الأسلوب الخاص لكل مؤلف. هنا، فعلاً، تكمن براعة المترجم في خلق هذا النص كما لو أنه مكتوب باللغة الأم مراعياً أسلوب شخص آخر. وهذا يقتضي، بالضرورة، غربلة ما هو خاص بأسلوب المؤلف، وذلك المتعلق بطبيعة اللغة العربية نفسها.

العقبة الثانية التي أظن أنني ما زلت أحاول أن أجد لها حلاً، تحديداً في بعض الأعمال النثرية، هي قضية الفصحى والعامية، أي وجود استخدام وفير للهجات، لا سيّما في الحوارات، في حين يأتي سرد الأحداث الأخرى في اللغة الفصحى. حتى الآن ما زلت أفكر ملياً في الأمر: هل أستطيع أن أترجم هذه اللهجة التابعة لمنطقة عربية معينة بلهجة مقابلة لها من دول العالم الإسباني؟ هذه مخاطرة كبيرة محفوفة بالصعوبات. في العموم دائماً ما نفقد شيئاً من روح النص الأصل في الترجمة. على الرغم من هذا، حتى الآن كلما انتهيت من نص مترجم، أشعر كما لو أنني أضع القطعة الأخيرة في لغز فيه الآلاف من القطع الأخرى.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟

- قد يكون هذا صحيحاً في ما يتعلق بترجمة الفكر العربي المعاصر. لكن لم يكن الأمر كذلك دائماً، على الأقل في إسبانيا، لا سيّما إذا نظرنا إلى الأعمال الأندلسية. في دراسة إحصائية صدرت عن مؤسسة ابن طفيل الإسبانية للدراسات العربية والإسلامية تبيّن أن معدل ترجمات الأعمال الأندلسيّة من العربية إلى اللغة الإسبانية يقارب الـ11 % من المجموع العام، وأن أكثر الميادين المترجمة هي التاريخ والجغرافيا ثم الفلسفة والمنطق قبل الشعر والأدب، ذلك أنَّ الدراسات العربية في إسبانيا كانت، حتى وقت قريب، ترتكز، أساساً، على التاريخ والفكر الإسلامي.

لست خبيراً في هذا الشأن، لكن من الواضح أنَّ الفكر العربي المعاصر ليس في أحسن أحواله. وهذا، بدوره، يبرر التوجّه إلى ترجمة الكتب التي تعود إلى حقب سابقة كان الإنتاج الفكري العربي فيها متألقاً. كذلك إذا ما فكرنا بعقلية الناشر، فإنَّ هذا المجال غير مربح مادياً. ربما إذا تولّت الجامعات والمؤسسات الرسمية مسؤولية هذا النوع من الترجمة قد نتجاوز هذه الأزمة.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟

- غالباً ما يكون التعاون مع أفراد تربطني بهم علاقة صداقة قوية ومتينة. كذلك لديَّ صداقات جيدة مع بعض الكتاب والأكاديمين العرب. أما بالنسبة لمسألة التعاون مع مؤسسات عربية، فحقيقة لا يوجد أي تعاون. غير أنني أطمح من مكان عملي مترجماً وأستاذ لغة عربية في مدرسة اللغات إلى فتح باب التعاون مع مؤسسات عربية تُعنى بنشر اللغة العربية وثقافتها هنا في ألمرية. فأهلاً وسهلاً بأي مبادرة عربية من هذا النوع.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟

- لا أعتقد أنني أستطيع الإجابة عن هذا السؤال باختصار، فالحديث عن الأدب العربي يطول. في رأيي، إنه المرآة التي تعكس صورة عوالم العالم العربي المتنوعة والمختلفة. يمكّننا الأدب العربي من السفر خارج حدود الزمان والمكان لنتعرف إلى حقيقة العرب وإلى أبعادهم الثقافية وتغيراتهم الجوهرية في كافة الأصعدة. نحن اليوم بحاجة ماسة لكي نتعرف إلى بعضنا البعض. من هنا تأتي أهمية الأدب العربي لأنّه يوفر لنا هذا المُناخ الصحي والسليم لكي نمد جسور الحوار والتواصل الثقافي. أعتقد أن الأدب العربي، بأجناسه التعبيرية المختلفة، هو ذلك الجسر المتين الذي نعبره بكل ثقة وأمان من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث نلتقي مع ذواتنا. باختصار، الأدب هو ذلك الفضاء الساحر الذي نطوفه بأعيننا وننتقل عبره بأجسادنا من مكان إلى آخر على غرار سفرنا بين الأسطر أثناء القراءة.


بطاقة
ليس أنطونيو مارتينيز كاسترو مجرّد أكاديمي ومترجم للأدب العربي إلى الإسبانية أو صديق للغتنا فحسب، وإنما هو بإنتاجه وشخصيته ومواقفه ابن وفيّ لهذه الثقافة وحامل لقضيتها، سواء من موقعه كمثقف إسباني يعتبر الإرث العربي للأندلس إرثه الوطني أو كإنسان حر يقف مع القضية العربية وعنوانها قضية فلسطين.

ولد مارتينيز كاسترو في مدريد عام 1973، وهو حاصل على ماجستير في اللغة العربية وآدابها من معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت عام 2009، ودكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة الأوتونوما في مدريد (2016). ساهم في تأسيس أقسام اللغة الإسبانية وآدابها في جامعتي دمشق وصنعاء الجديدة. ويعمل حالياً رئيساً لقسم اللغة العربية في مدرسة اللغات الرسمية في ألمرية.

ساهم في إصدارات مشتركة على غرار "كافة الأناجيل" (2010) و"أناشيد عربية في قصبة ألمرية" (2013)؛ ونقل إلى العربية مسرحية "غاية المنى، جارية ألمرية" لسيرخيو أربوليدا رودريغيث (2014) ومسرحية "المِنوَر" لأنطونيو بيورو باييخو (2017)؛ وصدر له في الإسبانية رواية "طيور أيلول" لأملي نصرالله (2015)؛ وديوان "أول الجسد، آخر البحر" لأدونيس (بالاشتراك مع جعفر العلوني، 2020)؛ وستصدر له هذا العام ترجمته الإسبانية لـ "رسالتان في الجبر" لعمر الخيّام، ورواية "علي، قصة رجل مستقيم" للكاتب الفلسطيني حسين ياسين.

 

المساهمون