موسم العودة إلى التراث الصوفي في تونس

موسم العودة إلى التراث الصوفي في تونس

14 يناير 2020
(من عرض الزيارة لـ سامي اللجمي)
+ الخط -

لا شكّ بأن المدوّنة الصوفية تمثّل أحد عناصر المشهد التراثي التونسي، ككل البلاد العربية، حيث تأسّست لقرون فضاءات ناشطة وتقاليد في هذا الإطار، بالتالي لن يكون من المستغرب أن نجد أثراً لهذه المدوّنة في عدد من العروض الفرجوية. غير أن تواتر إنتاج أعمال تقوم على العودة إلى التراث الصوفي في فترة قصيرة يدعو إلى طرح عدد من التساؤلات، خصوصاً أنها فترة لا تتزامن مع مناسبات دينية مثل المولد النبوي أو شهر رمضان.

ثلاثة عروض شهدتها وتشهدها تونس العاصمة خلال أيام، يكاد هيكلها يكون واحداً، فيما تختلف فقط على مستوى خيارات عناوين الأغاني الصوفية التي تؤثث بها عروضها، حيث جرى تقديم عرض "التخميرة" لمراد باشا يوم السبت الماضي، 11 كانون الثاني/ يناير الجاري في "دار الثقافة ابن رشيق"، فيما احتضن "المسرح البلدي" عرض "الزيارة" لسامي اللجمي بعد يوم، إضافة إلى العرض الجماعي "عجعاجي" الذي يقدّم يوم الجمعة المقبل.

كثيراً ما يفسّر مطلقو هذه المشاريع الفنية توجّههم إلى المدوّنة الموسيقية الصوفية برغبة في العودة إلى أحد عناصر الهوية التونسية، وهو أمر كانت له مبرّراته في زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث كان النظام يحرص على صورته العلمانية من خلال ترك كل ما هو تراثي على هامش الحياة الثقافية، وقد كان عرض "الحضرة" لفاضل الجزيري الذي انطلقت عروضه في تسعينيات القرن الماضي وتستمر إلى اليوم، والقائم هو الآخر على المدوّنة الصوفية، استثناءً ضمن هذا التوجّه الرسمي حيث حظي بدعم الدولة ضمن محاولة احتواء التيارات ذات النزعة الإسلامية في المجتمع التونسي بمنتج ثقافي يعبّر عنها. أتاح ذلك الاستثناء الذي منحته السلطة لعرض "الحضرة" جماهيرية موسّعة لعلّها تمثّل هي الأخرى سبباً في تحرّك كثير من الموسيقيين والمسرحيين نحو خيار الفنون الصوفية وإعادة إنتاجها ضمن تصورّات الفرجة الحديثة، وإن كان من الضروري الإشارة إلى أن كثيرين باتوا يبحثون عن كسر احتكار الجزيري في صياغته المُمسرَحة لعوالم الصوفية مثلما هو الحال مع مجموعة عروض قدّمها في وقت سابق توفيق دغمان بعنوان "الحضرة الأصلية".

غير أن التفسير القائم على استعادة عنصر من عناصر الهوية التونسية يبدو مهتزاً بعض الشيء حين نرى قلة الاستثمار في أنماط موسيقية أخرى تمثل هي أيضاً جزءاً لا يتجزّأ من هوية التونسيين مثل المالوف (الموسيقى ذات الأصول الأندلسية)، أو المِزْوِد (نوع موسيقي رائج في الأحياء الشعبية لمدينة تونس العتيقة)، أو الغناء البدوي.

يبقى أن معظم المشاريع الفنية التي أُنجزت حول الصوفية تقوم إلى اليوم على استعادات فولكلورية بالأساس، كما أنها تقوم على رؤية فرجوية مبالغ فيها تجعل من الاحتفالية محور العمل الفني، بعيداً عن الجوانب الروحيّة التأمليّة التي هي في الأصل ركيزة لكل إبداع صوفي.

أما الجانب المضيء من المسألة فهو أن الأعمال الفرجوية حول الصوفية باتت تمثّل إطاراً جديداً في الحياة الثقافية التونسية يتيح التقاء دوائر فنية تبدو عادة معزولة عن بعضها مثل المسرح والموسيقى والبحث في التراث.

المساهمون