حصاد 2019: الثقافة إذ تراوح مكانها

حصاد 2019: الثقافة إذ تراوح مكانها

05 يناير 2020
(تفصيل من "مسيرة العودة الكبرى"، ستيف سابيلا، 2019)
+ الخط -

يبدو المشهد الثقافي في أكثر من بلدٍ عربي، خلال 2019، امتداداً لما قبله، أو نتيجةً حتميةً له: تراجُعٌ أكبر للنخب والمؤسّسات التقليدية، وأسئلةٌ جديدة قديمة حول وظيفة الثقافة في المجتمع، في ظلّ واقعٍ إمّا تهيمن عليه المؤسّسة الرسمية برمّته، أو تغيب عنه تماماً تاركةً المجال لمبادراتٍ فردية.

تميّز هذا العام بأن أربع بلدان عربية، هي لبنان والسودان والعراق والجزائر، عاشت موجةً جديدةً من الانتفاضات الشعبية التي ألقت بظلالها على المشهد الثقافي؛ ففي لبنان، جمّد عددٌ من المؤسّسات الثقافية أنشطتها مع بداية الاحتجاجات تضامناً مع المتظاهرين وتأييداً لمطالبهم، بينما فرضت الأحداث تأجيل تظاهراتٍ معتادة مثل "معرض بيروت الدولي للكتاب". وفي الوقت نفسه، كيّفت بعض الفضاءات أنشطتها مع الحراك الشعبي، مع تسجيل عودةٍ لافتةٍ إلى الغناء السياسي الساخر والغرافيتي التي حوّلت جدران بيروت إلى ما يشبه معرضاً فنّياً مفتوحاً على الهواء.

وفي السودان، أبدت التجمّعات المهنية التي قادت الاحتجاجات فهماً متقدّماً للديمقراطية؛ حيث شارك المهنيون في القطاعات الثقافية في رسم التشريعات التي تعني قطاعاتهم، سعياً للحصول على مكاسبهم في التنمية، وحماية حقوقهم وحرياتهم.

وفي العراق، يبدو المشهد الثقافي، في ظلّ غياب الدولة، نتاج محاولات فردية متعلّقة بأشخاص أو مؤسّسات أهلية تحاول كلّ منها على حدة العمل لصناعة واقع ثقافي يُمكن يشكل متنفساً للثقافة العراقية.

في الجزائر، ورغم تصدُّر وجوهٍ من الوسط الثقافي للاحتجاجات المتواصلة منذ شباط/ فبراير الماضي، في صياغةٍ تصوّراتٍ جديدة للمشهد الثقافي بعيداً عن المؤسّسة الرسمية التي ظلّت المسيطر عليه في ظلّ ندرة المبادرات الثقافية المستقلّة، بل وعبّرت عن توجُّهها نحو فرض مزيدٍ من الوصاية عليه، مع استحداث وزارتَين منتدبتَين مطلع العام الحالي، تُضافان إلى وزارة الثقافية وما يتبع إليها من مؤسّسات رسمية ظلّت تلاحقها تُهم الفساد وسوء التسيير.

ولا يختلف الوضيع كثيراً في تونس. فبعد أن فقدت المؤسّسة الرسمية، ممثّلةً في وزارة الثقافة، كثيراً من سطوتها ومركزيتها بعد 2011، أخذت في السنوات الأخيرة تعود تدريجياً إلى مواقعها القديمة، بدايةً باحتواء تظاهرات بدا أنها أخذت مسافةً من السلطة مثل "أيام قرطاج المسرحية"، أو قطاعات مثل صناعة الكتاب أو فنون الشارع.

وفي مصر التي تتّجه إلى مزيدٍ من خصخصة الثقافة وتسليع الأدب، لم تختلف 2019 عن 2018 في شيء؛ فأزمة الطباعة المترتّبة على تعويم الجنيه لا تزال تلقي بظلالها على سوق الكتاب، في ظلّ انعدام موارد شراء الكتب لدى القطاع الأوسع من المتعلّمين.

وفي الأردن، يبدو المشهد الثقافي راكداً في ظلّ تحاشي معظم الفاعلين الثقافيين طرح أسئلة التغيير للنقاش، رغم أن حاجته تتعاظم يوماً بعد يوم في لحظة تاريخية تشهد انسداد الأفق السياسي في كلّ الاتجاهات، وأزمة معيشية تتفاقم مع فشل خطط التنمية طوال عقود، مع انهيار قيمي.

وغير بعيد، في فلسطين المحتلة، سنقف على وضعٍ ثقافي لا يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة، وإنْ بدا أكثر تفتّتاً وهشاشة إزاء المتغيّرات والأحداث التي تُثير الكثير من الأسئلة حول قدرة جبهة الثقافة في فلسطين أو تطلّعها لإحداث تغيير ملموس في الواقع الحالي.

وشهد العام اندفاعاً غير مسبوق من قِبل أبوظبي والرياض نحو توثيق علاقاتهما مع الكيان الصهيوني، والتهيئة لفرض "صفقة القرن" التي تعني التنازل عن أهم الحقوق العربية، وفي مقدّمتها القدس وعودة اللاجئين، وكان من بين مظاهره التطبيع الثقافي؛ وآخره عرضُ فيلم سعودي خلال مهرجانٍ في "إسرائيل". وفي قطر، افتتحت السنة الماضية بالبدء في المرحلة الثانية من "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، الذي أطلقه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وتواصلت بالعديد من التظاهرات التي استمّرت على مدار العام.

وفي اليمن، ظلّت الحرب المستمرّة منذ خمس سنوات تُخيّم على المشهد الثقافي؛ فقد طاول الدمار جوانب الحياة الثقافية، واستمرّ إغلاق دور النشر وتوقُّف الصحف والمجلّات عن الصدور، وتهريب الآثار وقصف المتاحف ونهبها، وطاول العبث المواقع الأثري، ودفعت الأزمة الاقتصادية بعددٍ من الكتّاب إلى العمل في مجالات لم يكونوا يعملون بها، حيث لجأ البعض إلى جمع قارورات الماء الفارغة أو بيع السمك، واضطر آخرون إلى بيع مكتباتهم الخاصة.

وفي المغرب، شهدت السنة مزيداً من ضمور عددٍ من الهيئات والمنظّمات الثقافية والفنية التقليدية، مع عودة الأسئلة المتعلّقة بوظيفة المثقّف المغربي التي أمست خارج سياق أيّ رهانات للتحوّل، وتزايد النداءات من أجل إعادة الاعتبار للمدخل الثقافي في أيّ سياسة تنموية، في ظلّ انعدام أيّ سياسة ثقافية واضحة المعالم. أما السنة الثقافية السورية ومثلها الليبية فأضاءت ليلهما الداجي إبداعات فردية في مختلف الحقول، محاولة لمّ شتات الخارج وترميم خراب الداخل.  

مِن الآخِر - نجوان درويش

الجزائر 2019.. سنة تنتظر ما بعدها - محمد علاوة حاجي

الأدب المصري.. ما حدث في العقد الأخير - يوسف رخا

العراق 2019: محاولات لاستعادة دور الثقافة - حسن أكرم

فلسطين 2019: حياة ثقافية متشظية - سائد نجم

الثقافة الفلسطينية 2019: أمام الحائط - أمير داود

المغرب 2019... سنة للمفارقات - عبدالحق ميفراني

الأردن 2019: أسئلة التغيير ممنوعة - محمود منير

تونس 2019.. عودة تدريجية إلى الدوائر الرسمية - شوقي بن حسن

لبنان 2019: الثقافة والفن كفعل احتجاجي - لارا عبود

قطر 2019: الثقافة تواصل أشغالها - تيماء دحيم

اليمن 2019: الثقافة على مقربة من الحرب - عبد القادر عثمان

السودان 2019.. التغيير في فصله الأول - كريمة إبراهيم

أميركا 2019: عنصرية الإدارة وحروبها - ابتسام عازم

تركيا 2019: مساحة مع الثقافة العربية - أحمد زكريا

فرنسا 2019: فرجة المعارض والجوائز - محمد المزديوي

كتّاب وباحثون يتحدّثون عن قراءاتهم في 2019 - نوال العلي

المساهمون