شخصيات من ورق

شخصيات من ورق

31 يناير 2020
عمل لـ إبراهيم جوابرة، 2018
+ الخط -

يعترف معظم الروائيين في العالم بأن الشخصية الروائية كائن ورقي، ثم يختلفون في المصدر أو المرجع الذي تأتي منه هذه الشخصيات. هل تأتي من الواقع، باعتبار أن الشخصية وليدة المجتمع بالضرورة، بحسب جمهرة من النقاد؟ أم يمكن أن تأتي من المتخيل مع وجود صلات واهية بالمرجع الواقعي، خاصة إذا كنّا نتحدث عن شخصيات من البشر؟

ويبدو هذا الاختلاف اليوم، خلافاً في الموقف من الرواية عامة، وقد يترتب عليه، إذا ما وجدنا إصراراً على نفي الكائن الورقي واعتباره ممثلاً للكائن الآخر الواقعي، أو العكس، أي الإصرار على فصل الشخصية الروائية عن المرجع الواقعي، مواقف سياسية وفكرية تجاه النوع الأدبي ككل، أو تجاه هذه الرواية أو تلك من الروايات، كما يخبرنا تاريخ الأدب، وتاريخ العلاقة بين المرجع والرواية.

ومع ذلك فإن من الصعب التطابق مثلاً، كما يشير إلى ذلك فيليب هاموند (سيميولوجية الشخصيات الروائية) بين نابليون في المعجم، ونابليون في كتاب مدرسي للتاريخ، ونابليون في رواية "الحرب والسلم" لتولستوي. الشخصية الروائية مقروءة من بابين أحدهما هو الكاتب الروائي، الخالق، أو المنتج، والثاني هو القارئ، وهو الذي يعتمد عليه اليوم في استراتيجيات القراءة.

ولا شك أن القرّاء، والنقاد هم قرّاء أولاً، هم الذين صنعوا مجد الأعمال الروائية والمسرحية العظيمة. غير أن المدارس النقدية المعاصرة وضعت حدوداً لنفسها تختلف عن الحدود التي يقرأ فيها القرّاء عامة الرواية، ولا يعرف معظم القرّاء في العالم كل النظريات التي تتحدث عن الشخصية الروائية، ولهذا فإن أساس القراءة هو اليقين بأن الشخصية الورقية يمكن أن تكون تمثيلاً حقيقياً للأشخاص الأحياء.

ومن المعروف أن مثل هذا يقسّم الكتابة الروائية بين اتجاه يسعى بقوة للبحث عن الإقناع في الرواية، واتجاه لا يُعنى بأن يكون سلوك الشخصية مقنعاً، أي هو صورة عن الأشخاص الذين من لحم ودم (رواية "العطر" لزوسكيند مثلاً).

وقد تكون بعض الشخصيات الورقية أكثر صلاحية لتمثيل الواقع من الشخصيات الحقيقية. وأظن أن القناع الذي يرتديه البشر الذين من لحم ودم له دور كبير في عدم قدرة المراقب على اكتشاف خصائص العصر لديهم، بينما لا تفعل الشخصية الروائية مثل هذا قطعاً، وإذا فعلت ذلك في اللعبة الروائية، فإن القارئ سوف يعلم، وسوف يكون ارتداء القناع في الرواية جزءاً من لعبة الروائي أيضاً.

إذا كان من الصعب أن نعرف الشخصية البشرية الحيّة، فهل صحيح أننا لا نستطيع معرفة الشخصية الروائية الورقية؟ ثمة من يؤمن بهذا، وبسبب ذلك فإن الكتابة الروائية سوف تستمر ما دامت الطبيعة الإنسانية مجهولة، وربما يمكننا القول إن الرواية سوف تستمر باستمرار بقاء الإنسان.

أو لنقل إن نقص المعرفة بأسرار الإنسان وطبيعته ونفسيته، هو الدافع الأكبر لدراسته والتعرف إليه، في كل العلوم الإنسانية، كعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع، وغيرها.

وبالمثل سوف يكون سبباً أو أحد أسباب الكتابة الروائية التي تخلق كائناً إنسانياً آخر موازياً للكائن الحي، تعمل تلك العلوم على اكتشاف طبيعته ونفسيته.

(روائي سوري)

المساهمون