جنان مكي باشو.. العالم بوصفه خردة

جنان مكي باشو.. العالم بوصفه خردة

08 اغسطس 2019
من أعمال المعرض
+ الخط -

تعتمد الفنانة اللبنانية جنان مكي باشو (1947) في أعمالها النحتية التي تقدمها منذ أربعة عقود، على بقايا المواد المعدنية وشظاياها، وعلى الخردة بشكل أساسي، وهي تجربة تجري إضاءتها ضمن معرض بعنوان "مواسم لا نهاية لها من الهجرة" يُفتتح اليوم الخميس في "غاليري أجيال" في بيروت.

باعتماد نفس المواد، كانت باشو قد اشتغلت على شجرة الأرز كرمز لأول مرة قبل ربع قرن، وقد اشتهر منه تمثال الأرز الذي صنعته من الشظايا التي أصابت منزلها في عام 1983، لكنها تتجه في معرضها الحالي إلى قضية اللاجئين، وتحديداً من غادروا بلدهم مع بدية الحرب في سورية، خصوصاً في الفترة التي شهدت صعود "داعش".

يبدو المشروعان مرتبطان عضوياً، فإذا كان المعرض الأول إعادة تركيب شجرة الأرز من شظايا الحرب اللبنانية فإننا يمكن أن نرى المعرض الثاني كإعادة تركيب مأساة اللاجئين من شظايا الحرب السورية، وكلا الحربين تمثل عرضاً من أعراض مشكلات الدولة القومية الحديثة.

من أعمال المعرض "شاحنة تحمل سجناء"، منحوتة من الحديد، تجسّد أسيرين من أسرى داعش بثياب الإعدام البرتقالية يجري نقلهما، في شاحنة تبدو منهكة.

عمل آخر تحت عنوان "موتوسايكل" ذلك الذي يجسّد المليشيا والفوضى من خلال دراجة نارية تقل مسلحين، وكذلك تفعل منحوتة "دبابة".

وفي "سجناء" تعود باشو، إلى واقعة حدثت في 2015، حين وضع تنظيم "داعش" 21 كردياً في أقفاص حديدية وطاف بهم في شوارع كركوك استعداداً لحرقهم. في تجهيز آخر نكون حيال تجسيم لأرض من الرمل والبحر.

في البحر نرى القوارب تحمل عشرات البشر، وفي الرمل نجد شاحنات سجناء وجنود وأشخاص يستعدون للإعدام، إنها تركيبات تنقل ببساطة صورة الهاربين من الموت بيد الإنسان ليتحولوا إلى هاربين يقتلهم الغرق؛ ثمة رايات سود كثيرة، وليس ثمة منقذون.

في القوارب المنحوتة من البرونز، نجد طفلاً معلقاً في مقدمة قارب الموت، وحشداً من المنهكين في القارب قريباً سيسقطون في الماء، ويستحيل أن يستمر صمود الطفل على طرف القارب.

كل الأشخاص في أعمال باشو في أقفاص، الدبابة قفص، والأقفاص هي فعلاً سجون صغيرة، والقوارب أقفاص، والشاحنات أقفاص، والدراجات النارية أقفاص، والبحر موت واليابسة أيضاً موت.

تنتمي منحوتات باشو إلى عالم الـ مينياتور، الأعمال المقزّمة والمصغرة، ويبدو معرضها مساحة مصغرة للعالم في لحظة انفجار، حيث لا أمان بين عالمي البحر واليابسة، والبشر يعيشون على وقع الموت في كل مكان، وقتل مئات البشر من كل الطوائف والأديان والهويات.

في كل مرّة، تبدو باشو وكأنها تلتفت إلى السنوات الدامية وتحاول أن تجمعها في منشأة من المصغرات النحتية من الحديد والمعدن والخردة. إنها تحوّل العالم إلى خردة إنسانية في معرض يحيل اسمه "مواسم لا نهاية لها من الهجرة" إلى عنوان رواية الطيب صالح، وفي النهاية نفهم أن مأساة الهجرة - كما الحرب - لم تنته بعد.

المساهمون