شارل ديغول: عودة ثقافية وإسقاطات سياسية

شارل ديغول: عودة ثقافية وإسقاطات سياسية

20 مارس 2020
من فيلم "ديغول"
+ الخط -

18 حزيران/ يونيو 1940... يمثّل هذا اليوم لحظة أساسية في تاريخ فرنسا توسم عادة بـ"نداء 18 حزيران". كان ذلك مع زمن الغزو النازي لفرنسا ودخول الحكومة في مفاوضات إعلان الهزيمة، غير أن قائداً عسكرياً قد أصبح منذ فترة قصيرة جنرالاً تواصل مع الشعب الفرنسي من خلال الإذاعة البريطانية من لندن داعياً إلى عدم الاستسلام، ما سيخلق منعطفاً في مسار الأحداث، إضافة إلى أهمية تلك الخطوة لاحقاً في سمعة فرنسا وبقائها ضمن ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

كان ذلك الجنرال هو شارل ديغول (1890 -1970)، والذي تمر هذه السنة ذكرى رحيله الأربعون، وهو ما نتجت عنه عودة ثقافية قوية إليه في فرنسا قبل أن تقطعها أخبار انتشار فيروس كورونا. تجّلت هذه العودة خصوصاً في إعادة إصدار مذكراته، والتي تعدّ من أكثر نصوص السياسيين والعسكريين مقروئية منذ عقود، علماً أن الطبعة الجديدة شهدت إضافة نصوص جديدة.

تجدر الإشارة إلى أن المذكرات قد صدرت ضمن سلسلة "بلياد" التي تخصّصها "دار غالمار" لجمع أبرز أعمال الكتّاب باللغة الفرنسية وكأن الأمر يتعلق باعتراف بأن ما كان يكتبه ديغول كان يتضمّن بعداً فنياً، وإن أثار ذلك جدلاً بين الدارسين على اعتبار أن الرئيس الفرنسي السابق كان على مستوى الأسلوب يدافع عن نمط من الكتابة (والإلقاء أيضاً) قد تجاوزته الذائقة الأدبية، وكان يمثّل في عصره نموذجاً لتواصل تقاليد كتابة عتيقة تعبّر عن جيل بأسره وشريحة من المثقفين.

منذ أسابيع صدر أيضاً فيلم تاريخي بعنوان "ديغول" لـ غارييل ديبومان، وهو عمل خصّصت له الدولة الفرنسية ميزانية ضخمة وكان يعوّل على حضور جماهيري كبير، غير أن الفيلم لم يُعرَض سوى لأسبوعين قبل أن تغلق صالات السينما أبوابها بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا.

يركّز الفيلم على لحظة 18 حزيران 1940 وهو يفسّر بها الموقع الذي سيحتله ديغول لاحقاً في تاريخ فرنسا، وهنا لا يخفى أن تلك اللحظة يمكن اعتبارها أساسية إلى اليوم، حيث أن "نداء 18 حزيران" تحوّل لاحقاً إلى رصيد سياسي أوصل ديغول إلى رئاسة فرنسا بل أكثر من ذلك أصبح مؤسّساً لما يعرف بـ"الجمهورية الخامسة" وهو النظام السياسي المستمر إلى اليوم.

العودة إلى ديغول جاءت ضمن سياقات عديدة أهمها اهتزاز الثقة الشعبية بالجمهورية الخامسة ومقولاتها، فلا ننسى أن فرنسا شهدت بين نهاية السنة الماضية وبداية السنة الجارية موجة إضرابات لم تعرفها منذ سنوات طويلة، وكما أن نفس الفترة قبل سنة شهدت تصاعد أحداث "السترات الصفراء". غير أن هذه العودة الثقافية إلى ديغول والأهداف السياسية من ورائها تبدو اليوم وقد جرفها انتشار فيروس كورونا في فرنسا.

المساهمون