"إبراهيم الصلحي.. تسكين الألم": كل شيء يتحول فناً

"إبراهيم الصلحي.. تسكين الألم": كل شيء يتحول فناً

07 اغسطس 2019
(من المعرض، حبر على علب الأدوية والمغلفات)
+ الخط -

في مطلع الستينيات، تعرّف الفنان التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي (1930) إلى عدد من المثقفين، الذين تصدّروا حركة التحرّر الوطني في القارّة الأفريقية، مثل الكاتبيْن النيجيرييْن وولي سوينكا وتشينوا أتشيبي، وكان التقاءً في الأفكار السياسية وفي إعادة إنتاج التراث، من أجل بناء هوية وطنية حديثة.

منذ تلك اللحظة، بدأ بحثه عن لغة بصرية خاصة به عبر التجريب المتواصل في عناصر الخط العربي والزخارف الإسلامية والفنون التقليدية في بلاده، ليدخل في تجربة ثانية تركت أثرها الذي لا يمحى لليوم حين اعتقل عام 1975 بتهمة محاولة الانقلاب على نظام النميري، وهناك سيرسم أعمالاً ستظلّ نقطة مرجعية في تجرته.

حتى يوم الأحد الحادي عشر من الشهر الجاري، يتواصل معرض "إبراهيم الصلحي: تسكين الألم" في غاليري "ساتشي" في لندن الذي افتتح في السابع من يونيو/ حزيران الماضي، بعنوان يحيل على مشاكل الظهر المزمنة التي يعانيها الفنان ابن التاسعة والثمانين، ولا تنحسر إلا عندما يمارس الفن. يضمّ المعرض نحو مئة وثمانين رسماً مصغراً بالحبر على سطح علب الأدوية التي يتناولها والمغلفات بعد استهلاك محتوياتها، وهي جزء من مشروع لا يزال في بدايته بحيث تكوّن لوحات كبيرة الحجم بارتفاع يقترب من المترين تنقل بتقنية الطباعة على الشاشة الحريرية، فتتراكم الأجزاء الصغيرة لتشكل مشهدية كاملة.

تذكّر هذه الرسومات بما اشتغله في سنوات السجن وغلبت عليه الرسوم التوضيحية بالأحبار الملونة أو بالأسود والأبيض على سطوح جافة بالخطوط، بأحجام مختلفة في تجريد ورمزية تحمل بعداً فلسفياً، مستخدماً أغلفة أكياس الإسمنت وغيرها من الموادّ التي حوّلها إلى سطوح ملائمة للرسم، دون أن يضع مخطّطاً مسبقاً لأعماله مع تسجيل الملاحظات حولها في دفتر ظلّ يحتفظ به الصلحي.

سنتان في الزنزانة أوصلته إلى الانقطاع عن الواقع، كما عبّر لاحقاً في حديث صحافي، والذي أتى بعد تأسيسه برفقة فنانين آخرين ما عُرفت بـ "مدرسة الخرطوم التشكيلية" في الستينيات، التي وظفت الحروفيات وإعادة قراءة التراث السوداني بصرياً، والتي لم تجد اهتماماً يوازي مغامرتها وطموحها، من قبل الفنانين والعامة على حد سواء. إلى جانب ذلك، يحضر تراب الأرض حمرة وصفرة عنصراً أساسياً في لوحات الصلحي، التي تعيده إلى طفولته في مدينة أم درمان، حين كان يحفر مع أصدقائه في منطقة محاطة بأسلاك شائكة، ويخرجون قطعاً أثرية تنتمي إلى العصر الحجري، فلم تغادر تلك الصورة مخيلته.

يقدّم الصلحي في أعمال أخرى فكرة شجرة الحراز التي تشير إليها الميثولوجيا القديمة أنها قد حاربت المطر، إذ اختارها رمزاً للإنسان الذي يمتاز بالصلابة وقوة الشكيمة والإصرار على الحياة رغم قسوة الظروف وجفاف الطبيعة، كما تظهر أزهار اللوبيا على ضفاف النيل.

"قبضة من تراب" عنوان سيرته الذاتية التي صدرت في كتاب عام 2012، ودوّن فيها العديد من المحطّات الرئيسة في حياته بدءاً من دراسته في بريطانيا، ثم عودته إلى الخرطوم وصدمته في البدايات التي قادته إلى مزيد من الإصرار على الاستمرار، وتجربته في السجن، وخروجه من السودان متنقّلاً بين الدوحة ولندن، وصداقته الوطيدة مع الطيب صالح، الذي أنجز هذا العام كتاباً حول رواية الأخير "موسم الهجرة إلى الشمال"، وأصدرته "دار دنقلة" البيروتية.

المساهمون